يصدر قريبا عن دار "أكتب" للأديبة رباب كساب رواية "المسرودة" ومنها نقرأ: في حياتي الطويلة التي لم أعد أحصي عدد أيامها، وسنواتها لم أبرح قريتنا أبداً إلا حينما دخلت الجيش؛ عدت لقريتي بعد سنوات التجنيد، لسابق عهد حياتي بها، رجعت لأمي، وأخواتي البنات اللاتي أكبرهن، عدت لخالتي حبيبتي التي أكبرها بخمسة أشهر فقط فكانت كأختي، خرجت للدنيا لتكون هي صحبتي كنا كتوأمٍ لا ننفصل، يجمعنا ذات المكان، ونفس الطباع ما أحبه تحبه، ما أكرهه تكرهه نرتاد نفس الأماكن، نسمع نفس الأغنيات، أنا وخالتي مسرودة واحداً. كثيراً ما كنا نختفي من أخواتي وأصدقاءنا، ويبحث الجميع عنا فلا يجدنا، لكن إن سأل أحد أمي فلن يضل فهي الوحيدة التي تعلم أين نذهب؟ وإلى أي مكان نقصد . حتى بعد أن كبرت، وبعدت خالتي بالمكان لازلت أقصد نفس المكان حيث أرضنا في حوض داير الناحية، وبالتحديد عند الساقية القديمة وشجرة التوت العتيقة، والجميزة العجوز يكون مرتعي، مكاني، وسلواي . حينما كنت وخالتي أطفالا اعتدت التعلق بالثور المغماة عينيه وهو يدور معلقا بالناعورة التي أستعذب نعيرها وهي تروي أرضنا القريبة منها قبل أن نعرف الموتورات، وماكينات الري . هناك لعبنا ولهونا وفي برمودة تجدنا والتوت على موعد، وتتحول فروع الشجرة الكبيرة إلى مخدعي ، أصعد إليها آكل ثمارها، وأهز فروعها فتتساقط الثمار لمسرودة، والبنات، وأصدقائي، وإن كانت تشاركني الصعود أحياناً خالتي الجريئة، لكنها ليست أسرع مني في تسلق الشجرة، كنت متفرداً في ذلك؛ لا أحد حافظاً لحالِ فروعها مثلي، أُحس الفرع قبل أنْ تطأه قدمي، أستند إليه وفي أقل من الثانية أكون قد قررت أأبقى عليه أم لا . في موسم دراس القمح كنت أجدها مهربي، أختفي بين الفروع، والأوراق الكثيفة هرباً من قسوة الشمس، والعمل معاً، وإن كانت شمس الماضي أحن علينا من شمس هذه الأيام التي فقدنا مع قسوتها معظم شهور السنة معرفة في أي الفصول نحن. علمونا أن مناخ جمهورية مصر العربية حار جاف صيفا دافئ ممطر شتاء، لكنه الآن لم يعد لا هذا ، ولا ذاك، ففصل الصيف صار أغلب شهور السنة لا تحس الربيع، والخريف قط، أما الشتاء فصار بردا قارصا كما لو كنا في أوروبا لم يعد تجدي معه الجدران الأسمنتية ولا البطاطين السميكة ذات الوجهين. أذكر في الماضي أني كنت أبيت ليلتي الباردة فوق الفرن المشتعل طوال اليوم فأتدفأ بحره الجميل فلا أحس برداً، ولا نخراً في عظامي، هذا الفرن التي كانت أمي تحرص عليه وتحافظ عليه وإذا حدث وانهار جزء منه سارعت لبنائه بنفسها، وعلى سطح دارنا كانت تخزن الأحطاب حطب الذرة وحطب القطن اللذان يستخدما في إحماء نار الفرن، رحمه الله كان يُخرج لنا أطيب الطعام وأشهاه فلم تعرف أمي فرن الغاز هذا المعدن الذي لا يعرف كيف يحس الطعام داخله، فتجده يخرج منه غريباً كما دخله وكأن فرننا البلدي كان يأنس للطعام الذي يشابه مكوناته فيحسه منه قريبا يتفاعل معه، يعطيه ولا يبخل فإذا حانت لحظة الفراق يبكيه في لوعة فيخرج الطعام متألما لفراقه وكأن لوعة البعاد لهي أسوأ من نار الفرن فتجد رائحة الفرن تملأه مشرباً بها، فكيف للحبيب ألا يتزين بعطر حبيبه وتجد نفسك في النهاية تتلذذ بما تأكل، أما الفرن المعدن الذي لا يعرف سوى النار التي تأكله شيئاً فشيئاً يخرج منه الطعام كما لو أنه يحمل طعم انصهار الحديد ما إنْ يدخل جوفي حتى أترحم على طعام أمي التي كانت تدس صينية الأرز فنتهافت عليها وحدها دون أن نفكر أن نأكل معها شيئا فطعمها الجميل يكفي دون أي شيء، وحين كانت تضع بعد الخبز برام البطاطس فإذا بنا على أحر من الجمر ننتظر لنأكل البطاطس حتى وإن كانت بدون لحم . كما يصدر قريبا عن دار "اكتب" رواية "آخر يهود الإسكندرية" تأليف الروائي معتز فتيحة ومنها نقرأ: * الإسكندرية 1941 لقد شعرت السيدة "منال" بحرج كبير، بسبب ما فعلته ابنتها الوحيدة "سارة"، فلجوؤها إلى السيدة "ماريز" يعني أن هناك ثمة خطأ في العلاقة بينهما، فبالرغم من تقديرها للسيدة اليونانية، واعتبارها جزءًا من المعارف المقربين، إلا أنه كان يجب على ابنتها إخبارها بما حدث بشكل مباشر وفوريٍّ، حيث تعتبر نفسها إلى حد كبير المسئول الرئيسيَّ للبيت فى ظل الغيابات المتعددة لوالد "سارة"، فتساهلها مع الفتاة في هذه السن الحرجة ربما يكون له تبعات غير محدودة في المستقبل، فالفتاة يجب أن تكون واجهة مشرفة للأسرة، حيث ربما سيقع اختيار أحد النبلاء أو المقربين من القصر عليها ولم لا؟، فهى جميلة للغاية وورثت عن جدتها الإنجليزية ذات الأصول الأرستقراطية مظهرها حتى شعرها الأحمر، ربما القليل من تعاليها، وهى تتعلم في أفضل المدارس الإنجليزية للبنات ب"الإسكندرية" حتى إنه يقال إن ملك اليونان اللاجئ قد ألحق ابنته بنفس المدرسة، ووالدها يتفانى في خدمة التاج الملكيِّ عن طريق عمله فى الأسطول البحرى كقبطان للباخرة "المعزة" ذات الشهرة الواسعة، فالمستقبل مبهر بالنسبة لها، والحياة مجموعة من الخيارات الصحيحة، وقد جلبت لها العديد من المدرسين لقواعد اللياقة والموسيقى التي تحاول إجادتها عن طريق دروسها نصف الأسبوعية على يد أحد الأساتذة الإنجليز .