كان واضحاً ان عاشوراء هذه السنة مختلف، حشدت له الدولة كل امكاناتها،وقطعت الكهرباء عن بغداد وغير بغداد، لإدامة الانوار في كربلاء والنجف ليتمكن المؤمنون من ممارسة ما يسمونه (الطقوس والشعائر الحسينية)!. لسنا في معرض الحديث عن جذور هذه القصة في التاريخ، ودوافع صناعتها، ومانشأ عن ذلك من صراعات بين احياء بغداد منذ القرن الرابع، لكننا نريد الاشارة الى ما يحدث اليوم، بل ماحدث هذه السنة بالتحديد. التحشيد غير المسبوق، والتنسيق بين قوى متصارعة في المصالح والسياسة، يشير الى اتفاق على استعراض للقوة اعدته قائمة الائتلاف،وسمحت فيه حتى لصبيان من التيار الصدري يجوبون الشوارع معصوبي الرؤوس بالخرق الخضراء، وهم يرددون ابتكار صفة الصلاة على النبي ، مضاف إليها التخصيص المقتدائي(وانصر ولده)! وهي صيغة بات علامة مسجلة للصدريين الذين لا يقبلون ولداً للائمة المعصومين غير حجة الله مقتدى اصدر.
هذه السنة، اخذت حكومة ملالي النجف وكربلاء الحاكمة في بغداد، وقتها كله، ولم يعد يهمها ان تستفز سائر مكونات العراقيين، فالكهرباء تقتطع من بغداد، لتحول الى الكاظمية، والى فاتيكان الشيعة، والبلاد خضعت لمنع التجوال لحماية الزائرين مع انهم يعتبرون الاحتلال مكّن اتباع مذهب آل البيت من ممارسة طقوسهم وشعائرهم بكل حرية، ويخدعون بذلك البسطاء الذين لم يكونوا يخافون عند الذهاب للزيارة في ما سبق، من انفجار مفخخة، او من حزام ناسف، او غير ذلك من سائر وسائل القتل!
ثم دهل على الخط دولة رئيس الوزراء، وحزبه الذي لم يكف منذ انشأته مخابرات الشاه والمخابرات البريطانية، لإستخدامه للوقوف بوجه الشيوعية نهاية الخمسينات، لم يكف عن الادعاء انه حزب عابر للطوائف! وان ثارات قيادات الحزب في الستينات على عبد الهادي السبيتي لأنه كان ينزع الى تخفيف الصبغة الطائفية عن الحزب، نقول دخل المالكي رئيس وزراء العراق كله –كما يفترض- الى الساحة، فرأيناه يلطم على صدره، ومثلما رأينا الليبرالي المصرفي المتحول احمد الجلبي يلطم على قراءة المقتل بصوت عمار الحكيم، الذي يصلح للغزل الناعم اكثر من صلاحيته لقراءة قصة دموية مثل قصة المقتل!
حزب الدعوة، الذي اخذ فرصته الكاملة من السلطة لمرتين، يريد مغازلة عوام الشيعة الذين تورطوا فانتخبوه مع قائمة الائتلاف وفاز بفوزالقائمة، لكنه فشل فشلاً ذريعاً في انتخابات مجالس المحافظات لأنه دخلها لوحده!
لبس نوري المالكي لبوس الروزخون، وظهر باحتفالية اقامها حزبه، بمناسبة عاشوراء، ليشرق ويغرب ويثبت انه لا يختلف عن سواه من خريجي حسينات قم وطهران والسيدة زينب والاوزاعي في النزوع الشعوبي المتخلف، والفكر الملوث بفيروسات الصفوية، شتم المالكي الدولة الاموية وطعن بالتارخ العربي الاسلامي، واعتبر الخلافة العربية الاسلامية تحولت الى ملك مخصوص، مع ان نظرية الامامة،لا تختلف في التزاماتها بالتوريث عن نظام الخلافة اللاحق لخلافة الراشدين!
ثم رفع المالكي يده وفيها الختم المشهور، فاعتبر حكم الدولة العربية الاسلامية، حكماً منحرفاً، ووصف الاحاديث النبوية عند غير الشيعة، بأنها محرّفة ومزورّة!
المالكي يحسب انه يكسب لنفسه ولحزبه من بسطاء الناس، ما خسره بسبب الفشل والفساد وانعدام الكفاءة والتخبط وخداع الناخبين،الذين اقتصرت هبات المالكي وحزبه لهم، على وظيفة من اثنين، فإما ان تكون زبالاً او شرطياً!
الناس شبعت من اللطم، ومن قصص ابن مخذف، ومن اساطير الشعوبيين، ولم يعودوا بحاجة الى بضاعة المالكي المزجاة، في ظل اوضاع تنذر باندلاع ثورة شاملة في الجنوب والفرات الاوسط وبغداد، ينخرط فيها كل المخدوعين، الذين استيقظوا على حقائق لم يكن الروزخونية ينشغلون بإمر اكثر من انشغالهم بتغييبها: انهم خثدعوا وان اللطم والتباكي في قصة الحسين ليست بديلاً عن الامن والخبز والكرامة، وان حكومة يقودها اهل الاصابع المزينة بالخواتم، ليست هي التي كانوا يريدونها، فلهم هم صدورهم التي يلطمون عليها، وظهورهم التي يضربونها بالسلاسل، وليست بضرب المالكي ظهره او صدره بمكسب كبير لهم!.