لاشك أن أحد القضايا الهامة – ليس فقط فى عالمنا العربى ، بل على المستوى العالمى هى قضية الصراع العربى الصهيوني والذى يحتاج الى مئات الدراسات، وفى هذه الحلقات نسعى الى طرح الموضوع بشىء من الموضوعية والتبسيط حتى تتمكن الأجيال الجديدة من قراءة هذا التاريخ والتعرف على الجهود التى بذلتها الحكومات العربية وعلى رأسها مصر من أجل دعم القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية. يعود الصراع الفلسطينى الصهيوني إلى مئات الاعوام، حيث بدأت فكرة الاستيطان اليهودي لفلسطين من قبل المجموعات الصهيونية المهاجرة من دول أوروبا وروسيا باتجاه الأراضي الفلسطينية، تنفيذا لوعد الرب لبني إسرائيل في أرض الميعاد. فقد وفدت إلى فلسطين عام 1777 أول جماعة اشكنازية تابعة إلى الحركة الحسيدية الثالثة، وكلمة حسيد تعني (النقي) والحسيدية كلمة من أصل أرامي تعني أسافل الزرع، أي أن هذه الجماعة تمثل البقية الصالحة التي لم تتمكن منها الديانات ولا عادات الأغراب، حيث أسس الحسيديون أول مركز استيطاني لهم بالقرب من تل أبيب. وفي كتابه (البحث عن صهيون) أكد زيفي هيرش كاليشر (1795- 1874) أن خلاص اليهود لن يتحقق على يد مسيح منتظر وإنما عن طريق العمل الذاتي لليهود، ومن هنا، فقد دعا إلى هجرة اليهود إلى الأرض المقدسة فورا لإستعمارها. وفي عام 1845 دعا أدوارد منفورد في كتابه (ندار باسم الأمة اليهودية) إلى ضرورة تهيئة الظروف لاستعمار فلسطين وطرد سكانها العرب إلى تركيا أولا، وفي سبيل تحقيق فكرة العودة، ظهرت بعض الحركات والتجمعات الصهيونية ذات الطابع السياسي في روسيا واوروبا، ففي عام 1882 ظهرت حركة أحباء صهيون حيث دعا Mases Bloom في كتابه (بعث الشعب اليهودي في أرض أجداده) إلى إنشاء هذه الجمعية الاستيطانية والتي أكدت على نشر الفكرة القومية بين اليهود والدعوة إلى الاستيطان في فلسطين ورفع شأن اللغة العبرية ورفع مستوى الجماهير اليهودية وقد مثل هذه الجمعية ليون بنسكر الذي دعا في كتابه (التحرير الذاتي) عام 1882 إلى نبذ فكرة الاندماج في القوميات الأوربية. كما أنشأت جمعية استيطانية أطلق عليها جمعية (بلو) وهي عبارة عن 15 طالبا وطالبة من جامعة خروكوف قدموا إلى فلسطين حيث تمكنوا من شراء 3300 دونم على الساحل الفلسطيني، فأقاموا أول مستوطنة لليهود في فلسطين باسم (ريشون ليتصيون) وتعني الأول في صهيون، والتي أقيمت على القرية العربية الفلسطينية (عيون قارة). إضافة إلى مستعمرة (بتكاح تكفا) وتعني باب الأمل، حيث أقيمت على أرض القرية العربية الفلسطينية (ملبس). ولم يرتفع شأن اليهود إلا من خلال ثيودور هرتزل الذي يعتبر الأب الروحي للحركة الصهيونية وواضع الأسس العقائدية الصهيونية من خلال كتابه (الدولة اليهودية) الذي أكد من خلاله على أن "اليهود غير قابلين للتمثل في الأمم التي يعيشون في ظهرانيها وأنهم في أي بلد أقاموا يشكلون عبر العالم شعبا واحدا". وقد اكد هرتزل أن المسألة اليهودية ليست مسألة اجتماعية أو دينية، بل هي مسألة قومية ولا يمكن حلها إلا من خلال جعلها قضية سياسية على المستوي العالمي، وكل شيء يعتمد على القوة الدافعة لليهود والتي تتمثل في البؤس الذي يعانونه والعداء للسامية، وأنه يمكن تحويل الحلم إلى واقع، وذلك بخروجهم من أوطانهم إلى فلسطين. وقد جسد هرتزل ذلك في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، في بازل بسويسرا، حيث أكد على ضرورة استعمار فلسطين وتشجيع الاستيطان والقيام بمساع لدي مختلف الحكومات للحصول على موافقتها بهجرة اليهود إلى فلسطين.وقد حاول هرتزل إقناع السلطان العثماني عبد الحميد من أجل السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، إلا أنه رفض ذلك بشدة، وسمح لهم بالزيارة والإقامة لمدة ثلاثة شهور ثم المغادرة من فلسطين. ولتحقيق ذلك ابتدعت الحركة الصهيونية أساطير عدة، مثل أسطورة الشوق إلى صهيون التي ارتكزت على وعد الرب لإبراهيم في أرض الميعاد وأن اليهود شعب الله المختار وإسرائيل الكبرى تتمثل من النيل إلى الفرات، ففي شهر آب/ أغسطس عام 1967 أكد موشى ديان إبان احتلال الأراضي العربية بأن "اليهود شعب التوراة، ومن حقهم بلاد التوراة أرض أورشليم" وفي عام 1978 أكد مناحيم بيجن في قوله على وعد الرب لليهود بأرض التوراة. وقد تحدثت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في أوائل السبعينات من على منبر الكنيست، بأن هذا البلد وجد تنفيذا لوعد الرب (وعد الرب لإبراهيم). ولقد نهجت الحركة الصهيونية سياسة استيطانية تعتمد على الملكية القومية للأرض التي يتم شراؤها أو مصادرتها والاستخدام الذاتي من قبل المستوطنين للأرض، والتنظيم التعاوني من خلال (الكيبوتسات) وهى عبارة عن تجمع استيطاني لعدد من اليهود يقوم على مبدأ التعاون المشترك ويعتمد على الزراعة.. وفي هذا الإطار استخدمت الحركة الصهيونية قوانين مختلفة لمصادرة الأراضي الفلسطينية كالقوانين العثمانية، وقوانين الطوارئ البريطانية والقوانين الأردنية، والأوامر العسكرية. وبعد أن أنجزت الحركة الصهيونية هدفها الأساسي في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والتي قامت بشكل عملي من خلال وعد بلفور 1917 والكتاب الأبيض الأول 1922 الذي أدخل وعد بلفور في صك الانتداب على فلسطين، ومن خلال قرار التقسيم رقم (181) عام 1947، وما قامت به المنظمات الصهيونية بعد حرب 1948 من سيطرة على مساحات واسعة من أراضي فلسطين الحبيبة. محمد صادق اسماعيل كاتب ومحلل سياسى [email protected]