عصام رفعت هل كان هدف الثورة التي بدأها طليعة الشباب مجرد تعديل بعض مواد الدستور بشأن مدة بقاء الرئيس في السلطة وما سوف يتبع ذلك من انتخابات برلمانية ورئاسية؟. هل انتهت الثورة إلي مجرد رموز ثلاثة في تاريخ مصر هي25 يناير و11 فبراير و19 مارس؟. هل يقتصر تعامل الثورة علي مجرد بعض جوانب الإصلاح السياسي؟ هل لا تدخل إلي نفق الإصلاح الاقتصادي بما يمتلئ به من ملفات تنتظر الكثير من العمل والإرادة الثورية؟ هناك العديد من الأسئلة التي تنتظر الثورة في الإصلاح الاقتصادي. فمن غير المعقول ولا المقبول أن تقوم ثورة الشعب والغضب علي أوضاع متردية ثم تبقي الأحوال كما هي دون أن ننبه ونتنبه إلي أهمية أن تنسف الثورة ملفات بغيضة ونبدأ بجدية من أجل بناء مصر الجديدة التي يريدها أبناؤها الذين قاموا بالثورة. فالسؤال ماذا نريد لمصر؟ هل مجرد الحديث عن الديمقراطية وأمواجها وأطيافها التي ظهرت في استفتاء19 مارس وبما تضمنته من إشارات جاءت بها علي الساحة أم نريد إعادة تفكيك وبناء مصر من جديد لتحتل المكانة التي تستحقها بشبابها وسكانها ومواردها. الخطر الذي نواجهه الآن هو بقاء الأمور علي أحوالها دون أن نلتفت إلي الفرصة التاريخية للإصلاح, وأن هذه الأمور المتردية هي التي ضجت بها الجماهير وقامت الثورة من أجل تغييرها وليس مجرد إقصاء الرئيس ولكن إسقاط النظام كله. هنا يجب تغيير أسلوب إدارة الاقتصاد وهذا التحدي هو بدء برامج جادة وحقيقية للإصلاح الاقتصادي تحقق التنمية والعدالة الاجتماعية. متي يخرج الاقتصاد من جلباب النظام القديم؟ لا تزال صورة مجلس الوزراء هي ذات صورة24 يناير التي تتمثل في مجموعة وزارية صغيرة تحتل الصورة, أما الباقي فهم خارج الدائرة وحتي هذه المجموعة الصغيرة فهي تنشط داخل جلباب النظام السابق, ومثلا وزير المالية لا يزال يدير الوزارة بمنطق إدارة وزير النظام السابق دون البحث عن إدارة مالية جديدة تضمن حزمة متكاملة لإدارة موارد الدولة.ووزارة الصناعة والتجارة الخارجية تدار بفكر النظام القديم ولم تقدم آليات ووسائل لنجدة الصناعة وزيادة الطاقة الإنتاجية وأيضا وسائل وآليات لتحقيق توازن في عمليات الاستيراد حتي لا تضر بالإنتاج المحلي ورصيد النقد الأجنبي. ولا تزال وزارة الزراعة مهتمة بإضرابات العمال لتثبيتهم وتفتح الملفات لتستخرج منها توصيات وتوجيهات وقرارات الوزير الاسبق فيما يتعلق مثلا بالتعامل مع المنتجعات الصحراوية علي مدي طريق القاهرةالإسكندرية الصحراوي من الكيلو42 حتي الكيلو48 وتتعامل معها بمنطق عفا الله عما سلف وحناخد بالنا المرة الجاية دون أن تتخذ إجراءات ثورية قوية بوقف هذا التعدي الصارخ علي أراضي مصر واستنزاف المياه الجوفية ومخالفة شروط العقود, ويبدو أن وجود رئيس الوزراء السابق وبعض كبار رجال الأعمال ومحتكري استيراد السلع والمصالح القائمة بينهم في وادي النخيل تمنع وزارة الزراعة من اقتحام هذا الملف الجائر والذي بلغ قمة الجبروت والنهب بتحويل طريق مصر الاسكندرية إلي طريق حر أمام منتجع رئيس الوزراء وآخرين بتكلفة مليارات ومحاولة نقل محطة الرسوم إلي ما بعد ذلك حتي تدخل الأرض في نطاق التخطيط العمراني ونصبح أمام أمر واقع بأنها سكنية وليست استصلاحا زراعيا. ومثلا وزير السياحة يدير نشاطه بنفس الفكر والطاقم القديم وكأن أحمد هو الحاج أحمد. غير أن هناك نوبة صحيان قد حدثت يجب الإشارة إليها, إذ يبدو أن ما اقترحناه سابقا لتحقيق العدالة الاجتماعية من ضرورة فرض ضريبة تصاعدية علي الدخل وإخضاع الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التصرفات العقارية للضرائب كبيع الأراضي والشقق والفيلات قد وجد استجابة حسبما نشرته إحدي الصحف دون ذكر مصدر هذه المعلومات. علي أي حال ها هو البنك المركزي في نوبة صحيان يعلن عن البدء في دراسة تعديل قانون البنوك لمواجهة تضارب المصالح ولكنه لم يمد يده إلي ملف الفساد في القطاع المصرفي والخاص بمديونية بعض رجال الأعمال وتجاوزات بعض البنوك في مجال الإقراض, وتحمل البنوك خسائر هذه القروض والتهريج في عمليات التسوية التي تمت حتي إن جهاز المحاسبات أشار في تقرير له إلي قيام البنوك بعمليات إقراض جديدة لتمويل تسوية سداد قروض بعض العملاء وقد حصل94 عميلا من رجال الأعمال علي أكثر من نصف حجم القروض في البنوك المصرية, وقد تلقي جهاز المحاسبات ردودا من البنوك بشأن مخالفاتها من نوعية جار توفيق الأوضاع وجار دراسة المستندات الخاصة بالموضوع دون الإشارة إلي وضع سياسة مالية وإجراءات محددة وقرارات واضحة تتخذها البنوك لتجنب وقوعها في المخالفات أو حتي تصحيح مخالفاتها. غير أن تلك الإشارة السريعة تقودنا إلي العديد من الملفات التي ينبغي أن تدخل في إرادة وإدارة الثورة منها علي سبيل المثال ملفات سياسة واستراتيجية الزراعة لمواجهة التدهور في الإنتاج والإنتاجية ونقص الإنتاج.. وملف مالية الدولة, وكيفية إدارتها بعدما كسر حجم الدين حاجز التريليون فماذا ننتظر أكثر من ذلك ملف التعليم والتدريب ملف الدور الذي يجب أن يقوم به القطاع الخاص بعيدا عن السياسة والحكم.. دور الحكومة في ظل نظام ديمقراطي واقتصاد حر.. وأيضا ملف الخدمات المتردية في النقل والمواصلات والصحة.. وملف الإصلاح الشامل لفوضي هيكل الأجور.. وملف جرائم أثرياء مصر من نهب للأراضي والبنوك والسمسرة والعمولات.. وكذلك آليات تحقيق العدالة الاجتماعية في الأجور والضرائب بخفض الضرائب وزيادة حجم الاعفاء الضريبي للموظفين, وكذلك الاهتمام, بجودة الحياة والخدمات, وإصلاح نظام الدعم وتمكين الفقراء وتصحيح المظالم وفي مقدمتها المناطق العشوائية ونظام الإيجارات القديمة والأخذ بيد نسبة الفقراء التي بلغت40%. ومن المناسب أن نكرر ما طرحناه من إنشاء صندوق للاستثمار يمكن تسميته صندوق التحرير أو صندوق يناير تتكون أصوله وأمواله من الأموال المنهوبة حين يتم استردادها, ويجب ألا تدخل إلي وزارة المالية ويتم تخصيصها لإنشاء مشروعات أولها مدينة يناير في الأرض الصحراوية ما بين الكيلو42 48 طريق مصر اسكندرية الصحراوي وتخطط كمدينة عمرانية جديدة كبديل لتلك المنتجعات التي أنشأتها بعض الشركات بالمخالفة لشروط التعاقد ودون أن يكون بها أي استصلاح جاد أو زراعة لمحاصيل مثمرة تهدف إلي إنتاج زراعي وتحولت إلي منتجعات بفيلات وحمامات سباحة. إننا ننتظر مكافحة الفساد والانحراف التي يمكن أن ينشأ لها جهاز تصفية الفساد كجهاز قضائي جديد ذي مهمة واضحة لفترة محدودة, وأيضا وضع تصور وخطة جديدة مالية ونقدية وهيكلية للإصلاح الاقتصادي بعد توقفه بخروج الدكتور عاطف صدقي رحمه الله من الوزارة فدخل رأس المال من الشباك ليتحالف مع السلطة ويتضخم ملف الفساد وترفع الستار ليظهر اقتصاد هش, ومع ذلك ليس صعبا إعادته إلي موقع القوة, فالطاقة الكامنة به قائمة ومن الممكن تشغيله فأدوات الإنتاج لم تصب بسوء وما تم نهبه يمكن استعادته وعلينا أن ننشغل باستعادة عافية الاقتصاد.