عدوان محسوب على ايقاع الصراع الفلسطيني الداخلي طلال عوكل لم يكن إطلاق صواريخ "فجر الانتصار" على قاعدة زيكيم العسكرية الإسرائيلية جنوب مدينة عسقلان أمراً فريداً من نوعه في سياق الحياة السياسية الفلسطينية. التوقيت جاء محسوباً هذه المرة، كما في معظم المرات السابقة، حيث كانت الصواريخ تطلق، أو يجري تنفيذ عمليات عسكرية، من قبل حركتي حماس والجهاد قبل الانتخابات التشريعية، ومن قِبل الجهاد بعدها، لتحقيق أهداف سياسية تتصل بتخريب مبادرة، أو تحرك سياسي يقوم به الرئيس أو السلطة. في هذه المرة جرى اطلاق الصواريخ فجر يوم الثلاثاء الماضي، واثر لقاء القمة الأخير في القدس بين الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية والذي صدرت عنه بعض المؤشرات الايجابية التي أجملها في مؤتمر صحافي رئيس دائرة المفاوضات الدكتورصائب عريقات. بالقياس لما هو مطلوب من لقاء قمة هو الثالث خلال فترة قصيرة والسادس خلال هذا العام، فإن الحصيلة لا تزال هزيلة، ولا ترتقي الى مستوى المعالجة الجدية في اطار ما هو مطلوب لانجاح الاجتماع الدولي في الخريف المقبل، لكن الحصيلة بالمقارنة مع ما سبق، قد تحمل بعض الجديد فيما يتصل بجملة من القضايا الاجرائية والأمنية والإنسانية التي ظلت معلقة على رف الوعود، هذا بالاضافة الى تشكيل لجان للبحث في الموضوع السياسي، غير أن هذه المؤشرات التي تجعل الرئيس عباس يبدي ارتياحه لأجواء القمة، تشكل دافعاً قوياً لمن لا يؤمنون بالمفاوضات والحل السياسي للقيام بما يمكن أن يؤدي الى تخريب هذا التحرك، وكل ذلك على خلفية التناقضات البرنامجية بين فصائل العمل الوطني. الصواريخ محلية الصنع التي سقطت فوق زيكيم لم تكن مختلفة عن الصواريخ التي تطلق كل يوم تقريباً، ولا تنطوي على تطوير بشأن مدى دقة الإصابة أو قدرتها التفجيرية، أو المسافة التي يمكن أن تصل إليها، لكنها هذه المرة أوقعت عدداً أكبر بكثير من الاصابات بلغت نحو تسعة وستين جندياً، وهي حصيلة تجعل المحللين والمراقبين خصوصاً الاسرائيليين يبالغون في تقدير مدى خطورة الوضع، لجهة تعزيز حملة التحريض الجارية في اتجاه ارتكاب عدوان إسرائيلي واسع على قطاع غزة. فوق ذلك، فإن الاعتقاد السائد هو أن الصدفة وحدها هي المسؤولة عن نجاح الصواريخ في الوصول الى الهدف الذي وصلته وأوقعت فيه هذا الحجم من الخسائر، ولذلك فإن أمر الصواريخ لا ينطوي على جديد يذكر، يبرر لإسرائيل التعجيل في القيام بعدوانها الواسع على قطاع غزة، وفق الخطة التي أعدها الجيش الإسرائيلي تحت مسمى "جباية الثمن". في الواقع، فإن اسرائيل لم تتوقف عن العدوان ضد مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم تتوقف عمليات الاغتيال بوسائل القصف الجوي، غير أن ما وقع في رفح أوائل هذا الأسبوع يلفت النظر الى تصعيد إسرائيلي نوعي ومحسوب ومتدحرج حتى قبل إطلاق الصاروخين على قاعدة زيكيم على عمق أكثر من ثلاثة كيلومترات في مدينة رفح قامت مجموعة عسكرية اسرائيلية خاصة بنصب كمين للقائد في كتائب عز الدين القسام مهاوش القاضي، وقامت باختطافه، وهو يعد حسب الرواية الإسرائيلية كنز معلومات من الأهمية، بحيث تعتقد الدوائر الإسرائيلي بأنها امتلكت ثمن الافراج عن الجندي جلعاد شاليت. على أن الحديث عن خطة إسرائيلية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، تحتمل استخدام وسائل عسكرية متنوعة ومتقدمة، ووسائل مدنية كقطع التيار الكهربائي والماء والوقود، هذا الحديث المتكرر، لم يكن يعني رغم حدته أن اسرائيل بصدد القيام بتلك العملية خلال وقت قريب. تكذب اسرائيل وقياداتها السياسية والأمنية والعسكرية حين تعتبر أن امتناعها عن القيام بعمليتها العسكرية الواسعة ضد قطاع غزة، هو بسبب الرغبة في ضبط النفس وعدم تخريب الجهود السياسية التي تلح عليها واشنطن والعواصم الأوروبية تحضيراً للاجتماع الدولي. من الواضح أن تعليق القيام بتلك العملية الواسعة مرتبط بالحسابات الإسرائيلية التي تعطي الأولوية لاستمرار الصراع الفلسطيني الداخلي الذي تتزايد حدته يوماً بعد الآخر، بما يضعف كافة الأطراف المنخرطة فيه ويستنزف ما تبقى من طاقة الصمود والمقاومة وطالما ان الفلسطينيين يعفون الاسرائيليين من دفع ثمن اضعاف الحالة الفلسطينية. ولهذا يخطئ من الفلسطينيين من يدعي أو يراهن على أن اسرائيل تستهدف من خلال عملية واسعة تقوم بها في ظروف لاحقة، القضاء على حركة حماس أو المساعدة في إنهاء حالة الانقسام لصالح حركة فتح والرئيس محمود عباس. إن إسرائيل تعرف تماماً أنه ليس بإمكانها، أو بإمكان أحد أن يصفّي هذا الفصيل أو ذاك بالوسائل العسكرية الأمنية، تماماً كما ينبغي أن تدرك فصائل العمل الوطني ان ليس بمقدورها مهما فعلت ومهما استخدمت من وسائل القوة والقمع أن تنهي حتى أصغر فصيل فلسطيني. كان يمكن أن يتزامن توقيت العملية الاسرائيلية الواسعة ضد قطاع غزة مع توفر واحد من شرطين الأول أن تلوح في الأفق بوادر هدوء داخلي فلسطيني سواء من خلال حوار أو بدونه. والثاني في حال تصاعد العنف الداخلي الفلسطيني الى حدود ترى من خلالها اسرائيل امكانية تبرير تدخلها تحت عنوان إنساني وأخلاقي يغسل يديها من الدم الفلسطيني. إطلاق الصاروخين بالنتائج التي تحققت يحدث تعديلاً طفيفاً، فالحكومة الإسرائيلية لا تستطيع أمام ضغط جمهورها الداخلي تجاوز ضرورة الرد على العملية، ولكن بدون أن يؤدي ذلك الى افساد رؤيتها وأهدافها من وراء عملية واسعة، وفي الوقت ذاته بما يمكنها من تعزيز خطابها السلامي الكاذب وتسويقه دولياً. لهذا، فإن من المرجح أن تقوم اسرائيل بالرد عبر عمليات اغتيال جوية، وبعض التوغلات المحدودة وباستخدام وسائل الضغط المدني (كهرباء، ماء، وقود) وتؤجل عمليتها الواسعة التي تستهدف ضبط وتحجيم عوامل القوة الفلسطينية ودفع الأطراف الى المزيد من التناقض والصراع. إذا كان كل ذلك مفهوماً فإن من غير المفهوم اطلاقاً ان تتصاعد ظاهرة استخدام العنف والقمع الداخلي، التي باتت تهدد أبسط حقوق الإنسان الفلسطيني، بدلاً من إعادة بناء عوامل الصمود لدى الناس. عن صحيفة الايام الفلسطينية 13/9/2007