مشرف بين الإشارتين الخضراء والحمراء ممدوح طه على عكس ما جرى في التجربة الديمقراطية الموريتانية بعد اشتداد الأزمة بين الرئيس والبرلمان بتحرك الجيش لإقالة الرئيس نيابة عن غالبية أعضاء البرلمان، يجتمع البرلمان الباكستاني اليوم في سابقة برلمانية هي الأولى ليس في تاريخ باكستان فقط بل في تاريخ التجارب الديمقراطية الإسلامية لبدء إطلاق عملية إقالة الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف بالوسائل الدستورية..
وكان تحالف الأحزاب التي تشكل الحكومة الحالية المنتخبة والتي تشكل الغالبية البرلمانية وفي مقدمتها حزب الشعب العلماني بزعامة آصف زارداري أرمل الزعيمة الراحلة بنازير بوتو، وحزب الرابطة الإسلامي بزعامة رئيس الوزراء الباكستاني المنتخب الأسبق نواز شريف الذي انقلب عليه رئيس أركانه الجنرال مشرف واستولى على الحكم بالقوة منذ ثماني سنوات، قد قرروا التحرك نحو هذا الهدف بعد مشاورات استمرت على مدى الشهور الخمسة الماضية.
وكان الزعيم الإسلامي شريف بعد خروجه من سجن مشرف بعد الانقلاب العسكري، والزعيمة العلمانية بوتو بعد خروجها إلى المنفى بعد استيلاء مشرف على السلطة، قد التقيا في لندن واتفقا على قيام حزبيهما بالنضال معا للإطاحة بنظام مشرف وإعادة الحكم المدني واستئناف الحياة الديمقراطية.
وحينما اشتدت الضغوط الشعبية في الداخل والدولية في الداخل للتحول الديمقراطي، أضطر مشرف إلى القبول بعودة بنازير وشريف إلى باكستان وتنظيم انتخابات برلمانية بعد أن عزل القضاة الذين رفضوا التصديق على ترشيحه، لينصب نفسه في انتخابات مشكوك في سلامتها لرئاسة الجمهورية !
إلا أن ما أزم الوضع السياسي إلى حد بالغ السوء هو الأحداث الدراماتيكية التي نتجت عن اغتيال الزعيمة الباكستانية بوتو بعد عودتها من المنفى، واتهام حزب الشعب الذي تترأسه للمخابرات الباكستانية بتدبير الاغتيال، بما أدى لفوز حزب الشعب بالانتخابات البرلمانية، وتلاه حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف وائتلافهما في الحكومة المنتخبة التي قررت قبل أيام دعوة مشرف إلى الاستقالة أو العمل على إقالته برلمانيا.
وقد حاول مشرف منذ انقلابه العسكري وحتى اليوم ضمان استمراره في الحكم عن طريق التحالف مع الإدارة الأميركية القبول ضد الجارة والشقيقة أفغانستان فيما يسمي الحرب على الإرهاب ضد نظام طالبان، مما نقل الصراع إلى داخل باكستان وحدوث مواجهات سياسية بين النظام الباكستاني والأحزاب الإسلامية المعارضة، وعسكرية بين الجيش الباكستاني والقبائل الباكستانية، انتهت إلى وجود لطالبان باكستان على الحدود !
إلا أن اللافت أن الإدارة الأميركية التي طالما تمسكت طوال السنوات الماضية ببقاء مشرف كرئيس للدولة بل واتفقت مع بنازير من قبل اغتيالها على تقاسم السلطة معه كرئيسة للحكومة، يبدو أنها غيرت من سياستها وتخلت عن حمايتها له، كما تتخلى دائما عن أدواتها إذا شابها التقصير في أداء المهمة المطلوبة منها أو بعد استنفاد أداء مهامها أو إذا أصبحت عبئا عليها !
وكانت الإدارة الأميركية قد اتهمت مشرف مرارا «بالتقصير» في التصدي لطالبان الأفغانية والباكستانية، بل وهددت بالتدخل العسكري ضد منطقة القبائل الباكستانية، وهو ما يبدو من تصريح الخارجية الأميركية بأن «عملية عزل مشرف شأن داخلي باكستاني»!
والمفارقة الغريبة هنا أن أحزاب الائتلاف الحاكم التي قررت من اليوم إضاءة الضوء الأحمر في وجه مشرف، أعدت مذكرة اتهام له تتضمن «الاتهام بالتقصير في أداء مهامه»!!..
فهل جاء الضوء الأخضر من واشنطن !! عن صحيفة البيان الاماراتية 11/8/2008