القدس: صدر مؤخراً للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه كتاب جديد بعنوان "التطهير العرقي لفلسطين" قام فيه بإعادة النظر فيما تروجه إسرائيل عن نفسها وحقيقة نشأتها وممارساتها, من واقع شهادات ووثائق بعضها جاء من الأرشيف الإسرائيلي نفسه. يعيد الكتاب بناء تفاصيل نشأة إسرائيل, ليثبت أن إسرائيل قامت ونشأت فوق أشلاء الفلسطينيين وبارتكاب جريمة التطهير العرقي للفلسطينيين بالإبادة والقتل والحرق، ويتتبع ماجري في نهاية1947 و1948 عبر كل مدينة وقرية فلسطينية, تكشف وجوها صهيونية ظلت مختبئة وراء القناع السياسي لنشأة إسرائيل. ولكنها في الحقيقة مجرمو حرب ابادة الشعب الفلسطيني. يعود بابيه في كتابه وفقاً لجريدة "الأهرام" إلي البدايات الأولي التي سبقت اعلان نشأة إسرائيل، وقبل ذلك يقدم لكتابه بقوله إنه علي مدي السنوات راح يجمع الوثائق الواحدة تلو الأخري، وينصت لشهادات، وإنه في النهاية كتب هذا الكتاب لأجل الفلسطينيين ضحايا التطهير العرقي عام1948 فإنه منذ وعي مفهوم النكبة لم يكف عن إدراك هول ماجري. وماجري لإنشاء إسرائيل جريمة تطهير عرقي كاملة وفق التعريفات الدولية التي يفرد لها بابيه جزءا في بداية كتابه مقارنا بين ماجري من تطهير عرقي في يوجوسلافيا وماجري عند نشأة إسرائيل, متوقفا عند التعريفات القانونية لجريمة الإبادة والتطهير العرقي ليصل الي انطباق وتطابق بين ممارسات الصهاينة بل والتخطيطات السابقة علي نشأة الدولة الإسرائيلية. بابيه يقدم في كتابه الدليل تلو الدليل علي ثبوت ارتكاب منشئي دولة اسرائيل لجريمة التطهير العرقي التي تستحق المحاكمة القانونية والشعبية, ويورد عشرات الإثباتات علي أن المنظرين الصهاينة خططوا لجرائم التطهير العرقي ليصبح السؤال لماذا ثار الغرب وتحرك إزاء ماجري من جرائم إبادة في كوسوفا بينما أنكر وينكر وغض البصر عما جري للفلسطينيين من جرائم حرق وقتل واقتلاع جذور وتشريد ينطبق عليها نفس مفهوم التطهير العرقي الذي تم في كوسوفا.. كتاب "التطهير العرقي لفلسطين" لإيلان بابيه حسبما ذكرت "الأهرام" جزء من مشروع نقدي كاشف يتبناه إيلان بابيه لممارسات الدولة الإسرائيلية, وبابيه نفسه جزء من رؤية المؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين اعادوا النظر تاريخيا ومنهجيا في حقيقة الدولة الإسرائيلية وله من قبل عديد من المؤلفات عن حرب48 وأصول النزاع العربي الإسرائيلي والدعوة الي أرض وشعبين. الكتاب صدر باللغتين الانجليزية والفرنسية, وأحدث دويا هائلا لم تتحمله إسرائيل واضطر بابيه الي اللجوء الي انجلترا ليعمل بجامعة اكسفورد, وأهمية الكتاب لا تأتي من العنوان فقط, بل من حشد الوثائق والتفاصيل عبر اثني عشر فصلا كاملا وعدة ملاحق توثيقية لجريمة التطهير العرقي التي قامت فوقها دولة إسرائيل.. إسرائيل روجت أكذوبة الخروج الطوعي للفلسطينيين وأشاعت في الغرب أن الفلسطينيين تخلوا عن بيوتهم وحقولهم.. مرة لإنهم أفسحوا الطريق للجيوش العربية ومرة لأنهم باعوا مايملكون.. ولأول مرة يتاح للمتلقي الغربي الإطلاع علي حقيقة الرؤية الصهيونية النظرية التي قامت بالأساس كما يقول بابيه علي أمرين أو علي العمل في اتجاهين الأول استقدام اليهود الي الأراضي الفلسطينية وتوطينهم وفي الاتجاه المقابل تفريغ الأراضي الفلسطينية من الفلسطينيين والسعي الي إيجاد أراض بديلة لهم خارج فلسطين.. وفي الحالتين كل شيء مشروع.. القتل والحرق والإبادة وهذا يفسر كيف تبدلت الأمور في غضون العام الواحد.. كان الفلسطينيون يتجاوزون المليونين في نهاية عام1947.. ثلثان من العرب وثلث من اليهود.. وفي خلال عام واحد فقط احتل اليهود78% من فلسطين ودمر الصهاينة خمسمائة قرية وعشرات المدن. يقول بابيه بحسب "الأهرام" لم يخرج الفلسطينيون طواعية ولاتخلوا عن أرضهم لكن الخطة الصهيونية, والقرار المتخذ كان الحصول علي دولة تقوم علي نقاء عرقي لليهود فوق الأراضي الفلسطينية، واستغرق التنفيذ فقط ستة أشهر..! نعم.. في فبراير1947 استقروا علي القرار وفي مارس1948 بدأت حملات التطهير العرقي.. وفي الأشهر الستة استؤصل( من الاستئصال)800 ألف فلسطيني, اكثر من نصف الشعب الفلسطيني(531 قرية تم تدميرها وأفرغ أحد عشر حيا من سكانه) وهذا ما عرف باسم خطة10 مارس1948. بابيه يقول انه بعد ماجري في الهولوكوست اصبح من المستحيل أن تتغاضي الانسانية عن نوعية هذه الجريمة وبعد تطور وسائل الاتصال ومع الميديا الأليكترونية اصبح الرأي العام شريكا مطلعا ولم يعد بمقدور إسرائيل أن تمسح عن ذاكرة العالم إبادتها العرقية للفلسطينيين عام1948، فهذه هي الواقعة الأكثر تناسيا في التاريخ الحديث, ماجري للفلسطينيين في1948 علي أيدي الصهيونيين ليس واقعة تاريخية لكن جريمة ينبغي مواجهتها سياسيا واخلاقيا.. فالتطهير العرقي جريمة ضد كل البشر يمكن اثباتها.