هل تستطيع أميركا سد الثغرة العراقية؟ خيرالله خيرالله من المستبعد أن تساعد صفقات أسلحة قد تعقدها الولاياتالمتحدة مع دول عربية تسمّى من وجهة نظرها «معتدلة»، في احتواء «الخطر الإيراني» في الخليج أو خارج الخليج. لن يساهم ذلك على الأرجح في التصدي للنفوذ الإيراني لا في العراق ولا في لبنان أو فلسطين، وحتى في اليمن والسودان حيث يحاول النظام الإيراني حشر أنفه في الشؤون الداخلية للبلدين من زاوية مذهبية. الموضوع ليس موضوع حرب تقليدية تشنها إيران على أي دولة أخرى يمكن التصدي لها بالسلاح المتطور. الموضوع مرتبط بالسياسة أولاً وأخيراً وليس بأسلحة متطورة أو غير متطورة وبامتلاك هذه الدولة العربية أو تلك أسلحة متطورة. ذلك لا يعني في أي شكل أن ليس من حق الدول العربية الحصول على أسلحة متطورة، بمقدار ما يعني ألا معنى للسلاح من دون سياسة واضحة يوظّف في خدمتها. وإلى إشعار آخر لا توجد سياسة أميركية واضحة في المنطقة، بل توجد سياسات أميركية تنم عن قصر نظر أكثر من أي شيء آخر... تنم في الواقع عن رغبة في تفتيت المنطقة بغية إعادة تشكيلها من جديد بما يخدم المشروع الإسرائيلي... إلى أن تثبت واشنطن العكس. حبّذا لو تنجح في ذلك! يفترض في الإدارة الأميركية، في حال كانت لديها رغبة جدية في التصدي لإيران وليس استخدام ما تعتبره «خطراً» على دول الخليج من أجل عقد صفقات أسلحة بمليارات الدولارات، أن تعي أن في أساس تحوّل إيران إلى قوة إقليمية قادرة على التأثير في العراق والخليج وفلسطين ولبنان وحتى داخل سورية نفسها، الخطأ الذي ارتكبته القوة العظمى الوحيدة في العالم باجتياحها العراق. غيّر الاحتلال الأميركي للعراق كل المعطيات الإقليمية على نحو جذري. لم تع إدارة بوش الابن التي كانت تريد التخلص بأي ثمن كان من نظام صدام حسين العائلي - البعثي، الذي أخذ العراقيين والعراق من كارثة إلى أخرى، خطورة العمل الذي كانت تنوي الإقدام عليه والنتائج التي كانت ستترتب على هذا العمل. الواضح الآن، بعد مرور نحو أربع سنوات ونصف سنة على المغامرة الأميركية في العراق، أن مجموعات عدة داخل الإدارة اتخذت قرار الحرب ودفعت في اتجاه اتخاذه. كانت إحدى المجموعات مرتبطة إلى حد كبير باليمين الإسرائيلي، بل كانت تزايد عليه. يبدو جلياً أن أفراد هذه المجموعة لم يكن لديهم سوى هدف واحد هو بدء العملية العسكرية التي أنهت النظام العراقي وأحلّت مكانه نظاماً قائماً على فكرتي توزيع المناصب والمغانم على أساس مذهبي وأن يكون العراق الجديد فيديرالياً. بالنسبة إلى أعضاء هذه المجموعة، كل ما تبقى يدخل في باب التفاصيل. بالنسبة إلى هؤلاء كانت الحرب هدفاً بحد ذاته بهدف تفكيك العراق. ولذلك، لم تكد حرب العراق تضع أوزارها، حتى انفك معظم أفراد هذه المجموعة التي كانت تزايد حتى على اليمين الإسرائيلي عن الإدارة. لم يكتف هؤلاء بالابتعاد عن بوش الابن، بل راحوا يوجهون الانتقادات لطريقة إدارة الوضع في العراق في مرحلة ما بعد الحرب وكأنّه لم تكن لهم علاقة لهم بها من قريب أو بعيد. تلك الحرب التي خرج منها منتصر واحد هو إيران. وكان لافتاً أن طهران كانت العاصمة الوحيدة بين عواصم الجوار العراقي التي أيدت الخطوات الأميركية التي تلت إسقاط النظام العائلي البعثي لصدّام بما في ذلك قرار تشكيل مجلس الحكم الانتقالي الذي همّش منذ البداية السنة العرب إلى حد كبير ووضع الأسس التي ضمنت انفلات الغرائز المذهبية بكل أشكالها وألوانها. هناك مثل شعبي لبناني يبدأ بسؤال: «مَنْ عنترَك يا عنتر؟» فيأتي الجواب: «لم أجد من يردني»، أي من يقف في وجهي. من عنتر إيران؟ الأميركيون جعلوا من إيران عنتر المنطقة. والأكيد أن النظام في إيران لم يجد من يردعه بعدما خاضت الولاياتالمتحدة حربين بالنيابة عنه أدّت الأولى إلى تخليصه من نظام «طالبان» السيئ الذكر الذي كان عدوّاً له من منظار مذهبي متزمت، فيما أدت الحرب الثانية إلى الانتهاء من عدو تاريخي آخر له اسمه صدّام حسين حارب بضراوة ليس بعدها ضراوة الأحزاب العراقية الشيعية التي اخترقتها إيران لاحقاً حتى النخاع. الآن، تبدو الإدارة الأميركية مصممة على التصدي للنظام الإيراني وكأنها اكتشفت فجأة الطموحات الإقليمية لهذا النظام. يحصل ذلك في وقت لا يمر يوم في واشنطن من دون بروز أصوات تتحدث صراحة عن ضرورة التحدث إلى الإيرانيين للبحث في الوضع العراقي. إذاً تريد إدارة بوش الابن هذه الأيام التصدي للنظام الإيراني عن طريق معادلة تقوم على تسليح دول عربية «معتدلة» في الخليج وفي الشرق الأوسط، فضلاً بالطبع عن توفير مساعدات عسكرية ضخمة لإسرائيل. مرّة أخرى ان السلاح المتطور ضرورة عربية، ولكن ليس لمواجهة إيران التي تقاتل الأنظمة العربية حالياً بسلاح مختلف هو سلاح الدهاء والاستفادة من الثغرات أن في الوضع العربي أو في السياسات الأميركية. من هذا المنطلق، يبدو ضرورياً أكثر من أي وقت، في حال كان مطلوباً إعادة إيران إلى حجمها الحقيقي، سد الثغرات أكان ذلك في لبنان أو فلسطين أو العراق أو أي منطقة أخرى من العالم العربي تعاني من التدخلات الإيرانية التي في أساس اتساعها الانتصار الذي تحقق في العراق. يظل العراق الثغرة الكبرى التي استغلها النظام الإيراني لتعزيز مواقعه المتقدمة في المنطقة، خصوصاً في فلسطين ولبنان. ليس سرَاً أن النظام «الإسلامي» في إيران يحاول منذ آخر السبعينات من القرن الماضي، أي منذ انتصار الثورة في العام 1979 تحديداً، الاستحواذ على قضية فلسطين وتحويلها إلى ورقة من أوراقه الإقليمية على حساب العرب أولاً وبما يخدم مصالحه في نهاية المطاف. ولذلك كان الاصطدام الأول بين ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني وآية الله الخميني مؤسس «الجمهورية الإسلامية» في اللقاء الذي حصل بينهما في طهران بعيد عودة الخميني من منفاه الفرنسي في فبراير 1979. خرج أبو عمّار من ذلك اللقاء مذهولاً عندما اكتشف أن همّ الخميني هو وضعه تحت عباءته. ولم يلبث النظام الإيراني أن زايد على العرب بخطف قضية القدس التي جعل منها قضيته بإعلانه يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك «يوم القدس»... أكان في فلسطين أو لبنان أو سورية... أو أي مكان آخر في المنطقة العربية، خصوصاً في الخليج العربي، لم تمسك إيران بزمام المبادرة إقليمياً الا بعد الذي فعله الأميركيون في العراق. قبل الدخول الأميركي إلى العراق، لم تكن إيران لاعباً أساسياً في فلسطين. كانت مجرد لاعب بين لاعبين آخرين عبر أحد أجنحة «حماس» و«الجهاد الإسلامي». أما الآن فان لديها الميليشا الأكبر في فلسطين، إنها «القوة التنفيذية» التي سمحت ل «حماس» بالسيطرة على قطاع غزة. وفي لبنان، تمتلك إيران قرار الحرب والسلام. برهنت عن ذلك الصيف الماضي. وهي تؤكد كلّ يوم عبر «حزب الله» أن ثمة حاجة إلى اتفاق جديد بين اللبنانيين غير «اتفاق الطائف» يضمن موقعاً بصلاحيات تنفيذية للطائفة الشيعية. وفي سورية، لم يعد هناك تكافؤ في العلاقة بين دمشقوطهران بعدما خرج الجيش السوري من لبنان، وبعدما صارت إيران ممسكة بالعراق عبر ميليشيات الأحزاب الشيعية الكبيرة والكوادر التابعة لها التي تتمسك بالمفاصل الحساسة كلها. وفي طول الخليج وعرضه، لم يعد لدى كثيرين من همّ غير الهم الإيراني والطموحات الإيرانية التي يرمز إليها البرنامج النووي لطهران. هل يمكن معالجة مثل هذا الوضع المعقد بصفقات أسلحة؟ أليست الحاجة إلى سياسات أميركية جديدة تركز على أن في أساس هذا الوضع تداعيات العراق؟ من دون البحث جدياً في كيفية التعاطي مع الوضع العراقي، لا يبدو أن الأسلحة التي تعرضها الولاياتالمتحدة تقدّم أو تؤخر، إلا إذا وضعنا جانباً تجار الأسلحة الذين يحتمل أن يستفيدوا من الصفقات. هل لدى القوة العظمى الوحيدة في العالم علاج للعراق؟ هذا هو السؤال الأساس. كل ما تبقى مجرد تفاصيل. لكنها تفاصيل مهمة نظراً إلى أنها تندرج في سياق عملية إعادة تشكيل الشرق الأوسط لا أكثر ولا أقلّ. عن صحيفة الرأي العام الكويتية 9/8/2007