بيروت : صدر حديثا كتاب للدكتور محمد حسام الدين اسماعيل عن مركز دراسات الوحدة العربية بلبنان ومصر ، والكتاب بعنوان " الصورة والجسد : دراسات نقدية في الإعلام المعاصر " ، ويعني هذا الكتاب بمسألة العلاقة بين الصورة والجسد وأيديولوجية وسائل الإعلام ، فالصورة ، كما يرى المؤلف ، ما هي إلا تفاعل بين فكر وجسد ووسيط إعلامي ، وبالتالي فهو يحلل وينقد هذه الصورة ويعالج كيفية تكونها . الفصل الأول من الكتاب يدور حول الإعلام وما بعد الحداثة ، حيث يرصد المؤلف وهو أستاذ مصري للإعلام ، الظروف الاقتصادية والفكرية والتقنية وراء صعود الصورة وسقوط الكلمة بدءا من المجتمعات الغربية وحتى مجتمعاتنا العربية الإسلامية ، تلك الظروف التي تشكل المشهد الإعلامي الكوبي الراهن . في الفصل الثاني يتحدث عن الأغاني المصورة العربية المعاصرة من خلال رصد الفصام الثقافي وتأثير العولمة ، وهو هنا يقدم تحليلا ثقافيا لواقع اقتصادي وسياسي عربي راهن أنتج نوعا ما من الفن يخدر الجماهير في لحظة تاريخية معينة . في الفصل الثالث يناقش الاقتصاد السياسي لثقافة الصورة متخذا العارضات الفائقات النجومية نموذجا ، هاتيك الفتيات الجميلات اللاتي يقدمن نموجا للجمال تقف الرأسمالية العابرة القومية من ورائه ليكون أداة من ادواتها للتحكم والسيطرة الاجتماعية . في الفصل الرابع يجري التحليل الثقافي للعري الإعلامي ، ويذهل إلى أن الثقافة بوصفها مجموعة من الممارسات المجتمعية عبر التاريخ قد أثرت على نحو مباشر ولا يقبل الشك في العري الذي تقدمه وسائل الإعلام المختلفة ، وذلك عبر التطور التاريخي لهذه الوسائل الإعلامية . الفصل الأول يسير على درب الدراسات النقدية في الإعلام التي ترى أن وظيفة وسائل الإعلام هي مساعدة أصحاب السلطة في المجتمع على فرض نفوذهم والعمل على دعم الوضع القائم ، ولذا فهذه الوسائل مسئولة عن انتشار نمط معين من الثقافة الجماهيرية بديلا من الثقافة الراقية ، كما رأت مدرسة فرانكفورت من قبل أن الثقافة الجماهيرية ذات الطابع التجاري كانت الوسيلة الأساسية التي مكنت الاحتكارات الرأسمالية من تحقيق النجاح في هذا المجال . ووفق قراءة قدمتها صحيفة " الحياة " اللندنية للكتاب نجد أن المؤلف تعرض للعلم في القرن الثامن عشر الذي أوحى للناس أنه يستطيع تفسير كل شيء من هنا رأى البعض أنه لا حدود لعقل الانسان وقدرته، وقد أعلى مفكرو هذا القرن من شأن النظام، والعقلانية وإن أغفلوا حديثهما عن الإله، اذ ان العقل والعقل فقط – في رأيهم – هو المسؤول عن الوجود الذي يجب ان يحل محل الخالق المتعالي. ثم برزت النزعة الرومانسية التي أفرزتها حداثة القرن التاسع عشر لتقول ان: الطبيعة لا يمكن تفسيرها فقط بمصطلحات ميكانيكية، ولكن في ضوء «قوة الحياة» التي تحرّك الكون والانسان من طريق الاقتراب من مشاعر الفرد، وخبرة الحياة في شكل مركز وقريب. ولكن الرومانسية كفلسفة حياة ما لبثت ان تهاوت أمام نظرية النشوء والارتقاء، فقد بيّن داروين ان الطبيعة عنيفة في شكل مخيف، والقانون فيها كما هو في التاريخ (البقاء للأصلح) الذي يأكل فيه القوي الضعيف. وما إن قارب القرن العشرون من الانتصاف حتى ظهرت الوجودية كفلسفة اخرى للحياة ، فرأى الوجوديون ان ليس هناك معنى كامن، ولا هدف للحياة ، وأن كل فرد يخلق معانيه الخاصة به ، وامتلك كل منهم حقيقته الشخصية مرددين: «ما هو حقيقي بالنسبة اليك، ربما لا يكون حقيقياً بالنسبة اليّ». وتظهر قيم ما بعد الحداثة في التلفزيون الذي يحتفي بالصور على حساب الكلمة، ويحلّ الاشباع الجسدي محل الفعل، ويشعل الولع بالانطباع بدلاً من الإقناع، والتخلي عن المعنى، والتمسك باللعب والتسلية. وتبرز قيم الحداثة أخيراً في الأغاني المصورة والإعلان والانترنت ؛ ففي الأغاني المصورة على ما يقول الفيلسوف الفرنسي بودريار انتصار لرغبة الإنتاج، أو الفعل على رغبة تقديم معنى ، وبصرف النظر عن عبارات بودريار فإن الأغاني المصورة تعبّر عن حيرة الانسان وضياعه بالإعلاء من شأن الهروب من وهم الحداثة بالممارسات الجنسية، اما في الإعلان الذي لا يكتفي بان يُعلِم عن المطروح من سلع أو خدمات، لكنه يحضّ على الطلب ويشجّع عليه، وبالتالي يوسع من الأسواق، وهي في زمن العولمة أسواق فائقة السرعة والفاعلية، مدعومة بتكنولوجيات اتصالية سريعة، وبثقافة تعتمد على الصورة وعلى استثمار جنس المرأة بنوع خاص. أما في الانترنت فإن قيم ما بعد الحداثة، تبرز في القول انه لن تكون هناك حقيقة واحدة، بل أكثر من حقيقة، لأنها تقدم موضوع الحقيقة برؤى مختلفة. فإذا أراد مراقب ما ان يعرف شيئاً عن الصراع العربي – الاسرائيلي مثلاً وصادفه في البحث موقع فرنسي، فإنه سيقدم حقيقة الصراع برؤية مختلفة عن حقيقة الصراع في موقع اسرائيلي، وعن حقيقة الصراع في موقع فلسطيني لحماس. ففي عصر ما بعد الحداثة، أي في عصر الرأسمالية المتأخرة تغدو وظيفة الثقافة إرضاء الجميع، فالكل على صواب، والتعايش أفضل من معرفة الحقيقة. والجسد هنا في وسائل الإعلام يصبح المصدر الوحيد للهوية ذات البعد الواحد ، هوية الانسان الاستهلاكي المنشغل بتحقيق متعته الشخصية بعيداً من أي إكراهات أخلاقية أو اجتماعية. والجسد هنا أيضاً يأخذ مداه من خلال عارضات الأزياء اللواتي يأخذن أماكنهن بفضل أجسادهن الى جانب نجوم الغناء والرياضة والسينما ورجال الأعمال والسياسيين.