لأن المثل الشعبي يقول إن الغرض مرض. ولأن المصالح الذاتية لم تزل وربما ستظل هي الغرض. فإن إقحام أمريكا في شأننا الداخلي تارة بدعوتها للتدخل لإقامة الديمقراطية وتارة أخري لحماية الأقباط أو نزاهة الانتخابات إنما يعني أن عملية استمطار التدخل الأمريكي تكون في أغلب الأحيان مصحوبة باستمطار لتمويل سخي بل وأكثر من سخي. ونحن والذين يمتلكون معنا المصلحة الحقيقية في انتخابات حرة ونزيهة وخالية من أي تدخل في إدارة الناخب نتوقف لنسأل عن مغزي هذا الاستمطار المزدوج وإمكانيات استخلاص فائدة منه, أقصد فائدة حقيقية لصالح المجتمع ونزاهة الانتخابات وليست تلك التي تستمطر تمويلا ومصالح ذاتية. نحن جميعا تهطل علينا مخاوف وحقائق لو تأملها أحد لأبعد نفسه عن وصمة اللحاق بالركب الأمريكي الراغب في أن يتقمص ثياب القديسين فإذا به شيطان مارد عندما يحقق بعضا من وجود. ولعل وثائق موقع ويكيلكس تكفي لأن تلبس أمريكا وذويها والذين يغمرهم نعيم تمويلها أكاليل العار الأبدي. ولكن الأمر ليس مجرد ويكيلكس فهناك المزيد والمخيف. فقد صدر أخيرا( عن دار الثقافة الجديدة) كتاب عنوانه لعبة الشيطان كيف ساعدت الولاياتالمتحدة علي إطلاق العنان للأصولية الإسلامية والمؤلف باحث ومفكر أمريكي هو روبرت دريفوس والمترجم أحمد مصطفي حسونة. والكتاب جزء من مشروع متكامل يكمن خلفه عديد من الدراسات المماثلة. أما المشروع فتقوم به مجموعة من المفكرين والمستعربين الأمريكيين الذين تخصصوا في دراسة شئون الشرق والإسلام وجماعات التأسلم السياسي ومصر والقضية الفلسطينية ثم اكتشفوا أن لأمريكا سياسة أخري ومصالح أخري وأهدافا تتعاكس مع الأخلاق والقيم ومع ماهو معلن رسميا فأسموا مجموعتهم وإصداراتهم مشروع الإمبراطورية الأمريكية. ومن بين هذه الإصدارات: الدم والنفط كيف صادرت الرئاسة الامريكية الدستور تكاليف وعواقب الإمبراطورية. وكتاب لعبة الشيطان صدر عام2005 ليكشف النقاب عن الوجه الحقيقي للسياسة الرسمية الأمريكية. وتتلخص فكرة الكتاب في عبارة موجزه لكنها واضحة تماما وردت في مقدمة المؤلف ونقرأ فيها لقد قضت أمريكا عشرات السنين تزرع الإسلاميين وتخادعهم وتتعامل معهم بخبث وبوجهين, تستخدمهم وتسيء استخدامهم كحلفاء لها في الحرب الباردة ليكتشف الجميع فيما بعد أنها ساعدت علي انتشار قوة ما لبثت أن استدارت ضد راعيها بشكل انتقامي. فقد انطلق المتأسلمون والملالي وآيات الله في أرجاء المنطقة ليس فقط ضد أمريكا وإنما أيضا ضد حرية الفكر بل وضد العلم العلماني, وضد الوطنية وضد اليسار وضد حقوق المرأة, بعضهم إرهابي ولكن غالبيتهم يتقدمون كذوي عقول وأفكار وسطية وسريعا ما يكشفون عن أنهم متعصبون ويريدون إعادة عجلة التاريخ الي القرن السابع الميلادي.[ ص15] ويحدد الكاتب نقطة البدء, فالولاياتالمتحدة كانت تكره بشدة القادة الوطنيين الذين يعادون سياستها إزاء بلادهم واعتبرت أن الأفكار والأيديولوجيات التي يؤمن بها هؤلاء القادة مثل النزعة الوطنية والإنسانية والعلمانية والاشتراكية هي الخطر الأكبر. وكانت هذه الأفكار هي نفسها ما تخاف منه قوي الإسلام السياسي. وهكذا وعلي نطاق المنطقة كلها خاضت قوي الإسلام السياسي اليمينية مستندة الي أمريكا معارك مريرة ضد هذه الأفكار ليس فقط علي المستوي الفكري وإنما عبر الشارع السياسي أيضا. ويتوقف بنا المؤلف ليلخص هذه الحالة قائلا لقد تلاعبت أمريكا ليس بالإسلام ذاته بل بقوي الإسلام السياسي. فعلي عكس العقيدة الإسلامية التي يساندها14 قرنا من التاريخ كانت قوي الإسلام السياسي الحديثة تستند الي عقيدة سياسية تعود جذورها الي القرن الماضي وهي عقيدة جهادية تقوم علي أساس فلسفة يقف معتنقوها أغرابا وبعيدين تماما عن وجهات نظر المسلمين الأوائل. فالإسلام السياسي ليس سوي مراجعة للعقيدة الدينية وعملية انقلابية ضد أسس العقيدة الإسلامية. وقد شجعت أمريكا ودعمت ونظمت ومولت أصحاب هذه الإيديولوجية التي تجلت بأشكال مختلفة ثم عادت فتبلورت في إطار مواقف معادية لأمريكا صاحبة الفضل عليهم مثل آية الله الخميني والإخوان المسلمين وحماس وحزب الله وطالبان. ويؤكد المؤلف أن أمريكا ظلت علي الدوام تحاول استخدام الإسلام السياسي كسند يمكنها من دعم وجودها في المنطقة. ولم تستوعب درس أنها أنفقت مليارات الدولارات لمساندة المجاهدين الأفغان والذين كانت تحركهم جماعات موالية للإخوان المسلمين. ولم تعترض علي المساندة السخية التي قدمها الأردن الي الإخوان المسلمين ولا علي المساهمة التي قدمتها إسرائيل في نشر حركات الإسلام السياسي في الأرض الفلسطينية المحتلة بما أدي الي قيام حركة حماس. ثم يقدم الكاتب دعما تحليليا معمقا لما كشفت عنه وثائق ويكيلكس مؤكدا أن أمريكا قد دعمت وبشدة الإسلاميين الشيعة في العراق بدءا من آية الله السيستاني الي الأحزاب الشيعية الأصولية التي تستمتع أيضا بالدعم الإيراني بما يكشف الوجه الحقيقي لأمريكا. ثم ننقل نصا وفي مصر شكل الإخوان المسلمون والحركات السياسية العنيفة التي خرجت من عباءتها تهديدا خطيرا للنظام في مصر إلا أن أمريكا تظل تتخذ من دعم الإخوان لعبة تتلاعب بها. ومن ويكيلكس الي لعبة الشيطان وهي جميعا أتت علي أيد أمريكية يتكشف الوجه الأمريكي الفعلي الذي يستمطر البعض عندنا إنعاماته بدعوي استجداء دعمه للديمقراطية.. فأية ديمقراطية هذه؟ واستأذن القاريء في قول عربي قديم ليتها ما زنت ولاتصدقت.