عندما نفكر فى الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الصورة التى تأتى إلى أذهاننا هى الاقتتال بين مسلمين ويهود. هذه الصورة ليس دائمة صائبة. فيوجد "المئات من المسلمين يقاتلون فى صفوف الجيش الاسرائيلي"، حسب مصدر عسكرى إسرائيلي، ومنهم من شارك فى حرب غزة الأخيرة. فهد فلاح ضابط فى الجيش الإسرائيلى برتبة رائد وهو مسلم من بدو اسرائيل. إنه فخور بخدمة وطنه "اسرائيل"، ومستعد للقتال فى غزة. ويقول الرائد فلاح "سأفعل كل ما فى وسعى وبكل إخلاص من أجل حماية وطنى اسرائيل". وأضاف "لقد قاتلت فى غزة مؤاخرا". "لقد خدم أبى وجدى فى الجيش قبلي، إننا نرثها أبا عن جد". العديد من البدو المسلمين الذين قابلتهم فى إسرائيل يعتزون بانتمائهم لإسرائيل، خاصة منهم المولودون منذ إقامة دولة إسرائيل. لكن التعاون بين البدو واليهود يعود تاريخه إلى ما قبل قيام إسرائيل. فقد ارسل شيخ من شيوخ قبيلة الهيب الذين كانوا يعيشون فى سهول الجليل يدعى أبو يوسف أكثر من ستين من رجاله للقتال مع أصدقائه اليهود ضد جيرانهم العرب ما بين 1946 و1947. واليوم، يوجد نصب تذكارى خاص بالجنود البدو الذين سقطوا فى ساحة القتال مع الجيش الإسرائيلي. إنه مبنى فى غاية الحداثة تجد فيه كمبيوتر يعطيك السيرة الذاتية لكل جندى مسلم قتل فى ساحة المعارك وصورة له بمجرد النقر على زر. تخليد الجندى المسلم دعوت لحضور حفل تذكارى لهؤلاء الجنود المسلمين بمناسبة عيد استقلال اسرائيل ويوم تخليد الجندى الاسرائيلي. الحفل حضره حشد غفير من المسؤولين الإسرائيليين، بما فيهم وزير الأقليات، أفيشاى بريفرمان، إلى جانب من شيوخ القبائل البدو وعائلات الجنود القتلى المسمين والمتعاطفين معهم من اليهود. الجيش رفض الإفصاح لى عن عدد المسلمين فى صفوفه بالتحديد، لكنه يقول إن هناك المئات والمئات منهم وقد يصل عددهم إلى الآلاف. لكن المثير فى الأمر هو أن القانون الإسرائيلى لا يجبر المسلمين الإسرائيليين على الخدمة كما هو الحال بالنسبة لليهود وأقليات أخرى، فما يدفع المسلمين للالتحاق بصفوف الجيش؟ العقيد أحمد رميز هو المسؤول عن الأقليات فى الجيش الإسرائيلي، يقول "إن واجب المواطن الإسرائيلى رقم واحد هو الدفاع عن وطنه بالخدمة فى الجيش". حقوق المسلمين وواجباتهم الحقوق يتوجب عليهم أداء كل واجباتهم داخل المجتمع". وفيما أثارت العمليات العسكرية التى قامت بها إسرائيل فى غزة فى مطلع السنة غضب المسلمين فى جميع العالم، يقول الضابط السامى إن عدد المجندين المسلمين بعد الحرب ذاتها قد ارتفع. " إننا منبوذون فى كلتى الحالتين، سواء خدمنا فى الجيش الإسرائيلى أو لم نخدم" ماهر، جندى سابق فى الجيش الاسرائيلي "المئات من المسلمين يلتحقون بالجيش سنويا، وقد يصل إلى الآلاف فى وقت واحد" حسب تصريحات العقيد " لقد قمنا بحملة تجنيد فى شهر آذار/ مارس الماضي، بعد الحرب فى غزة بقليل، واكتشفنا أن عدد المسلمين الراغبين فى التجنيد بات أكثر من ذى قبل". ويضيف العقيد رميز " إنه يبدو أن الحرب لم تؤثر عليهم، بل على العكس". حسب تصريحات الجيش يخدم المسلمون فى كل الوحدات العسكرية، لكن هناك مسلم تقدم منذ حوالى سنتين بطلب للانضمام لقسم طيران النخبة فى الجيش إلا أن طلبه قوبل بالرفض. لماذا؟ هل كان ذلك لتحفظات أمنية؟ يرد العقيد بأن هذا المسلم " لم ينجح فى امتحان الدخول، إنه لم يلب معايير الفوز الضرورية". "ينادونهم خونة" فالكثير من الجنود المسلمين الحاليين أو الذين خدموا سابقا انضموا للجيش من أجل تحسين فرص عملهم أو دراستهم، حيث أن الجيش يقدم لهم إعانة مالية لدراستهم الجامعية، كما أن الكثير من أرباب العمل اليهود يشترطون الخدمة العسكرية رغم أن ذلك غير قانوني. بالإضافة إلى ذلك، يواجه البعض من المسلمين الذين يجرؤون على الانضمام إلى الجيش اعتراض المجتمع الذين يعيشون فيه على الخدمة فى الجيش إلى درجة تصل فى بعض الأحيان إلى الاعتداء الجسدى أو الكلامي، كما يعتبرونهم خونة. ماهر بدوى مسلم فى العشرين من عمره يعيش فى قرية فى الناصرة يعمل مدرس رياضة نصف وقته ومزارع فى النصف الآخر. يقول ماهر "عندما كنت فى الجيش وعدونى بأنه سيكون سهلا بالنسبة لى الحصول على عمل، لكن تقدمت بعدة طلبات عمل ولم أحصل على شيء لمدة طويلة". ويتحسر الشاب المزارع قائلا: "إن أرباب العمل المسلمين لا يريدون توظفى لأننى قمت بالخدمة العسكرية فى الجيش وأرباب العمل اليهود يفضلون منح الوظائف لليهود". ويقول ماهر "فى القرية التى أعيش فيها، قد ينظر لك البعض باستياء لأنك تخدم فى الجيش، لكن فى قرى أخرى معروفة بعدائها للجيش، مثل أم الفحم، قد يتعرض الجندى الذى يلبس زى العسكر إلى اعتداء كلامى أو جسدي". ويواصل ماهر"إنهم ينادونهم خونة". لا جنازة من الجماعات التى أدانت خدمة المسلمين فى الجيش، الحركة الإسلامية فى شمال إسرائيل، التى يرأسها الشيخ رائد صلاح وتتمتع بنفوذ كبير بين أوساط المسلمين فى إسرائيل. فالحركة أصدرت منذ سنوات فتوى تحرم خدمة المسلمين فى الجيش الإسرائيلي، ومن يفعل ذلك، وقتل فى المعارك، تمنع الصلاة عليه فى المساجد التابعة للحركة. قابلت نائب رئيس الحركة، الشيخ كمال الخطيب، الذى أطلعنى بأن " أى مسلم يقتل فى حقل المعارك مع الجيش الإسرائيلى لن تقام الجنازة عليه فى مساجدنا". ويحذر الشيخ بلهجة قوية " إن المسلم الذى يذهب إلى غزة ويقتل مسلما آخر، ليس منا". خلال الوقت الذى قضيته فى إسرائيل، قابلت عددا كبيرا من الجنود المسلمين، البعض منهم فخور بالخدمة فى الجيش والآخر مضطر لذلك طمعا فى تحسين مستوى معيشته، وهناك من قال لى إن بعضهم يلتحق بالعسكر من أجل التباهى بالسلاح، لكن فى حالات كثيرة يأتى الإقبال على الخدمة العسكرية فى الجيش الإسرائيلى بوصمة عار بالنسبة للمسلم البدوى ولأسرته. أو كما قال لى الجندى السابق ماهر: " إننا منبوذون فى كلتى الحالتين، سواء خدمنا فى الجيش الإسرائيلى أو لم نخدم".