قبل أقل من ثلاث سنوات، توفر لدى أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وخاصة في الخليج، فوائض مالية كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط لأكثر من ال100 دولار للبرميل للمرة الأولى في التاريخ، وفي صيف العام 2008، واصلت الأسعار ارتفاعها الحاد لتصل إلى 147 دولاراً. وبعد ذلك بأسابيع، بدأ النفط في مسيرة تراجع حادة مع وصول الأزمة الاقتصادية العالمية إلى قطاع المصارف الدولية، وبدأت تلوح في الأفق بوادر الركود في الغرب، لتنتشر لاحقاً في دول آسيا النامية، ما خفّض بشكل واضح الاعتماد على النفط لأغراض صناعية. واليوم السيناريو يتكرر من جديد، فنرى النفط تجاوز مستوي ال100 دولار للبرميل بسبب أحداث الشرق الأوسط، وعادت الأصوات لترتفع في الغرب محذرة من تأثير هذه الأسعار على النمو الاقتصادي الهش بعد الأزمة المالية، ويبدو أن دول الخليج تدرك خطورة ارتفاع الأسعار، وهي بالتأكيد، وبخلاف ما يراه البعض، لا ترغب في أن يتكرر سيناريو صيف 2008، في ضوء ذلك حذر آلان دانكان، وزير التنمية الدولية البريطاني، الخبير في عالم النفط، من أن يشهد سعر برميل النفط ارتفاعاً ليتجاوز مستوي ال 200 دولار إذا تواصلت الاضطرابات في العالم العربي. وأوضح دانكان في تصريح لصحيفة "تايمز" إلى أن سعر برميل النفط قد يتعدى مستوى ال 200 دولار إذا استغل "متطرفون" سوء الأوضاع والاضطرابات في العالم العربي لتخريب منشآت نفطية في المملكة العربية السعودية. ومن جانبه، أكد خبير عماني أن أسعار النفط العالمية ستصل إلى 140 دولارا خلال الاسابيع المقبلة في حال استمرار الاوضاع غير المستقرة في الدول العربية ولاسيما في ليبيا. وقال الخبير النفطي الدكتور جمعة بن صالح الغيلاني إن أسواق النفط العالمية تشهد حالياً انتعاشاً في مستويات أسعار النفط نتيجة للأحداث السياسية في المنطقة العربية والتي نتج عنها الى الان تغييرات سياسية جذرية في بعض الأنظمة العربية. واعتبر ان ذلك يمثل سببا رئيسيا لتحسن مستويات أسعار النفط في الأسواق الدولية بسبب المخاوف من توقف امدادات النفط وباعتبار أنه يعد سلعة استراتيجية في تحكم وتاثير الأحداث السياسية فيها بشكل كبير مثل الاحداث الحالية في المنطقة العربية خاصة لقربها من منابع النفط في دول مجلس لتعاون الخليجي. وذكر الغيلاني لوكالة الانباء الكويتية "كونا" أن منطقة الخليج وايران والعراق تضم أكبر احتياطي نفطي عالمي يتجاوز 56% وتنتج نحو 30% من الانتاج العالمي يوميا. وأشار إلى مرور مملكة البحرين بموجة من الاعتصامات اذ تقع في قلب الخليج العربي وقريبة جدا من أهم وأكبر منابع النفط السعودي في المنطقة الشرقية وفي سلطنة عمان، لافتاً إلى موقعها الاستراتيجي الهام الذي يسيطر على مدخل ومخرج ناقلات النفط العملاقة من وإلى الخليج العربي. واوضح الخبير النفطي ان الاحداث في اليمن وليبيا والجزائر وما حدث في تونس ومصر يعتبر كافيا لخلق مخاوف من استمرار وانتشار الاحتجاجات في مناطق أخرى من العالم العربي ما تسبب في خلق أجواء سياسية واقتصادية مؤثرة في الطلب على النفط، متوقعاً استمرار هذه الأحداث السياسية وامكانية حصولها في دول عربية أخرى. وأشار غيلاني إلى توقع المحللين والدراسات في الشئون العربية ارتفاع اسعار النفط تدريجيا خلال الأسابيع المقبلة في حال استمرار الاحتجاجات، مضيفاً أن توتر الأحداث السياسية الدامية والمتسارعة في ليبيا سرع من تداعيات ارتفاع أسعار النفط الخام في السوق النفطية وهي تعد عضوا في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" واحدى الدول المصدرة للنفط الخام عالي الجودة لأوروبا خاصة لالمانيا وايطاليا التي تستورد نحو 85% من انتاج ليبيا. وقال الخبير النفطي ان توقف تصدير نحو نصف الصادرات النفطية الليبية سرع من وتيرة المخاوف من توقف الامدادات النفطية وهذا أعطى رسالة قوية للدول المستهلكة للنفط التي تسعى الى تأمين امداداتها النفطية بصورة منتظمة من الدول المصدرة للنفط وخاصة دول "أوبك" التي تسيطر على نحو 79% من الاحتياطي النفطي العالمي. وعن السعر العادل للنفط اليوم تتطلع دول منظمة "أوبك" وعلى رأسها السعودية، التي تختزن أراضيها ثلث كميات النفط الموجودة في العالم، إلى سعر معتدل يستفيد منه المنتجون والمستهلكون على حد سواء، بحيث لا تتضرر معادلة العرض والطلب كونهما يمثلان وجهان لعملة واحدة هي أمن الطاقة. وعندما كانت أسعار النفط في ذروتها، اعتبر العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن السعر العادل للنفط يجب أن يتراوح بين 85 و90 دولاراً، وخاصة أن تراجع الطلب بسبب الأسعار سيعني خفض الإنتاج في دول "أوبك" التي تجمد اليوم قدرات إنتاجية يومية تعادل أربعة ملايين برميل، يوجد بينها ثلاثة ملايين برميل في السعودية. لقد تمكنت الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا من العودة للنمو مجدداً، بينما تحتاج أوروبا والولايات المتحدة إلى تسهيلات اقتصادية ومالية لتتمكن قطاعاتها من الانتعاش مجدداً، وبسبب هذه الظروف، فإن أسعار النفط تجاوزت مئة دولار، لكنها لم تصعد حتى الآن إلى مستويات قياسية جديدة كان يمكن أن تسجلها لو أن الاقتصاد العالمي كان في وضع أفضل. ويذكر أن "أوبك" تتبنى سياسات لتحقيق هدفها بتحقيق توازن العرض والطلب ومن ثم تزويد الأسواق بما تحتاجه من الامدادات النفطية لتتلاءم مع الاستهلاك وتهيئة طاقة انتاجية فائضة كافية لسد أي عجز طارىء في الامدادات.