سعر الدولار اليوم الخميس 27 يونيو في البنوك المصرية    الجيش البولندي يعتمد قرارا يمهد "للحرب مع روسيا"    "فنزويلا في الصدارة".. ترتيب المجموعة الثانية ببطولة كوبا أمريكا    تراجع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الخميس 27 يونيو 2024    إبراهيم عيسى: إزاحة تنظيم جماعة الإخوان أمنيًا واجب وطني    اعتقال قائد الجيش البوليفي بعد محاولة انقلاب    انخفاض أسعار النفط بعد زيادة مفاجئة في المخزونات الأمريكية    بحار أسطوري ونجم "قراصنة الكاريبي"، سمكة قرش تقتل راكب أمواج محترفا في هوليوود (صور)    هل يجوز الاستدانة من أجل الترف؟ أمين الفتوى يجيب    حبس عامل قتل آخر في مصنع بالقطامية    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    والدة لاعب حرس الحدود تتصدر التريند.. ماذا فعلت في أرض الملعب؟    إصابة فلسطينيين اثنين برصاص قوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم    غارة إسرائيلية تستهدف مبنى شمال مدينة النبطية في عمق الجنوب اللبناني    إعلان نتيجة الدبلومات الفنية الشهر المقبل.. الامتحانات تنتهي 28 يونيو    مسرحية «ملك والشاطر» تتصدر تريند موقع «إكس»    هانئ مباشر يكتب: تصحيح المسار    دعاء الاستيقاظ من النوم فجأة.. كنز نبوي منقول عن الرسول احرص عليه    7 معلومات عن أولى صفقات الأهلي الجديدة.. من هو يوسف أيمن؟    تسجيل 48 إصابة بحمى النيل في دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال 12 ساعة    كندا تحارب السيارات الصينية    فولكس ڤاجن تطلق Golf GTI المحدثة    فى واقعة أغرب من الخيال .. حلم الابنة قاد رجال المباحث إلى جثة الأب المقتول    ما تأثيرات أزمة الغاز على أسهم الأسمدة والبتروكيماويات؟ خبير اقتصادي يجيب    حظك اليوم| برج الأسد 27 يونيو.. «جاذبيتك تتألق بشكل مشرق»    حظك اليوم| برج الجدي الخميس27 يونيو.. «وقت مناسب للمشاريع الطويلة»    جيهان خليل تعلن عن موعد عرض مسلسل "حرب نفسية"    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    17 شرطا للحصول على شقق الإسكان التعاوني الجديدة في السويس.. اعرفها    إصابة محمد شبانة بوعكة صحية حادة على الهواء    سموحة يهنئ حرس الحدود بالصعود للدوري الممتاز    حقوقيون: حملة «حياة كريمة» لترشيد استهلاك الكهرباء تتكامل مع خطط الحكومة    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    إبراهيم عيسى: أزمة الكهرباء يترتب عليها إغلاق المصانع وتعطل الأعمال وتوقف التصدير    سيدة تقتحم صلاة جنازة بالفيوم وتمنع دفن الجثمان لهذا السبب (فيديو)    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    محاكمة مصرفيين في موناكو بسبب التغافل عن معاملات مالية كبرى    منير فخري: البرادعي طالب بالإفراج عن الكتاتني مقابل تخفيض عدد المتظاهرين    "الوطنية للإعلام" تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في كافة منشآتها    العمر المناسب لتلقي تطعيم التهاب الكبدي أ    نوفو نورديسك تتحمل خسارة بقيمة 820 مليون دولار بسبب فشل دواء القلب    ميدو: الزمالك «بعبع» ويعرف يكسب ب«نص رجل»    خالد الغندور: «مانشيت» مجلة الأهلي يزيد التعصب بين جماهير الكرة    ملخص وأهداف مباراة جورجيا ضد البرتغال 2-0 فى يورو 2024    الدفاع السورية: استشهاد شخصين وإصابة آخرين جراء قصف إسرائيلى للجولان    إجراء جديد من جيش الاحتلال يزيد التوتر مع لبنان    وزراء سابقون وشخصيات عامة في عزاء رجل الأعمال عنان الجلالي - صور    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    مدير مكتبة الإسكندرية: استقبلنا 1500 طالب بالثانوية العامة للمذاكرة بالمجان    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفد الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    عباس شراقي: المسئولون بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات    رئيس قضايا الدولة يُكرم أعضاء الهيئة الذين اكتمل عطاؤهم    حدث بالفن | ورطة شيرين وأزمة "شنطة" هاجر أحمد وموقف محرج لفنانة شهيرة    يورو 2024، تركيا تفوز على التشيك 2-1 وتصعد لدور ال16    تعرف على سبب توقف عرض "الحلم حلاوة" على مسرح متروبول    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى نكبتنا: لتتفرغ الفصائل لإدارة معركة التحرير (10)
نشر في مصر الجديدة يوم 19 - 06 - 2011

الفصائل الفلسطينية
إن كان عنوان الموضوع متعلق بالنتائج الخطيرة التي آل إليه بحث الفصائل
الفلسطينية بعد هزيمة عام 1967 عن الشرعية السياسية بعد حصولها على شرعية
المقاومة وعدم تعلم حركة حماس من خطأ تلك التجربة، وأنها مازالت لم تُدرك
خطورة ذلك على مستقبل القضية في وقت العدو اليهودي-الغربي الذي تنشد رضاه
يرفض الفكرة من حيث المبدأ فضلاً عن أنه لم يَعُد هناك أرض في الضفة وغزة
تصلح لإقامة دولة، أضف إلى ذلك أن أي كيان في الضفة وغزة لن يكون كياناً
فلسطينياً وطنياً مستقلاً ولكنه سيكون كما وصفه المجلس الوطني عام 1968
كيان عميل يقوم بدور ضد مصلحة الأمة والوطن، إلا أنه ينطبق على كثير إن
لم يكن كل ثورات (الربيع العربي بحسب المصطلح الأمريكي)! وأنا لا أشكك في
صدق نوايا وتضحيات المواطن العربي الذي ثار وضحى حقيقية لأجل التغيير
ولكن أشكك في صدق نوايا صدق الوجه الآخر للنظام -الحركات والأحزاب
المعارضة- الذي باع تضحيات ودماء أبناء الوطن لعدو الأمة والوطن مقابل
حصوله على الشرعية السياسية سواء بالوصول إلى الكرسي أو حق تشكيل حزب سياسي! إن أولئك الباحثين عن الاعتراف بشرعيتهم من عدو الأمة والوطن الذي زرع أشد أعداء الأمة والإنسانية -اليهود- في فلسطين ومازال يدعمهم ويحميهم، مَثَلَهم كما قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ {الجمعة:5}.
لأنهم لم يفقهوا شيء من القصص القرآني عن صفات
بني إسرائيل واليهود. كما لم يتعلموا شيء عن أبعاد التحالف اليهودي
الغربي لا من القرآن ولا من تجارب قرون الصراع ولا من تجارب الحاضر
والواقع. ولأنهم لم يدركوا أن الذي ينال الشرعية مِمَنْ لا يملك منحها
سرعان ما يُمسي بلا شرعية، لأن الشرعية تُكتسب من خلال الانتماء للأمة
والوطن والحرص على مصالحهما!.
لذلك أعتذر لبعض الأصدقاء الذين طلبوا مني مراراً الكتابة عن (ثورات
الربيع العربي) لأني لا أرجو منها خيراً كثيراً وهي تبدأ بريئة مستقلة
تواكبها محاولات الغرب لاحتوائها –لأنه لم يصنعها كما يحاول البعض
تصويرها كذلك- وتنتهي مسلوبة ومخطوفة من انتهازيين لا هَمَ لهم إلا تحقيق مكاسب حزبية وشخصية رخيصة مقارنة بتضحيات المخلصين ومصالح الوطن! وكم أتمنى على أولئك الشباب والمواطنين الذين ثاروا صادقين لانتزاع حقوقهم وحريتهم ألا يستسلموا للاختطاف ثورتهم وأن يواصلوا ثورتهم ضد القوى المضادة والمعادية لها التي أجهضتها. كما أرجو من تلك الأقلام المؤدلجة التي تتخذ من دعم بعض الأنظمة العربية التي مازالت تُعتبر في فكرهم رجعية وعميلة للغرب واليهود لبعض الثورات حجة لمهاجمة تلك الثورات والتشكك فيها وكأن أولئك الحكام الذين يدافعون عنهم ليسوا أشد عمالة لليهود والغرب منها؟! أن يكفوا عن ذلك لأنهم يدافعون عمن لا يستحق ويزرعون الفرقة بين أبناء الوطن، ولأن دفاعهم عنهم ليس لأنهم شرفاء ولكن بدافع أيديولوجي معادي لفكر بعض الاتجاهات المشاركة في تلك الثورات، ومن الخير لهم وللأمة والوطن أن يتوقفوا ويعيدوا تقييم وتقويم أفكارهم وتصحيحها بما يتناسب ومتطلبات المرحلة ويحقق مصالح الأمة والكف عن التناقض في خطابهم السياسي!.
في الحلقة الماضية بينا أن الله تعالى ربط بين الجهاد والفقه وأن المجاهد
تتوفر له الفرص ليتفقه أكثير من المتفقهين من خلال الكتب، لذلك أدرك
الشيخ عز الدين القسام أبعاد الهجمة اليهودية-الغربية ضد الأمة والوطن،
فكان شعاره: هذا جهاد .. نصر أو استشهاد! ومثله أدرك القائد أحمد الشقيري حقيقة التحالف اليهودي-الغربي واستحالة الثقة فيهما وخاصة أمريكا، وأن القضية لا تحل في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية ولكن على أرض فلسطين وبوسيلة واحدة هي الكفاح المسلح فأصل ذلك في الميثاق القومي الفلسطيني. والأمر نفسه أدركه الراحل عرفات متأخراً في كامب ديفيد 2000 وعندما حاول تصحيح خطأ المسار السياسي خذله الجميع وقتلوه بالسُم!.
بحث الفصائل عن الشرعية#
بعد انطلاق حركة فتح وفصائل فلسطينية أخرى رافعة لواء المقاومة والكفاح
المسلح ضد العدو الصهيوني عبر حدود بعض الدول العربية وخاصة الأردن بعد
عام 1967، أصبح هناك سلطتان فلسطينيتان، سلطة شكلية وتمثلها منظمة
التحرير وسلطة شرعية تمثلها المقاومة، وذلك جعل بعض الأنظمة العربية تسعى
لضم تلك الفصائل خاصة حركة فتح إلى منظمة التحرير، التي كان البعض فيها
كما ذكر (أبو إياد) "يخشى على الحركة أن تنالها البيروقراطية وأن يضعف
نقاؤها الثوري نتيجة ذلك". ويعترف أنهم كانوا على حق. وقد استطاع الرئيس
جمال عبد الناصر إقناع حركة فتح وفصائل المقاومة بالانضمام لمنظمة
التحرير والمشاركة في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في
القاهرة في الفترة ما بين 10-17/7/1968، وفي هذه الدورة أكد المجلس على
أن حقيقة القضية الفلسطينية أنها قضية تحرير وأن الكفاح المسلح هو الطريق
الوحيد لتحرير فلسطين، واتخذ عدة قرارات بهذا الشأن أهمها:
شجب الكيان المزيف
"2- شجب الكيان الفلسطيني المزيف: حذر المجلس في مقرراته من الدعوات
المشبوهة لإنشاء كيان فلسطين مزيف يقوم على أساس إعطاء الشرعية والديمومة
للعدو الصهيوني، الأمر الذي يتنافى كلياً مع حق الشعب العربي الفلسطيني
في كامل وطنه فلسطين وذكرت قرارات المجلس الوطني أن مثل هذا الكيان
المزيف هو في حقيقة حاله (مستعمرة إسرائيلية) تصفى القضية الفلسطينية
تصفية نهائية لمصلحة العدو الصهيوني، وهو في الوقت نفسه مرحلة مؤقتة
تتمكن فيها الصهيونية من التمهيد لدمج هذا الكيان دمجاً كاملاً في الكيان
(الإسرائيلي). هذا بالإضافة إلى خلق إدارة عربية فلسطينية عميلة في
الأراضي المحتلة، وشجب المجلس الوطني فكرة الكيان الفلسطيني المزيف في
الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد الخامس من حزيران 1967 شجباً مطلقاً.
وأعلن أن أي فرد أو جهة عربية فلسطينية أو غير فلسطينية تدعو لهذا أو
تؤيده هي عدو للشعب العربي الفلسطيني وللأمة العربية".
كما اتخذ عدة قرارات سياسية على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي: "عن
قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22/11/1967 مرفوض لعدة أسباب منها أن
القرار يضمن إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية والعدو الصهيوني، ويترتب
على ذلك فتح الممرات العربية المائية للملاحة (الإسرائيلية) والتزام
الدول العربية بإنهاء المقاطعة العربية ل(إسرائيل) وفتح الباب لغزو
المنتجات (الإسرائيلية) جميع الأسواق العربية، ويتضمن القرار إقامة حدود
آمنة ومتفق عليها مع (إسرائيل). وهذا ينطوي على الاعتراف الواقعي بها مما
يتناقض وحق الشعب العربي الفلسطيني المطلق بكامل وطنه. كما أكد المجلس أن
الثورة الفلسطينية جزء من الثورة العالمية على الاستعمار والإمبريالية
الأمريكية بشكل خاص".
تعديل الميثاق ودور الجيش
وفي دورة المجلس الوطني الفلسطيني الخامسة التي عقدت ما بين 1- 4 شباط/
فبراير 1969 كانت حركة فتح قد أمنت لنفسها الأغلبية المطلقة في مقاعد
المجلس الوطني وكفلت بذلك لنفسها قيادة منظمة التحرير وتوجيهها الوجهة
التي تريد على حد ما ذكره أبو إياد في كتابه "فلسطيني بلا هوية". وقد تم
في هذه الدورة اختيار الشهيد ياسر عرفات رئيساً لمنظمة التحرير واللجنة
التنفيذية. كما أنه تم في هذه الدورة اتخاذ عدة قرارات يمكن اعتبارها
بداية التأسيس للانحراف والتراجع في المستقبل عن المسار الصحيح لما كان
يجب أن تسير عليه قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية، بدءاً من تغيير اسم
الميثاق إلى حذف وتعديل، وإضافة مواد جديدة فيه. فقد قرر المجلس على صعيد
النظام الأساسي والتعديلات القانونية أن يتم تعديل المادة الخاصة:
1- بشان جيش التحرير، بعد أن كان قرار إنشائه السابق ينص على: "وتكون له
قيادة مستقلة وواجبه القومي أن يكون الطليعة في خوض معركة تحرير فلسطين".
أي دوره يدل على وعيه بحدود قدرته وبأبعاد القضية ودور ومسؤولية الجيوش
العربية. عدل المجلس النظام الأساسي بحيث يصبح: "وتكون له قيادة مستقلة
تعمل تحت إشراف اللجنة التنفيذية وتنفذ تعليماتها وقراراتها الخاصة
والعامة".
كان ذلك هو التعديل الأول في الميثاق ولم يكن أول تعديل عام 1973 ولا عام
1996! وقد كان عنوانه التأكيد على الأنا والهوية القطرية وفصل القضية عن
بعدها القومي تمهيداً ليصبح على الفلسطينيين وحدهم في المستقبل عبئ
تحرير فلسطين! وقد كان من نتائج ذلك التعديل انحراف الجيش عن دورة كطليعة
في معركة التحرير الذي حُدد له في دورة المجلس الوطني الأولى والذي كان
نابعاً من الإدراك الواعي بأبعاد الصراع مع العدو الصهيوني، كما تسبب ذلك
التعديل في حدوث معارك فلسطينية-فلسطينية، أو فلسطينية-عربية بدعوى
الحفاظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي أكده الميثاق الجديد.
"3- أما بشأن الميثاق ذاته: فقد "قرر المجلس الوطني تغيير اسم الميثاق
ليصبح (الميثاق الوطني الفلسطيني) بدلاً من الميثاق القومي الفلسطيني لأن
كلمة (الوطني) تنصرف إلى الشعب العربي الفلسطيني في حين أن كلمة (القومي)
تنصرف إلى الأمة العربية. والميثاق هو للشعب الفلسطيني وليس لجميع الأمة
العربية، وعدل المجلس كثيراً من مواد الميثاق الأصلي وحذف بعضها وأضاف
إليها مواد أخرى".
لقد كان لذلك التغيير دلالته الخطيرة التي كان يجب التنبه إليها منذ ذلك
التاريخ وهي السير بالقضية المركزية للأمة نحو القطرية والذاتية
الفلسطينية والتدرج إلى أن تصل إلى درجة التعصب الوطني والقطري الذي جلب
على القضية الكثير من الكوارث من الأردن إلى أوسلو، وكان سبباً في كثير
من الحروب والدماء التي سالت في معارك جانبية مع الأخوة الفلسطينيين
والأشقاء العرب، ومهد ذلك لتحجيم القضية المركزية للأمة وتخلص الأنظمة
العربية التخلص من التزاماتها ومسئوليتها القومية اتجاه الشعب الفلسطيني
ومعركة التحرير واختزالها في أنهم يوافقون على ما يوافق عليه الفلسطينيين
كما قرر ذلك مؤتمر القمة العربي السابع عام 1974.
وقد كان أهم ما تم تغييره في الميثاق بعد الاسم، عبارة في المادة (21) من
الميثاق القومي توحي بعدم قبول التسويات، حذفت من المادة (24) في الميثاق
الوطني، التي قابلت المادة (21) وهي: "... ويؤيد الجميع المساعي الدولية
التي تهدف إلى إقرار السلم على أساس الحق والتعاون الدولي" .
كما أن الميثاق الوطني الجديد قد أكد على ما أكد عليه الميثاق القومي منذ
عام 1922 مع إضافات جديدة تتناسب ومتطلبات المرحلة الجديدة، وكلها تؤكد
وحدة التراب الفلسطيني وتُصر على التحرير لكامل التراب وترفض كل الحلول
السلمية والكيانات الفلسطينية المزيفة وغيرها.
إلى هذه الدورة لم يكن هناك خطر في التغييرات التي حدثت على اسم الميثاق
أو غيره من المواد ولكن ما أن عقدت الدورة السادسة في القاهرة
1-6/9/1969، حتى اتخذت قرارات ذات أبعاد خطيرة على مستقبل ودور جيش
التحرير الفلسطيني. فقد قرر المجلس في الناحية العسكرية:
"- تكليف اللجنة التنفيذية متابعة بذل الجهود اللازمة لجعل جيش التحرير
الفلسطيني حر الإرادة والقيادة بعيداً عن أية قيود عربية (تمهيداً لضمه
لفتح بعد أن كان جزء من جيش كل دولة من الدول العربية بقيادة مستقلة).
- تعمل اللجنة التنفيذية على إعداد جيش التحرير الفلسطيني ليكون النواة
الرئيسة لجيش التحرير الوطني للثورة الفلسطينية(*)، وذلك بزيادة حجمه
ورفع مستوى تدريبه وتحسين نوعية السلاح".
الدولة الديمقراطية
كان المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الخامسة قد تبنى الهدف الاستراتيجي
لحركة فتح الذي سبق أن أعلنه أبو إياد خلال مؤتمر صحفي في 10 تشرين الأول/
أكتوبر 1968 وهو "إنشاء دولة ديمقراطية في فلسطين يعيش فيها المسلمون
والنصارى واليهود في مساواة وتكافؤ كامل". وفي دورة المجلس الوطني
السابعة التي عقدت في القاهرة 30/5-4/6/1970:
"3- بحث المجلس موضوع (الدولة الديمقراطية) في كل فلسطين وقرر إحالته على
اللجنة التنفيذية لتضع حوله دراسة وافية تتقدم بها إلى المجلس الوطني في
دورته المقبلة فيقرر ما يراه مناسباً". وكان ذلك بداية التراجع عن تحرير
فلسطين وطرد اليهود المغتصبين منها أكدت عليه حكومة عموم فلسطين وأقره
الميثاق الوطني الفلسطيني وكان الشعار الذي رفعته الثورة منذ انطلاقتها
وبعد ذلك سيتوالى مسلسل التراجعات...
لقد اُبتليت الجماهير الفلسطينية والأمة من ورائها بقيادة تجيد التنظير
واختيار الكلمات والعبارات المنمقة البراقة التي تطلقها على قراراتها
التاريخية التي كانت تتخذها في كل دورة من دورات المجالس الوطنية
الفلسطينية وتعتبرها انتصارات وانجازات تاريخية في الوقت الذي لم تكن فيه
تلك القرارات التاريخية سوى نكوص تدريجي عن الثوابت الفلسطينية. ففي
الوقت الذي اشتعلت فيه الساحة الأردنية في معارك ضارية بين القوات
الأردنية وقوات الثورة الفلسطينية (أحداث أيلول/سبتمبر 1970)، تلك
الأحداث التي لا أحد يعلم حتى الآن مَنْ كان المسئول فيها عن اتخاذ قرار
خروج الثورة الفلسطينية إلى أحراش جرش وعجلون بعيداً عن عمقها الجماهيري
"المخيمات الفلسطينية" والتخلي عن سلاحها الثقيل "اللازم لإعداد الجيش
الوطني" تمهيداً لإقامة الدولة الديمقراطية" والخروج أفراداً "المقاتلين"
بأسلحتهم الخفيفة إلى أحراش جرش وعجلون بعد توقيع اتفاقيتي القاهرة
وعمان، في هذه الأثناء عقد المجلس الوطني دورته الثامنة في القاهرة
28/4-2/5/1971، ووضع البرنامج السياسي المرحلي الذي كان من سخرياته
المادة رقم (2):
"2- الدولة الديمقراطية الفلسطينية: ليس الكفاح الفلسطيني المسلح كفاحاً
عرقياً أو مذهبياً ضد اليهود. ولهذا فإن دولة المستقبل في فلسطين
المتحررة من (الاستعمار الصهيوني) هي الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي
يتمتع الراغبون في العيش فيها بسلام بنفس الحقوق والواجبات ضمن إطار
مطامح الأمة العربية في التحرر القومي والوحدة الشاملة، مع التشديد على
وحدة الشعب في كلتا ضفتي الأردن".
يأتي ذلك القرار في ظروف سبق شرحها؛ الخروج إلى أحراش جرش وعجلون وتسليم
السلاح الثقيل للجيش الأردني ومستقبل مظلم لا تُعرف نهايته وهي تُطرد من
الأردن وتفقد عمقها الجماهيري وأطول حدود مواجهة مع العدو الصهيوني (600
كيلومتر)، وفي وقت لم يلق الإعلان عن الهدف الفلسطيني لإقامة دولة
ديمقراطية علمانية في فلسطين يتمتع فيها جميع السكان بغض النظر عن دينهم
بحقوق متساوية أي اهتمام من الأمين العام للأمم المتحدة أو أي دولة ولم
يطرح للمناقشة في الأمم المتحدة. كما اعترف أبو أياد في كتابه "فلسطيني
بلا هوية"!.
تحجيم القضية
أما في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني المنعقدة في القاهرة بتاريخ
1-9/6/1974 التي جاءت بعد انتصار العرب في حرب رمضان 1973 وصدور قرار
مجلس الأمن رقم (338) بتاريخ 22/11/1973 الذي اعتبره المجلس الوطني في
(المادة 15) من البرنامج السياسي أنه: "جاء ليؤكد القرار رقم 242 ويدعو
إلى عقد مؤتمر جنيف بإشراف الدولتين الكبريين الاتحاد السوفيتي والولايات
المتحدة لتنفيذ القرار رقم 242 وقد جرت في المجلس مناقشات جادة مطولة
لهذه الأوضاع المستجدة وتم التشديد على أن منظمة التحرير هي الممثل
الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأنه لا يجوز لأية دولة عربية أو حاكم
عربي التفاوض نيابة عن الجماهير الفلسطينية وممثله الحقيقي الوحيد منظمة
التحرير".
وذلك فيه إيحاء إلى أن سبب رفض القرار 242 حقيقة هو أنه لا يعترف
بالمنظمة ممثلاً شرعياً للجماهير الفلسطينية# وليس ما يذكره المجلس في
حيثيات رفضه للقرار وذلك ما أكده توقيت الاعتراف بالقرار عام 1988 بدون
اعتراف مقابل والانتفاضة الأولى في ذروتها ما يثير التساؤل وسوف نجيب
عليه في وقته. وقد وضع المؤتمر البرنامج السياسي المرحلي والذي عُرف
ب"برنامج النقاط العشر" وقد جاء فيه ثلاثة نقاط بالرغم من ظاهر الرفض
فيها للتسويات والتأكيد على الثوابت إلا أننا نلاحظ بين سطورها روح
التراجع والاستعداد للقبول بالحلول، هي:
"ثانياً: تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح
لتحرير الأرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة
على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها وهذا يستدعي إحداث
المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله.
ثالثاً: تناضل منظمة التحرير ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف
والصلح والحدود الآمنة والتنازل عن الحق الوطني وحرمان شعبنا من حقوقه في
العودة وتقرير مصيره فوق ترابه الوطني.
رابعاً: إن آية خطوة تحرير تتم هي حلقة لمتابعة تحقيق إستراتيجية منظمة
التحرير في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المنصوص عليها في قرارات
المجالس الوطنية السابقة".
والتوصية التي وجهها المجلس في نفس الدورة للجنة التنفيذية تؤكد على روح
التنازل والتراجع وأسباب رفض القرار 242 فهي: "تضمنت الإشارة إلى رفض
التعامل مع قرار مجلس الأمن 242 وضرورة العمل على فتح المجال الدولي لطرح
قضية فلسطين وشعبنا في إطار غير القرار 242 وذلك على الأسس التالية:
أ أن يتم ذلك في إطار دولي محدد، أو في إطار عالمي.
ب- تشترك منظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر بوصفها الممثل الشرعي
الوحيد للشعب الفلسطيني".
"د- تعمل قيادة منظمة التحرير من خلال هذا التحرك السياسي والدبلوماسي
الدولي على إنجاز الهدف المرحلي المشار إليه في النقاط 2، 3، 4 من النقاط
العشر".
لقد كانت خلاصة قرارات المجلس في تلك الدورة القبول بقرار 242 إن اعترف
بمنظمة التحرير أنها الممثل الشرعي للجماهير الفلسطينية.
البندقية المسيسة والتقدميون اليهود
وجاءت الدورة الثالثة عشرة التي عقدت في القاهرة 12-22/3/1977، لتؤكد
كغيرها من الدورات السابقة على: رفض قرار 242 (المادة 1). وعلى إفشال كل
تلك المشاريع (المادة 4). ومواصلة الكفاح المسلح وما يترافق معه من أشكال
النضال السياسي والجماهيري لتحقيق الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي
الفلسطيني (المادة 2)، ولدحر الاحتلال وتصفيته (المادة 3).
إلا أن قرارات المجلس في هذه الدورة جاءت بالمزيد من التراجع المبطن كما
في (المادة 41) التي قررت: "أهمية العلاقة والتنسيق مع القوى اليهودية
الديمقراطية والتقدمية المناضلة داخل الوطن المحتل وخارجه ضد الصهيونية
كعقيدة وممارسة".
ومن المعروف أن القوى اليهودية المطلوب التنسيق معها لم تكن تناضل من أجل
القضاء على (كيان العدو الصهيوني) وإحلال الدولة الديمقراطية الفلسطينية
مكانها بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن كان موقفها واضح ومعلن منذ
البداية إنها مع دولة فلسطينية إلى جانب (كيان العدو الصهيوني) بشرط ألا
تشكل خطراً على وجوده وأمنه، وكان هذا القرار من منظمة التحرير بالاتصال
والتنسيق مع هذه القوى اليهودية تمهيداً لإعلان القبول بدولتين في فلسطين
(عربية ويهودية) والتنازل عن كامل التراب الوطني الفلسطيني ومبادئ
الميثاق الوطني الذي سيصبح بالياً ومن مخلفات التاريخ بعد سنوات.
أما (المادة 15) من البرنامج السياسي المرحلي لتلك الدورة فنصت على: "حق
منظمة التحرير الفلسطينية في الاشتراك بشكل مستقل ومتكافئ في جميع
المؤتمرات والمحافل والمساعي الدولية المعنية بقضية فلسطين والصراع
العربي-الصهيوني بغرض تحقيق حقوقنا الوطنية الثابتة، وهي الحقوق التي
أقرتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة منذ عام 1974، ولاسيما رقم 3236،
مع التشديد على أن أية تسوية أو اتفاق يمس حقوق الجماهير الفلسطينية، وفي
غيابه، باطلة من أساسها".
لاحظ العبارة الأخيرة "مع التشديد على أن أية تسوية أو اتفاق يمس حقوق
الجماهير الفلسطينية، وفي غيابه، باطلة من أساسها" في غياب "منظمة
التحرير" باطلة ولكن في حضورها ليس مهماً أن يمس الاتفاق حقوق الجماهير
الفلسطينية، وهذا ما حدث في "مفاوضات مؤتمر مدريد 1991" الذي كان يعطي
للجماهير الفلسطينية أكثر مما حصلت عليه في "اتفاق أوسلو" بكثير جداً،
ولكن مدريد رُفضت لأن منظمة التحرير فيها ليست ممثلة رسمياً، أما اتفاق
أوسلو فالطرف الرئيسي فيه أمام العدو الصهيوني هو منظمة التحري!.
كما أنه من الشعارات التي تبناها المجلس في دورته تلك شعار: "البندقية
المسيسة صانعة الانتصارات"! والذي حدث ليس تسييس البندقية ولا تثقيف
وتوعية المقاتل لصناعة الانتصارات ولكن تجهيل المقاتل وتسييس القضية
لتمرير الحلول التي كانت القيادة الفلسطينية تصنع خطواتها وليس
انتصاراتها نحوها بدقة وتم تمرير أخطر مشاريع الاستسلام والتنازل عن
الحقوق في ظله. علماً أن أبو أياد كان يعتبر: أن توقيع أي (تفاق سلام) في
ظل اختلال موازين القوى ليس له سوى معنى واحد: الاستسلام! وهكذا انهزمت
البندقية وانتصر الشعار!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.