النصّابون أنواع، نصَّاب يسرق منك جنيها ونصاب يسرق منك عمرك أو روحك، وهم أيضاً درجات وأشكال، موزعون على كل فئات المجتمع وطبقاته من نصّاب سوق المواشى والحمير إلى النصاب السياسى الذى يخدع الجماهير فى رحلة تسلقه للقفز على الكراسى والمناصب، أو رجل الأعمال اللص صاحب الصورة الكاريكاتورية الشهيرة لهذا الشخص المنتفخ الذى يرتدى «بدلة» شديدة الأناقة ويغطى عينيه بنظارة سوداء عريضة من ماركة شهيرة، ويضع فى فمه سيجارا ضخما ويركب سيارة طولها سبعة أمتار وكلها من أدوات أو «راكور» النصب فى دنيا المال والأعمال، أضيف لها مع التطور المناسب للعصر بعض المستحدثات فى التقنية والأسلوب، لكن بقيت صفات وأساليب النصابين الأساسية واحدة، وكذلك الهدف الذى لا يخرج عن استخدام التضليل والخداع والمراوغة للحصول دون وجه حق على ما فى يد الآخرين بعد استثارة دوافعهم للفوز أو الربح أو الاحتياج وهى دوافع ثلاثة تجتاح المصريين الآن كالحمى فى سعيهم لكسب المال بكل وأى وسيلة. وعلى هذا الوتر يعزف النصابون الذين زادوا هذه الأيام وطوروا من أساليبهم بشكل غير مسبوق واستخدموا كل أدوات التكنولوجيا الحديثة لسلب ممتلكات ضحاياهم، ومنهم هذا الشاب الجامعى عبدالله الذى حكى لى منذ أيام أنه تلقى على تليفونه المحمول رسالة قليلة عدد الكلمات كثيرة الأرقام والمبالغ المالية :« مبروك فزت بصك رقم.... وقدره «35» ألف دولار اتصل بالرقم.. وسارع الشاب المذهول من الفرحة بالاتصال برقم التليفون الموجود فى الرسالة ليعرف تفاصيل أكثر عن جائزته وطريقة الحصول على المبلغ الذى سوف يغيّر حياته .. اتصل مرة واثنتين وثلاثة ولم يصل إلى شىء محدد أو يضيف إلى رصيده جنيها واحدا لكن تم الخصم من رصيد تليفونه 4 جنيهات عن كل دقيقة اتصال مضروبة فى عدد الدقائق لتذهب الحصيلة إلى شركة الاتصالات وشخص أو جهة مجهولة. ولم يكن المبلغ الذى خسره الشاب كبيراً ولكن صدمته وإحساسه بالاستغفال كانت كذلك فصك الجائزة الذى بشرته به الرسالة ماهو إلا صكاً على «القفا»، والحكاية كلها يمكن أن ندرجها تحت بند حوادث النصب الإلكترونى، وهناك عشرات الحكايات مثلها كأن تصلك رسالة أو يتصل بك شخص مجهول يدعى أنه مهندس اتصالات ويطلب منك - بعد أن يقدم إغراءاته - أن تضغط على أرقام أو رموز معينة فإذا نفّذت طلبه يتيح له هذا الدخول على شريحة تليفونيك (SIM CARD) وسرقة رصيدك. وإذا كان مجال النصب بالتليفون المحمول محدودا فهو أكثر اتساعاً فى عالم الفضاء التخيلى أو الإنترنت وملعبه الأكبر البريد الإلكترونى، وما من أحد لديه على جهاز الكمبيوتر الخاص به هذا النوع من البريد إلا ووصلته من خلاله رسالة تهنئ ثم تخبره بأنه كسب مبلغاً ضخماً من المال عن طريق اليانصيب، أو رسالة تحكى قصة وهمية عن أرملة توفى عنها زوجها المليونير بعد أن ترك لها مبلغاً خرافياً على سبيل الإرث وباقى القصة غالبا أن هذا المبلغ موجود فى بنك كذا وتحتاج صاحبة الرسالة الشابة إلى من يستثمر لها هذه الأموال، فإذا ما وقع شخص فى فخ الفوز بالجائزة (المال والمرأة) وتواصل مع الأرملة الوهمية يكون الطلب التالى ارسل بياناتك ورقم حسابك البنكى وذلك ليتم اختراق الحساب السرى للشخص فى البنوك والاستيلاء على أمواله. وفى وقائع أخرى تطورت هذه الرسائل التى تخصص فيها أبناء دول إفريقية معينة ومنهم من جاء إلى مصر والتقوا الضحايا الذين استجابوا لرسائلهم، وأقنعوهم أن الأموال موجودة فى بنك كذا أو سفارة كذا وقاموا باصطحابهم إلى المكان المحدد وطلبوا منهم الانتظار فى سياراتهم خارج البنك أو السفارة بعد الحصول منهم على مبلغ من المال بحجة تخليص الأوراق ودخلوا مبنى البنك أو السفارة، ولم يخرجوا منه حتى الآن، فالحكاية كلها نصب فى نصب وهى تقريباً نفس الحكاية التى اشترى فيها بلدياتنا "الترماى" والعتبة الخضرة فى مصر أو برج إيفل فى فرنسا مع اختلاف قليل فى التفاصيل كأن يكون الضحية فى الحكاية القديمة يرتدى «جلباباً وعمة وشالا» تم استبدالهما فى الحكاية الجديدة بقميص وبنطلون. وإذا كان البعض منا يرى النصاب شخصاً شديد الذكاء خفيف الدم فعلماء النفس يجمعون النصابين فى نمطين محددين من أنماط الشخصيات فهم إما يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو اضطراب الشخصية النرجسية أو مزيج من هذين النمطين. أما الضحايا فهم إما طماع أو كسول أو ساذج أو غبى أو مستفز أو حتى محتال يسقط ضحية لنصاب أكثر منه قدرة على الاحتيال .. فاللهم نعوذ بك من أن نحتال أو يُحتال علينا.