هشام بن الشاوي يكتب : الوزير المستبد في رواية محمد صوف محيط - خاص يستهل الروائي المغربي محمد صوف روايته الصادرة بالأردن منذ سنوات بعنوان "يد الوزير" برسالة تكتبها خديجة الرسامة إلى صديقتها زينب، كمدخل سردي يضفي الكثير من التلقائية، البوح والحميمية، فتبدو امرأة بلا قيود، حين تجلس إلى دفتر ذكرياتها. وتكتب... تكتب عن علاقتها الملتبسة والغامضة بيزيد : " لست أدري لماذا أنسى سلمان كلما حضر يزيد.. أيهما الماء و أيهما التيمم ؟"، وعن ميعادها مع مدير المؤسسة، وفي مصعد البرج الزجاجي المليء بالشركات والمؤسسات، حيث توجد شقة واحدة للوزير، والتي يمارس فيها شهريارياته، والذي يحتكر المصعد في وجوده، ويرفض أن يقاسمه أحد من الغوغاء الصعود، لكنها اقتحمته وزوجها سلمان، وحين تأهبت للخروج امتدت يده اليمنى، وبثقة الدكتاتور في نفسه مربتا على ردفها الأيسر، في حضرة زوجها. هذا الحادث الغريب سيخلق جرحًا في أعماق الزوجين، فالرواية تعبّر - ضمنيا - عن معاناة المرأة من التحرش الجنسي في مجتمع مغربي ذكوري، يكون كل ذنبها فيه أنها ولدت في هذا البلد، ثم ارتكبت ذنبا آخر هو أنها ولدت أنثى. و يبدأ الزوج يفكر - لا شعوريّا - في الانتقام والقتل، وهذا سيدركه القارئ من الرسالة الواردة إليه من صديقه حليم، ذلك الماركسي المولع بنشيد الإنشاد، ويتعذب سلمان لأنه واحد من الغوغاء، لا يستطيع مواجهة الوزير/ جبروت السلطة، وتتسع الهوة بين الزوجين حين يظهر الوزير على شاشة التلفزيون، "وتمعن التلفزة في إظهار الوزير. تتفنن الكاميرا في أخذ لقطات له من اللقطة الأمريكية إلى اللقطة القريبة إلى اللقطة القريبة جدا إلى اللقطة العامة إلى المتوسطة إلى الأمريكية فيصرخ سلمان .. كفى " ! ، ويحس بالارتياح حين تطفئ الجهاز. في المؤسسة التي لا يقرأ فيها غير جرائد الفرنسية، يقترب من زميله، يلقي عليه تحية الصباح، ثم يزحف بصره على الصفحة الأولى، ويرى صورة صاحبه تبتلع الربع الأيمن منها.. يعلوه ارتباك.. حركة لسانه تتوقف و كأنها أمام ضوء أحمر، وفوجئ بأن زميله يحلم بأن يرسم علامة بمنجل على ردفه الأيمن مثل رجل تازة، دون أن يسأله عن سبب الانتقام، ويلتقيان في المقهى، ويفكران في اغتياله في المرحاض، لكنهما يصطدمان بفكرة البحث عن رامٍ محترفٍ لا يخطئ هدفه، و قد ضايق الوزير تحديقهما فيه حد الإحساس بالذعر، ولم ينتبها إلى وجود الحارس الشخصي الذي دوّن رقم سيارة الأجرة بعد مغادرتهما، وعرف الوزير لاحقا من السائق أنهما نزلا في وسط المدينة. في الليالي، ينهمك الزوج في مطالعة الروايات البوليسية والجاسوسية والتحقيقات عن الاختطافات. ويصارح داني صديقه الوزير باشمئزاز الآخرين منه، لأنه يمثل في نظرهم الوجه البشع للسلطة.. حين أبلغه بأمر رجلي المقهى، وفكر في أن يبلغ المسئولين عن الأمن. ويخبرهما النادل بملاحقة الوزير لهما، يقترح عليهما فكرة الانضمام إليهما، دون أن يخبرهما بما حدث له. فيما بعد، يلتقي الرفاق الأربعة في مقهى السقيفة (سلمان، وزميله الحالم بعلامة المنجل، حليم ودافيدوف، بعد وصول هذين الأخيرين إلى الدارالبيضاء من الجنوب)، وينضم إليهما النادل العازب، ويطلب منهما الانتقال إلى شقته. وفي زاوية المقهى يراقبهم يزيد.. برباطة جأشه وهدوء أعصابه المعتادين، ويعرف ما يفكرون فيه... ويصممون على فكرة القتل. في المقصف ينجذب الوزير وبصحبته داني إلى فتاة جميلة، ويأمر حارسه الشخصي أن يبلغها أنه بانتظارها، وحين احتج صديقها رماه حارساه الشخصيان خارج المقصف، يبد أن الوزير أحس الإهانة والألم لاحقا برفض الجميلة له، وتعبيرها عن احتقارها له، هذه المرأة التي كشفت حقيقة كان يتجاهلها.. أن لا أحد يحبه. خارج المقصف تراقب الجماعة الرجل الممدد في الزاوية.. تنتظر.. ولا تدري ماذا تنتظر، ويقلعون عن فكرة الانتقام، لأنهم اقتنعوا بأنهم مجموعة من المثاليين لا يصلحون لعملية اختطاف. في الفصل التالي، يوظف الكاتب المونولوج ببراعة مع شخصية الوزير تعبيرا عن صراعه الداخلي وانفعالاته الباطنية، بعد أن هزّه كلام الفتاة التي رفضت دعوته، والمونولوج ترجمة فنية لافتقاده المشاركة الوجدانية والحميمية الإنسانية، فحتى صديقه داني لا يعارض تصرفاته، لأن لا شيء يعنيه... لأنه غريب. هشام بن شاوي ويبدأ الحديث عن الوزير يقل ويختفي تدريجيا، ويتقلص ظهوره على الشاشة.. و يسقط من عليائه مشلولا، أخرس، على كرسي متحرك ترعاه ممرضة، لا يطلب منها أن تقرأ له بصوتها الجميل أية رسالة من الرسائل التي تصله وهي رسائل تشفّ غالبا، ويصرخ حين يرى على التلفزيون مقص التشييد يقص الشريط الملون، وزغاريد النساء و تصفيق الأيادي، فتطفئ الخادمة الجهاز. في الفصل الأخير، تختفي كل شخصيات الرواية السابقة، ومن كرسيه المتحرك يصبو إلى لمس امرأة مع زوجها، مصمما على الاستمتاع بساديته، وإهانتهما. "يد الوزير" رواية جاءت في إثنين وعشرين فصلا مرقمة ترقيما رومانيا، وكل فصل روي على لسان أحد الشخوص في نوع من التناوب السردي، نكاية في استبداد الصوت الواحد/ صوت الراوي العليم بكل شيء، وكأن الكاتب يشفق على قارئه من شخصيته المستبدة الوزير الحاضر الغائب في كل الفصول، وكما تقتضي ذلك أيضا البطولة الجماعية لشخوص الرواية.