صدر مؤخرا عن دار آفاق كتاب "أخناتون الفرعون المارق.. بين الأتونية والموسوية" للبروفيسور دونالد ريدفورد رئيس قسم الدراسات الشرقية بجامعة "تورونتو"، ترجمة بيومي قنديل. والكتاب محصلة بحث طويل أعده المؤلف خلال مشاركته في مشروع معبد اخناتون، الذي حاول خلق تصور لما كان عليه المعبد باستخدام احدث التقنيات التي كانت موجودة وقتها وهو بشكل عام يتبني وجهة نظر جديدة تجاه "إخناتون" وفترة حكمه ومذهبه الجديد. ووفقا لأسامة فاروق بصحيفة "أخبار الأدب" المصرية يقول المؤلف أن "إخناتون" كان أول من بذر _عبر الأتونية بوحدانيتها الصارمة التي دعا بها وإليها - بذرة التكفير في العقل البشري. ويؤكد الكاتب: "تنقصنا معلومات صحيحة كثيرة فيما يتعلق بتاريخ السياسة الداخلية لهذا الحكم، ولا غرابة في ذلك طالما كانت كافة النصوص المنشورة، بصفة رسمية قد استهدفت محو كل أثر عقب أفول نجم النظام الذي أسسه اخناتون، بل ولم تستطع حتي أعمال التنقيب التي قمنا بها في منطقة الكرنك، أن تفعل شيئا ذا بال في سبيل ملء الفراغ الذي نعانيه بالنسبة للمصادر التاريخية عن تلك الفترة من الحكم " ونستخلص من ذلك أن أغلب ما جاء حول هذا الجزء لا يعدو كونه وجه نظر لمؤلف الكتاب لا تقوم علي سند حقيقي في أغلب الأحوال. أما فيما يخص السياسة الخارجية فالأمر مختلف حيث وجدت بعض الرسائل المبعوثة إلي الملك الجديد ربما تثبت إلي حد ما طريقة تعامله فيما يخص الشأن الخارجي وإن كانت تبدو الآن مقطوعة من سياقها التاريخي لأننا لا نعرف في الحقيقة الأسباب الفعلية لهذه الطريقة في التعامل، ومعظمها يوضح أنه لم يتبع الطريقة نفسها التي كان يتبعها والده الفرعون الراحل حيث يتساءل معظم الملوك عن الهدايا التي كان يرسلها الملك. فلم يمض وقت طويل حتي كتب توسراتا ملك ميتاني رسائل شكوي إلي مصر يقول فيها أن "أمنحوتب الرابع" - اخناتون - لم يلتزم بالواجبات التي عليه في العديد من المقايضات فيقول في رسالته :" لم يرسل أخي التماثيل الذهبية التي كان والدك مزمعا أن يرسلها لي. أنت أرسلت بدلا منها تماثيل خشبية مطلية بالذهب. كما أنك لم ترسل لي البضائع التي كان والدك مزمعا أن يرسلها لي، وقللت منها بصورة كبيرة". وهناك ملك آخر سرعان ما اشتعل غضبه من موقف إخناتون وهو ملك الحيثيين " سوبيلوليوماس " فكتب إليه متسائلا " لماذا يا أخي توقفت عن إرسال الهدايا التي خصصها والدك لي عندما كان حيا؟ " وفيما بعد صار الأمر أكثر خطورة عندما تساءل إذا كانت هذه الطريقة تعني رغبة في قطع العلاقات بين البلدين فيكتب إلي الملك :" بخصوص الرسالة التي أرسلتها إلي لماذا وضعت اسمك فوق اسمي؟ ومن هو الآن الذي يوتر العلاقات الجيدة بيننا، وهل مثل هذا التصرف هو السلوك المقبول؟ يا اخي هل كنت تكتب والسلام في نيتك؟ ". ويزعم المؤلف أن "اخناتون كشخص تاريخي مختلف بصورة ملموسة عن الصورة التي خلقها لنا كتاب العوام، فلم يكن إنساني النزعة وبكل تأكيد لم يكن ليشبه ذلك الرومانسي الانسانوي العطوف. أما المحاولة التي ترمي إلي رسمه كشخصية تراجيدية أشبه بالمسيح فليست سوي تزييف بحت". ويري المؤلف -وفقا ل" أخبار الأدب" - أن اخناتون لم يكن بالمثقف ذي الوزن الثقيل "فلقد عجز عن أن يفهم الدور الفعلي للأسطورة الدينية، وقد يكون قد تصور أنها وسيلة لإخفاء الإله بدلا من إبرازه للعيان، وقد يكون موقفه هذا بمثابة رد فعل علي النزعة الكلبية المضللة للعصر"!. ويقول في موضع آخر "ما الذي جاء به اخناتون؟ الجواب لا شئ ! وإذا كانت مجموعة الأساطير الوسيلة الوحيدة للوحي المقدس، بصرف النظر عن رؤية الصوفي فان ما نافح عنه "اخناتون" فليس إلا إلحادا بالمعني الدقيق للكلمة، وبخصوص الأيقونة التي ابتدعها، وأقصد بذلك ذلك القرص أو "أتون" الأشبه بعش العنكبوت، فمن المستعصي أن يري فيها أحد إلها". ويعبر في مكان آخر عن موقفه الشخصي فيكتب أنه إذا كان الملك والدائرة المحيطة به قد بعثا بداخله قدر من الازدراء فإن الشعور بالنفور هو الذي يتملكه كلما تأمل الديانة التي جاء بها، وتفسيره الوحيد هو أن "الشمس قد تكون في مصر طاقة خيره يعتمد عليها، لكنها مع ذلك مهلكة ويسعي الناس إلي الاحتماء منها، وإذا كان ل"رع" أن يعبد، فليكن هناك ملجأ ظليل قريب المنال !!.