القصة نشرتها صحف الجمعة الماضى 2/9، اختلف اثنان من المصريين حول أولوية المرور فى أحد شوارع مصر الجديدة، أحدهما كان يقود سيارة ملاكى عادية، أما سيارة الثانية فقد كانت فاخرة مما يقتنيه كبار الأثرياء (بورش)، وتحمل رقم واحد جمرك القاهرة. جاء الشاب قائد السيارة البورش مسرعا وأراد أن يسبق الأول، لكنه لم يتمكن فيما يبدو، فاستطاع أن يصل بمحاذاته وسبه بألفاظ نابية. فحدثت بينهما مشادة تشاتم فيها الاثنان، وكاد الأمر يصل إلى حد الاشتباك بالأيدى لولا زحمة المرور، واحتجاجات أصحاب السيارات الذين عطلهم الشجار وأرادوا أن يواصلوا سيرهم. حينئذ لم يجد صاحب السيارة «البورش» مفرا من مواصلة سيره، بعد أن سجل رقم السيارة الأخرى وتوعد صاحبها بسوء العاقبة. فى اليوم التالى خرج صاحبنا من بيته بعد الظهر قاصدا قضاء مصلحة فى ضاحية «الشروق» القريبة من القاهرة، وفوجئ بالسيارة البورش تقف بالقرب من بيته، وقد جلس فيها الشاب الذى اشتبك معه محاطا بثلاثة آخرين, تتبعوه وأوقفوه، ثم أجبروه على النزول من السيارة وانهالوا عليه بالضرب حتى سقط على الأرض. ثم قاد أحدهم السيارة البورش وصدم سيارته بقوة فأحدث بها تلفيات كثيرة. ودفعوا السيارة نحوه لكى تمر فوقه، لكن الله سلم وتكسرت عظام قدمه فحسب. وبعد ذلك فروا هاربين. شاءت المقادير أن يكون نائب رئيس حى مصر الجديدة مارا فى ذلك الوقت، وشهد الواقعة، فأجرى اتصالا بالإسعاف، وتم نقل الرجل إلى أحد المستشفيات. وعند الكشف عليه تبين وجود كسور فى جميع عظام القدم، وتهتك فى المفصل وجروح فى أنسجة الجلد. وتقرر إجراء جراحة عاجلة له، لتثبيت القدم بمسامير وشرائح، ووضعها داخل الجبس، قبل اتخاذ قرار بشأنها، وما إذا كانت الحالة ستستدعى بترا للقدم أم لا. ولا يزال الرجل تحت العلاج فى المستشفى، فى حين واصلت النيابة تحقيقاتها فى الموضوع، واستمعت إلى أقوال المجنى عليه الذى اتهم الشاب صاحب السيارة البورش بالشروع فى قتله، ومن ثم أصدرت النيابة أمرا بضبط الشاب وإحضاره للاستماع إلى أقواله. إلى هنا والحادث يبدو من نماذج المشاحنات التى تحدث كل يوم والتى يستبد فيها الغضب بالبعض، فيدفعهم إلى ارتكاب صنوف الحماقات والجرائم، إلا أن ثمة ملابسات أخرى جعلت للحادث وضعا خاصا، إذ تبين أن المجنى عليه ضابط سابق فى جهاز أمن الدولة. أما الجانى، الشاب صاحب السيارة البورش، فقد تبين أنه ابن ملياردير كبير له استثمارات من الوزن الثقيل فى مجال الصناعة والفندقة. وهذا الثقل الذى يمثله الأب وفر له نفوذا قويا وكلمة مسموعة فى أوساط النخبة والسلطة المصرية. وكما كان من السهل أن يوفر للابن الشاب سيارة «بورش» (قيمتها نحو مليونى جنيه) فقد كان يسيرا عليه أن يستدل على محل إقامة ضابط أمن الدولة وعنوانه، وأن يكلف من يقوم بمحاولة قتله اطمئنانا على حصانته المالية. كما كان من السهل عليه أن يرتب أمر تسفير الابن إلى مدريد فى إسبانيا، فور ارتكاب الحادث. هذه المعلومات نشرتها الصحف المصرية. لكن ما لم ينشر ان الملياردير الكبير بدأ يستخدم نفوذه للملمة القضية والتلاعب فى أدلتها لتبرئة الابن الهارب، إذ فى حدود معلوماتى فإن إحدى الشخصيات العامة أجرت اتصالا هاتفيا مع أسرة ضابط أمن الدولة المجنى عليه، ومع الطبيب الذى يشرف على علاجه فى المستشفى، لاحتواء الموضوع والتهوين من شأنه. وأن جهودا مماثلة تبذل فى أكثر من اتجاه لمساعدة الابن على الإفلات من العقاب. استوقفتنى القصة من ناحيتين، الأولى تتعلق بما آل إليه نفوذ رجال الأعمال الذين أصبحوا شركاء فى حكم مصر، وكيف أن ثراءهم جعلهم إما فوق القانون، وإما قادرين على التلاعب بالقانون، الثانية أنها ذكرتنى بقصة عبارة الموت التى قتل فيها أكثر من ألف مصرى، ومكِّن صاحبها المليونير من الهرب إلى الخارج، ولعب نفوذه دورا فى التلاعب بأقوال الشهود وتحويل القضية إلى جنحة. كما ذكرتنى ببعض القضايا المشابهة المنظورة حاليا، التى تؤكد صحة المقولة الشهيرة التى أخبرتنا منذ زمن طويل بأنه إذا كان معك قرش فأنت تساوى قرشا، (ما بالك إذا كانت معك ملايين؟) ومفهومها العكسى الذى أثبتته الأيام أنه إذا لم يكن معك قرش فأنت لا مؤاخذة لا تساوى شيئا. وعلى المتضرر أن يضرب رأسه فى أقرب حائط، حتى إذا كان ضابطا فى أمن الدولة.