القوات المسلحة تحتفل بتخريج دفعات جديدة من المعاهد الصحية    طرح الخضراوات والفاكهة بمنافذ المجمعات الاستهلاكية التفاصيل    إزالة 128 تعديا على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في بني سويف    السيسي: مصر ملتزمة بالتعاون المشترك بين البريكس ودول الجنوب    إذاعة جيش الاحتلال: حزب الله أطلق 50 صاروخا على الجليل في دقيقتين    ميقاتى: الغارات الإسرائيلية أخرجت 13 مستشفى عن الخدمة فى لبنان    الرئيس الصيني: علينا العمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإحياء حل الدولتين    تعرف على موعد تحرك الأهلي لاستاد محمد بن زايد لمواجهة الزمالك    إصابة شخصين فى مشاجرة بسبب خلافات بينهما فى إمبابة    القبض على لصوص 15 مايو بعد منشور على "فيسبوك"    مقتل شاب طعنًا في مشاجرة بالعمرانية    تحرير 125 محضرًا خلال حملات على المخابز والأسواق بالمنيا    لمواليد برج العذراء.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2024    لمياء زايد: كنت أحلم بدخول دار الأوبرا فأصبحت رئيسة لها    القليوبية تحتفل بالأسبوع العالمي لمكافحة العدوى.. غسل اليدين يقي من الأوبئة    وزير الصحة يبحث مع نظيره السوداني زيادة فرص تدريب الأطباء في مصر    السوبر المصري - تفاصيل برنامج الأهلي تحضيرا لمواجهة الزمالك    تشكيل مانشستر يونايتد المتوقع أمام فنربخشة بالدوري الأوروبي    تعليق شوبير على تصريحات عامر حسين بشأن تغيير شكل كأس مصر    جيرارد: صلاح مهووس باللعبة.. أتحدث عنه باستمرار.. وأتمنى بقاءه    الإسكان تعلن موعد تسليم الدفعة الأولى من أراضي "الرابية" بالشروق    جامعة المنوفية تحتل المركز التاسع محليا و28 إفريقيا في تصنيف ليدن الهولندي    "راحت عليك" تعود للحياة بعد 100 عام على مسرح الأوبرا المصرية    وزارة الري تسعى لتسريع تنفيذ مشروعات التحول للري الحديث    60 ندوة توعية نفذها صندوق مكافحة الإدمان بإسنا وأرمنت    وزيرة التنمية المحلية تبحث مع محافظ القليوبية عدد من المشروعات    «التنمية المحلية» والتموين والزراعة.. يتابعون عبر «فيديو كونفرانس» توافر السلع الغذاية بالمحافظات    واشنطن بوست: أمريكى يعمل مع موسكو أنشأ مقاطع تزييف عميق تستهدف هاريس    موعد عرض Arabs Got Talent الموسم السابع 2024 والقنوات الناقلة    الإسعاف الإسرائيلي: إصابة شخصين بجروح خطيرة في الجليل الغربي    هاريس: بعد استشهاد السنوار لدينا فرصة لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى    تداول 55 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    الكشف على 168 مواطنا بقافلة طبية بقرية ميت الحوفين في بنها    محافظ المنيا: تقديم 1368 خدمة طبية مجانية خلال قافلة بقرية بنى حرام بمركز ديرمواس    تكليف 350 معلمًا للعمل كمديري مدارس بالمحافظات    مهمة جديدة في انتظار شيكابالا داخل جدران الزمالك بعد أزمة الثلاثي    نيقولا معوض يخدع ياسمين صبري في ضل حيطة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024 في المنيا    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الدولية    مدير منطقة الغربية الأزهرية يتفقد انتظام الدراسة بالمعاهد الأزهرية بالمحلة    اعتقال 200 فلسطيني من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة    حبس المتهم بق.تل والد زوجته فى مشاجرة بالقليوبية    إطلاق قافلة طبية قافلة طبية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية    هل يجوز الكذب عند الضرورة وهل له كفارة؟.. أمين الإفتاء يوضح    علي الحجار: مهرجان «الموسيقى العربية» عالمي.. وهذا الفرق بين المطرب والمغني    بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج.. خيارات مشروعة لتيسير الزواج    الأحد.. هاني عادل ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    خبير عن تطرق البيان الختامي ل " البريكس" للوضع في الشرق الأوسط: رسالة للجميع    خالد الجندى: سيدنا النبى كان يضع التدابير الاحترازية لأى قضية    الكيلو ب 73 جنيه.. تعرف على أسعار الفراخ البيضاء اليوم الخميس    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواطنين بمدينة نصر    المراجعة الرابعة لبرنامج مصر مع صندوق النقد.. نوفمبر المقبل    محمد عبدالله: دوافع الزمالك أكبر للفوز بالسوبر المصري    أكروباتية خرافية من هالاند.. سيتي يقسو على سبارتا براج بخماسية في دوري أبطال أوروبا    نشرة التوك شو| موعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.. وحقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    محافظ الإسماعيلية ورئيس هيئة قناة السويس يشهدان احتفالية ذكرى انتصارات أكتوبر    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصر المقاومة وفوبيا العرب / نجيب نور الدين
نشر في محيط يوم 22 - 07 - 2008


نصر المقاومة وفوبيا العرب
نجيب نور الدين
عندما يسكن الخوف الوجدان يتحول مع الزمن الى فوبيا تتحكم بالمسارات والسلوك، والفوبيا ليست حالة مختصة بالأفراد فسحب، بل يمكن أن تُصيب الجماعات، وحتى الشعوب في أحيان كثيرة.. وهذا أمر ربما نشهد له تمثلات عند عديد الشعوب والأمم، خاصةً عند تعرضها لمخاضات كبرى، تكون المخاطر فيها أكبر من قوة احتمالها، أو القدرة على جبهها.. وقد تجتمع سلسلة عوامل لتكوين هذا المرض النفس اجتماعي، منها ما هو ذاتي، ومنها ما هو موضوعي، لكن في النتيجة تتحول عوارضه الى أزمات تُصيب الإرادة والخيارات وحتى الأحلام احياناً.. وقد يكون منشأ هذه الفوبيا مخاطر حقيقية وقد تكون مخاوف تفاعلت وجرى تضخيمها ذاتياً، لكن النتيجة في الحالتين تبقى واحدة..
ومن الأمثلة على ذلك ما ابتُلي به العرب مع الكيان الصهيوني، إذ تحوّلت الهزائم أو النكسات (كما يحب العرب أن يسموا هزائمهم أمام الكيان الصهيوني تلطيفاً للنتيجة) الى ما يُشبه الفوبيا من هذا الكيان.. وبات التفكير بمواجهة عدوانيته أمرا يستلزم استجماع كل المخاوف المتوارثة عنه، من حصول الكوارث والمآسي التي قد تُصيبهم إذا ما حاولوا أن يكونوا عدواً ندّاً لكيان امتهن العدوان واحترفه من موقع الدولة.. فبات العجز حتى عن مجرد التفكير بالمواجهة أمراً بالغ الصعوبة، فكيف بالتفكير باستراتيجية مواجهة عربية مُشتركة..
وقد يتطور هذا الأمر ويستشري الى الحد الذي يُصبح كما يصفه أحد كبار علماء الدين في لبنان هاجس الخوف من النّصر.. لأنه كما للهزيمة ثمن فكذلك للنصر مترتبات، أهمها السعي للحفاظ عليه، وتثميره في المكان الصحيح.. وقد يكون توظيفه في الأمكنة الصحيحة لا يتناسب مع توزّع موازين القوى في جبهة المنتصر.. وقد يولّد ذلك عند بعض هذه القوى فوبيا من نوع آخر..
الحل الأنسب الذي يعتمده العرب لعلاج الفوبيا من الكيان الصهيوني هو السعي الى التسويات والصُلح معه، باعتبارهما الدواء الأنجع لعلاج أمراضهم الناشئة عن هذا الكيان. فأفضل طريقة لاتِقاء شر هذا الفيروس الخطير هو التعايش معه بدل »المغامرات غير المأمونة العواقب« من مواجهته أو السعي للقضاء عليه.. وهذه الطريقة في التعامل مع مصدر الفوبيا قد لا تكون الطريقة الفُضلى لمنع مخاطره، لكنها الأقل كلفة للحؤول دون نهشه للجسم الهزيل بكامله (من الفرات الى النيل).. وعليه يتحول أي عضو من أعضاء هذا الجسم الى »مغامر« حين يحاول منع تمدد الفيروس في الجسم.. وعندها، يتقدم ما تبقى من أجهزة المناعة لديه لثنيه عن فعلته خوفاً من ردّات فعل الفيروس على الجسم كله.. ولا بأس بعدها من قطع هذا العضو إذا لم يستجب لرغبة هذا الجسم عند استعصائه على كوابح الجسم الفاعلة.
ما تقدم هو الإطار النفس اجتماعي لحال المقاومة الوطنية في لبنان مع العرب، وبالتحديد أكثر، مع الأنظمة العربية والسلطة اللبنانية من ضمنها طبعاً.. فالعرب الذين أدمنوا الهزائم ويئسوا من المواجهة وسلموا بعدم إمكانية تحقيق نصر حقيقي على الكيان الصهيوني.. حوّلوا هذا الواقع الى قناعة أفقدتهم إرادة المواجهة وتبنوها توجهاً، عبّر عن بداياته الرئيس المصري السابق أنور السادات حين أعلن أننا عاجزون عن النصر على الكيان الصهيوني لأن 99? من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط هي في أيدي متعهد تفوق هذا الكيان على العرب والمسلمين جميعاً، أي الولايات المتحدة الأميركية..
بعدها كرّت التصريحات المتناغمة، وجاءت قرارات الجامعة العربية تباعاً لتحاكي هذا التوجّه من التحوّل عن خيار المواجهة، ولاءات عبد الناصر، الى طروحات التسوية و»السلام« على قاعدة أطروحة السادات. ومعلوم أن هذا التوجّه أملى جملة سياسات عربية حتّمت تغليب منطق فتح قنوات التواصل مع العدو الصهيوني عند أكثر من دولة عربية على سدّ المسارب التي يتسلّل منها هذا العدو خلسةً الى هذه الاقطار.. وساد خلال السنوات الأخيرة أدبيات »النخوّة« العربية في »التعازم« على تقديم تسهيلات التسوية عبر ترغيب من لم يقتنع بها من العرب بمحاسن الأمن والسلام والرخاء الموعود (الموهوم)..
الصدمة التي هزّت هذا المناخ العربي جاءت هذه المرّة من البلد الأضعف تقليدياً والأقل إمكانات من باقي إخوانه العرب، حيث أرغمت المقاومة الوطنية فيه العدو الصهيوني على الانسحاب من جنوب لبنان وبقاعه الغربي دون قيد أو شرط.. بل كان بشرط عدم قيام المقاومة بملاحقة جنود العدو وآلته العسكرية الى ما يتعدى الحدود الدوليّة للبنان، الى فلسطين المُحتلة. وبدل أن تحدث هذه الصدمة حالة حراك إيجابي لدى العرب من تجربة تستحق الدراسة، بل التبنّي، توجّس هؤلاء منها خيفةً (قصة يوسف وإخوته)..
ولا ندري، فلعلّ بعضهم ممن فتح أقنية سريّة للعلاقة مع الكيان الصهيوني لام إسرائيل على هذه الخطوة الانهزامية، وجعلهم في حالة إرباك وإحراج في آن.. فالأنظمة العربية جهدت خلال سنوات طوال على تعميد قناعة موهومة في وجدان الشعوب العربية بأن إسرائيل قوة لا تُقهر وبأننا يجب أن نروّض أنفسنا على قبولها عضواً طبيعياً الى جوارنا وفي شرق أوسطنا الجديد..
وبدل أن يستفيد المناخ العربي المحبط من عودة بصيص أمل لإمكانية »دوزنة« موازين القوى مع هذا الكيان، بتحصين النصر المتحقق، لتحسين شروط التسوية معه على الاقل، جرى عكس ذلك، وبدا ان بعض العرب منزعجون من هذا النصر، لأنه يأتي على خلاف استراتيجية السلام الجديدة لديهم، وأستذكر هنا قول رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري للسيد حسن نصر الله بُعيد النصر أن المقاومة ولبنان سيدفع ثمن هذا النصر في كشوفات الحساب العربي.. وبالفعل فلم تمضِ سنتان على انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان حتى أقرّت الجامعة العربية المُنعقدة في بيروت، عاصمة بلد الانتصار، إستراتيجية السلام اتجاه الكيان الصهيوني.
منذ ذلك التاريخ باتَ الحديث عن مقاومة الكيان الصهيوني يُخالف الإستراتيجية العربية الرسميّة.. وبات فعل المقاومة المسلح أمرا خارجا عن التوجهات العربية المُعلنة ومخالفا لها.. وبات الاستمرار في المقاومة المُسلحة للصهاينة فعل خروج على الاجماع يُعاقب عليه النظام العربي الرسمي.. وبهذا المعنى تحوّل أسر الجنديين الإسرائيليين صيف عام 2006م بهدف استعادة الأسرى اللبنانيين من سجون الاحتلال »مغامرة غير محسوبة العواقب«.. ورغم فشل العدو الاسرائيلي يومها في تحقيق أهدافه العدوانية اتجاه لبنان.. أبى النظام العربي الرسمي أن يفهم الأمر على أنه نصرٌ للبنان ومقاومته وللعرب والمسلمين جميعاً.. وأصرّوا على أنه هزيمة فعلية، بدليل ما تسبب به من شهداء وتدمير وكوارث..
في الحقيقة لم يكن مُستغرباً موقف عدد كبير من الدول العربية الفاعلة من عدوان تموز 2006 على لبنان، لأن الاعتراف بنصر المقاومة على العدو في حينه، عدا عن أنه جاء خارج الإستراتيجية الجديدة للعرب، فهو قد يضعهم أمام خيار راجح تخلّوا عنه منذ زمن..
فالاعتراف بالنصر يعني في أحسن أحواله عدم صوابية توجههم السلمي الجديد اتجاه الكيان الصهيوني، لأنه إقرار بأن ما يُمكن تحقيقه بالمواجهة أهم بكثير مما يمكن تحقيقه عبر سياسات السلام المعتمدة، وهذا سيُملي عليهم العودة الى إستراتيجية المواجهة العربية للكيان الصهيوني وهم في غير هذا الوارد..
إذاً الطريق الأقصر لإنهاء مفاعيل النصر هو اعتباره هزيمة.. فهذا النوع من التقييمات أقل كلفة.. وينسجم مع التوجه العربي العام. وبما أن هذا التقييم يحتاج الى ترتيب الاثر، جرى تركيز العرب على حجم الخسائر التي مُني بها لبنان جراء »المغامرة غير المحسوبة العواقب« التي راجت في بداية العدوان على لبنان..
وبالرغم من ذلك، تبيّن ان هذا الأمر غير كافي لإقناع الجماهير العربية التي هتفت باسم المقاومة في أربع رياحها والأرجاء.. وقد اعترف العديد من قادة الأنظمة العربية بمدى الإحراج الذي تسبب به نصر المقاومة لهذه الأنظمة أمام الجمهور العربي من المحيط الى الخليج، والإسلامي من طنجا الى جاكرتا، فجرى العمل على محاصرة المقاومة وتسفيهها واستدراجها للدخول في الصراعات اللبنانية الداخلية، بحيث تسحب الشرعية بالكامل عن سلاحها، ويُعاد توصيفه بأنه سلاح ميليشيا..
بعد تسفيه النصر بالتركيز على حجم الخسائر البشرية والمادية بدأ الحديث عن ان المقاومة هي دولة ضمن دولة.. وهي ممنوعة من تثمير نصرها على المستوى الداخلي تحسيناً لشروط الحياة السياسية اللبنانية المأزومة.. هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى الاجتماعي فهناك من يعتقد ان لبنان الرسمي سعى الى مُعاقبة جمهور المقاومة عن طريق التباطؤ في إعادة إعمار ما هدمه العدوان من بيوت ومرافق على أنواعها..
وحين أصرت المقاومة على أن ما حققته هو نصر حقيقي وتاريخي »وإلهي« على إسرائيل، دخل النظام العربي الرسمي على خط حصار المقاومة لإجهاض مفاعيل نصرها، فتبنى هذا النظام الخطاب والمقولات الأميركية وأوصافها للمقاومة، وبدأ الترويج بأنها مُنظمة أصوليّة، وربما بعضهم أقرّ بأنها إرهابية.. وبأنها لا تعمل لمصلحة لبنان بل هي مُرتبطة بالسياسة الإيرانية في المنطقة وتعمل على تحقيق أهداف هذه السياسة من ضمن إستراتيجية إيران المُهددة للمنطقة، إضافةً الى كونها الحلقة الأخيرة في ترسيمة الهلال الشيعي المُمتد من إيران الى لبنان مروراً بسوريا..
رافق ذلك محاولات تسفيه لإنجاز المقاومة من قبل أصدقاء أميركا والنظام العربي في لبنان عن طريق ترويج خطابات ومقولات تؤكد على ان المقاومة تحاول تعويض النفوذ السوري في لبنان، وبأن قادته عملاء لسوريا وولاية الفقيه في إيران..
مقابل ذلك كان للمقاومة رأي آخر في نتائج العدوان، ومن النصر الذي تحقّق.. فهي اعتبرت أن هذا النصر أحدث نقله في الوعي لدى الجمهور اللبناني والعربي، والجمهور الإسرائيلي على حدِ سواء..
فهذا النصر أزال بالكامل وهماً تكوّن جراء تراكمات آثار الهزائم والنكسات العربية الرسمية من أن إسرائيل دولة لا تُقهر ولا تُهزم.. وبات من أهم نتائج هذا النصر إزالة هذا الوهم من وجدان الشعوب العربية، ومن عقول الجمهور الإسرائيلي أيضاً، وبات هناك قناعة جديدة لدى الجمهور العربي والإسرائيلي على حد سواء، ان إسرائيل دولة يُمكن قهرها، وأنه يمكن إدخال الرُعب الى عالمهم الآمن، على قاعدة الآية الكريمة »فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون«.
لم تهدأ المساعي الرسمية العربية باستدراج المقاومة الى حروب داخلية سياسية وأمنيّة، وجرى لأجل ذلك ضخ الدعايات المُسيئة للمقاومة وجمهورها بشكل مُكثّف ومتواصل.. وعملت البروباغندا الإعلامية المُتناغمة في الإيحاء بأن حزب الله ومقاومته مسؤولان إما مباشرةً أو بشكل غير مُباشر عن أزمة لبنان، وعن الاغتيالات التي حصلت فيه بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري.. وتحول هذا الشحن مع الوقت الى ما يُشبه »الدق على اللحام« حتى يفكّ..
وهذه السياسة ذكرتنا بالسياسة التي اعتمدت اتجاه منظمة التحرير الفلسطينية خلال السبعينات ومطلع الثمانينات، حيث جرى تحريض البيئة الحاضنة للمقاومة الفلسطينية على منظماتها المُسلحة، حتى إذا ما تحولت هذه البيئة الى بيئة غير متعاطفة تمّ الاجتياح الصهيوني للبنان، وسهّل أمر عدوانه، العزل الذي عملت عليه أكثر من جهة اتفقت على حصار منظمة التحرير الفلسطينية..
أن ما يجري من محاولات توريط للمقاومة في الصراعات الداخلية هي محاولات شبيهة، وتكرار للسياسة نفسها التي اعتمدت لحصار منظمة التحرير الفلسطينية تمهيداً لضربها والقضاء عليها، فنحن نشهد استنساخاً للخطاب نفسه من قوى بدّلت مواقعها وأدوارها ليس إلا، وهذا ما أحدث عند جمهور المقاومة نوعاً من الخيبة التي لم يكن يتوقعها من قوى لبنانية وعربية وحتى إسلامية، وبات يعتري هذا الجمهور نوعان من المشاعر الأول شعور بالعزّة والكرامة والعنفوان لأنه انتصر على أقوى قوّة في المنطقة ومرّغ أنوف قادتها المتغطرسين في الوحل، والثاني بالخيبة مِن مَن أنكروا عليه النصر من إخوانهم اللبنانيين والعرب.. وبالتالي بات ينتابهم نوع من التوجس من استفرادهم عند أي عدوان جديد بعد أن عمل العاملون على تحريض البيئة الحاضنة لهم، بهدف كشف ظهورهم عند أي عدوان جديد..
ما تأمله المقاومة وجمهورها هو أن يكون اتفاق الدوحة فاتحة جديدة لعلاقات سويّة بين اللبنانيين جميعاً بعد أن تثبت بالملموس أن هذا البلد لا يمكن أن يكون إلاّ لجميع أبنائه، وأن قوته تكمن في تكاتف جميع مكوناته، واحتضانهم لبعضهم البعض، وكل ما عدا ذلك هو إضعاف للجميع دون استثناء..
يأمل جمهور المقاومة ان يؤكد إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين من سجون الاحتلال بشروط لبنانية صوابية خيار المقاومة في التعامل مع هذا الكيان الذي لا يفهم إلاّ لغة القوة، إذ ان أكثر ما يُرعب الصهاينة من لبنان ليس قوّة مقاومته فحسب بل قوّة تماسكه ووحدته وتضامن أبنائه في الشدائد على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، وهنا لا بُدّ أن يكون رِهان القوّة..
القوّة المزدوجة التي تتشكل من بيئة لبنانية حاضنة للمقاومة من ضمن إستراتيجية دفاع لبنانية يجمع عليها اللبنانيون، وتكون ضمان قوة للبنان، كل لبنان، ومحيط عربي يُبدي تفهماً أكثر لدقة هذه المعادلة اللبنانية الخاصة.
وإذا لم يحصل تفاهم يرسي الحد الادنى من التفهّم بين المقاومة وداعميها من جهة، والعرب عموماً من جهة اخرى، فلن يكون بمقدور أحد أن يرسم خارطة طريق إنقاذية لتخرج المنطقة من أزماتها المستفحلة.
عن صحيفة السفير اللبنانية
22/7/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.