الأسد إذ ينتظر سقوط بوش فيصل جلول قبل ثلاث سنوات كان الرئيس الفرنسي الاسبق جاك شيراك واثقاً بأن الرئيس بشار الأسد لن يكمل نهاية العام2005 في قصر المهاجرين. هذه الثقة ربما حملت نائب الرئيس السوري المنشق عبدالحليم خدام على اللجوء الى فرنسا وبالتالي العمل على اسقاط النظام البعثي في بلاده. وقبل ثلاث سنوات كان “المجتمع الدولي" يضغط من اجل تشكيل محكمة دولية لمحاكمة النظام السوري على اغتيالات وقعت في لبنان وطالت رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وعددا من الشخصيات السياسية اللبنانية المناهضة لسوريا. وقبل ثلاث سنوات كان فريق 14 آذار/ اللبناني يشرط سيادة لبنان واستقلاله بتغيير النظام في دمشق. وقبل ثلاث سنوات كانت “اسرائيل" تؤكد انها لا تريد اجراء مفاوضات سلام مع سوريا حتى لا تعزز عودة الجولان من فرص بقاء النظام السوري في الحكم. في هذا الوقت كانت الولاياتالمتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا تصدر اوامر مهينة عبر وسائل الاعلام للرئيس بشار الأسد “عليه ان يفعل ما هو مطلوب منه وهو يعرف ما الذي ينبغي عمله" وكانت العواصم الثلاث تعرض على الأسد خيارين احلاهما مر: تغيير سلوك النظام أي تغيير سياسته وبالتالي نقله من موقع الممانع الى موقع المنخرط في مشروع “الشرق الاوسط الكبير" مع ما يترتب عن هذا الانخراط من اجراءات قاسية ضد المقاومين في لبنان وفلسطين والعراق ناهيك عن التخلي عن علاقته الوثيقة مع ايران وان امتنع عن ذلك فسيكون مرشحا للسقوط. وقبل ثلاث سنوات كانت الدول العربية المصنفة في خانة الاعتدال تمارس ضغوطا على دمشق في الاتجاه نفسه بل ان بعضها كان منخرطا بحماس في مشروع تغيير النظام ولعل حاصل جمع هذه المواقف ادى الى ضرب طوق من العزلة الخانقة على الحكومة السورية بل الى حصار متعدد الاطراف والساحات ليتبين من بعد ان لدى دمشق وسائل فعالة في الدفاع عن نفسها وقد استخدمتها بنجاح لاحظنا آثاره في قمة “الاتحاد من اجل المتوسط" التي تمحورت بجانب منها حول الادوار التي يمكن لسوريا ان تلعبها في فلسطين ولبنان والعراق وايران. لكن كيف ولماذا استطاع النظام السوري الانتقال من حافة الهاوية الى متن العلاقات الدولية؟ أغلب الظن أن الأسد الابن اعتمد على دروس مستمدة من خبرة والده الطويلة في الحكم ومن بينها استيعاب الضغوط و الضربات الخارجية والصمود والصبر والرهان على الوقت فضلا عن الاستناد الى قراءة جيدة للظروف الاقليمية والدولية ولموازين القوى المتحركة في الشرق الاوسط . وتفيد التطورات الواقعة بين العامين 2005 و2008 أن الحسابات السورية كانت دقيقة للغاية في كافة الملفات التي تهم دمشق. ففي الملف العراقي احسنت سوريا في الرهان على فشل الاحتلال الامريكي في تطويع العراق وتثبيت نظام حكم فيه على غرار المثالين الياباني والالماني و على سقوط المحتل في الرمال العراقية المتحركة ناهيك عن اخفاقه في افغانستان وهو ما وقع بالفعل وقد وصل الامر بالرئيس السوري الى التلميح في باريس الى انه يترقب سقوط نظام المحافظين الجدد في واشنطن حتى تصبح عملية السلام مضمونة في الشرق الاوسط، وكأنه يريد القول انه ينتظر سقوط بوش الذي سعى الى الاطاحة به. وفي الملف “الاسرائيلي" كان واضحا ان سوريا تراهن على المقاومة اللبنانية في ردع المحتل الصهيوني ليتبين من نتائج حرب لبنان عام 2006 ان تل ابيب ما عادت قادرة على تهديد دمشق بحرب ساحقة، بل هي ابدت تخوفا من ان تبادر سوريا الى شن حرب مفاجئة من اجل استعادة الجولان. وعندما يتعذر على الكيان “الاسرائيلي" ردع جيرانه بالحرب فسيكون مضطرا للرد على طلباتهم بمبادلة الاسرى والتخلي عن مزارع شبعا من جهة لبنان وبالسعي الى مفاوضات كانت مرفوضة بشدة قبل فشل الحرب على لبنان. وفي الملف اللبناني كان فريق 14 اذار ما زال حتى عشية اتفاق الدوحة يراهن على اسقاط الحكم في سوريا فاذا به بعد معارك بيروت والجبل وبعد الدوحة يخوض معركة دفاعية عن وجوده السياسي المهدد بالسقوط من المعادلة السياسية اللبنانية برمتها. اما الحديث عن علاقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا فهي لا تضير دمشق التي يمكن ان تستخدم سفارتها في بيروت لحماية العمالة السورية وللتشدد في تنظيم الانتقال عبر الحدود ولردع الحملات الصحافية المناهضة بل ربما جعلت اللبنانيين يشعرون بالحنين والشوق الى مرحلة ما قبل التبادل الدبلوماسي. وفي الملف الفلسطيني ما عاد احد يجرؤ على مطالبة سوريا بطرد خالد مشعل من اراضيها بل التوسط لديها للضغط على زعيم حماس من اجل القبول بهدنة في قطاع غزة وبالعمل على توحيد الفصائل الفلسطينية وعدم اعتراض المفاوضات الفلسطينية “الاسرائيلية" ومن ثم التماس مشاركة سوريا في اجتماع انابوليس. وفي الملف الايراني فوجيء الرأي العام خلال المؤتمر الصحافي الرباعي بين ساركوزي والرئيس اللبناني ميشال سليمان وامير قطر حمد بن خليفة آل ثاني ان الرئيس الفرنسي لا يطلب من دمشق قطع علاقاتها مع طهران وانما التوسط لديها في خلافها مع اوروبا وامريكا حول المشروع النووي الايراني.تبقى الاشارة الى احتمال توقيع اتفاقية الشراكة الاوروبية السورية والى اهمية الدور السوري في المشروع المتوسطي الذي يخلف مشروع الشرق الاوسط الكبير. وربما من سخرية القدر ان تنهض سوريا مع المشروع المتوسطي على انقاض المشروع الشرق اوسطي الذي كان يضمر سقوطها. في باريس كان المعلقون في عطلة الويك اند الماضية يختصرون تعسفا التطورات المذكورة بالقول ان ساركوزي “تكرم" على الأسد بأن فك العزلة الدولية عنه. ولعل بعضهم يعلق على هواه والبعض الثاني وفق ما يتمنى والبعض الثالث بدا كمن يهرف بما لا يعرف ذلك أن ما شهدته العاصمة الفرنسية أشبه بانعطافة تاريخية بالنسبة لسوريا هذا إذا ما أردنا تحجيم الحدث في حده الأدنى. عن صحيفة الخليج الاماراتية 16/7/2008