*** العمالة المؤقتة لعبة شيطانية.. وعفريت سياسي لم يستطع مدمنو اللعب به في كل زمان ومكان ومع كل انتخابات وحركات للغضب من هنا وهناك أن يصرفوه حتي تضخم وتطاول وتحول إلي خطر مدمر.. وثبت بما لا يدع مجالا لشك لكل ذي عقل أو عينين ان اتباع سياسة النعامة أي دفن الرءوس في الرمال - لم تعد تجد نفعا.. بل تأكد أيضا أن الرءوس المدفونة قد أينعت وحان قطافها.. ولا أدري حتي الآن من هو ذلك العبقري اللعين الذي صك هذا المصطلح البائس التعيس.. والذي قلب حياة معظم الناس وحولها دون أن يدروا إلي خانة وقائمة المؤقت.. فتعودوا علي أن كل شيء في حياتهم مؤقت.. المأكل والمشرب والمسكن.. حتي الزوجة والأولاد.. ليس هناك شيء ثابت ولا يمكن التعامل معه وفق قواعد واضحة ومحددة من قانون أو عرف حتي ولو كان منسوبا إلي الغابة.. وبالتالي فكل شيء يسمعه فهو مؤقت كل عمل يطلب منه ينفذه علي أنه مؤقت حتي الالتزام صار مؤقتا لحين صدور أوامر وتعليمات أخري.. وقد صاحب ذلك ترسيخ قواعد أخري غريبة وتدعيم أخري عجيبة أهمها وأبرزها أن كل شيء وأي شيء ممكن ولا يقف أمامه أي عائق لا قانوني ولا شرعي ولا حتي عرفي.. أصبحت الفهلوة أهم مبدأ يمكن اعتماده والركون إليه وهي الحل السحري.. وأصبح الجميع غارقين في الأونطة وشغل الالبانضة حقيقة لا أعرف ماهيتها والثلاث ورقات.. والأفضل هو من يضحك علي الآخر ويلبسه العمة التمام وليس مهما النتيجة.. وإني لأعجب ممن يطالبون الناس باحترام القانون واللجوء إلي الاساليب والطرق العقلية والمنطقية وعدم الخروج علي الذوق العام أو التصرف بطرق ليس فيها شبهة تحضر أو مدنية.. في الوقت الذي تترك فيه تصرخ وتئن وتضج بالشكوي وما من سميع أو مجيب.. بل إننا نبحث الأمر في كل عام ويتجدد الإعلان عن ضرورة وضع حل منصف وعادل وقريب وعاجل.. مع كل أزمة وكل مؤتمر وكل ضغط داخلي أو خارجي وما شابه ذلك.. ولذلك لم تستفزني كثيرا رغم بشاعتها ومأساويتها صور هؤلاء المساكين الذين خلعوا ملابسهم ووقفوا شبه عرايا أمام الأجهزة التنفيذية والتشريعية ليل نهار بالأيام والأسابيع.. فقد وصل بهم الحال إلي نهاية المطاف لم يعد هناك شيء آخر ولو وجدوه وقدروا عليه لفعلوه.. غير عابئين ولا مكترثين.. إذ كيف يمكن أن تصبح مؤقتا لأكثر من خمس أو عشر سنوات تعيش علي الهامش في انتظار ما لا يجيء.. ثم تفاجأ بأنك أصبحت وتوشك أن تكون علي الرصيف بل إن هذا الرصيف غير مسموح لك به لأن هذا ضد القانون وضد القواعد والأصول التي تنظم العملية.. ويالها من مفارقة. أشياء اسمها القانون والقواعد والاصول الآن.. في الوقت الذي تركوهم معلقين بين السماء والأرض لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء.. لا إلي المثبتين ولا إلي المرفوتين.. لا إلي المستقرين ولا إلي المعذبين الخالين خاوي الوفاض.. بعيدا عن عين القانون وتملية القواعد والاصول.. وإني لأعجب من حالة العجز المقيت وعدم القدرة علي التوصل إلي قواعد قانونية واضحة وراسخة تحكم الوظائف في كل مكان.. يحترمها الجميع وتكون حكما ومعيارا وسيفا يحمي الملتزمين ويواجه الخارجين والمارقين ويشعر الجميع بالأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي.. ومما يؤسف له أن الجهات الحكومية دخلت في منافسة مع القطاع الخاص في تحضير عفريت العمالة المؤقتة بل وأجادت اللعبة الشيطانية وتفننت في تعذيب الناس.. وللأسف فإن هذا العدد بعشرات الآلاف من البشر المساكين الذين ينتمون إلي أخطر شريحة عمرية الشباب وما أدراك ما الشباب. ثم بعد ذلك يتحدثون عن الانتماء والولاء والحب والكره والارتباط ويتساءلون لماذا يلقي هؤلاء بأنفسهم في البحر في المجهول.. لماذا يتصارعون علي الهجرة غير الشرعية قبل الشرعية؟؟ ولماذا لا يرتدع المهاجرون من الحوادث المأساوية في عرض البحر وعلي اليابسة وفي سجون أوروبا وغيرها؟؟!! *** رغم الوضع المأساوي والحالة المزرية التي خلقها الوضع المؤقت والفشل حتي الآن في وضع مخرج مناسب وملائم لتسوية أوضاع المؤقتين.. فإن مركز الأرض لحقوق الإنسان فاجأنا بتقرير مهم وخطير أيضا عن العمالة المؤقتة.. ولو صح ما ذهب إليه المركز من تفسيرات وتأويلات حول توجه الحكومة إلي التوسع في الوظائف المؤقتة وتحويل الدائمين إلي مؤقتين فإننا نزيد المشكلة تعقيدا ونسكب الزيت علي النار الملتهبة أصلا.. ولا نساهم بأي حال في دعم الاستقرار الاجتماعي علي أي مستوي من المستويات..!! فقد اتهم المركز وفقا لما هو منشور في جريدة الشروق بعدد الاثنين 14/6/2010 - الحكومة بأنها تخطط من أجل التخلص من نصف مليون موظف مؤقت. وتحويل مليون و100 ألف عامل مؤقت آخر إلي عمال خدمات وحرفيين.. وأكد المركز أنه رصد "توجهات شبه رسمية" تؤكد نية الحكومة التخلص من مليون و100 ألف عامل خدمات ووظائف حرفية منهم سائقون وفنيون وسعاة. وتحويلهم إلي العمل في شركات متخصصة في توفير عمال الخدمات المعاونة. في شكل هيئة عامة لشئون النظافة والخدمات الحرفية. واتهم المركز الحقوقي الحكومة بارتكاب انتهاكات لتغيير أوضاع أكثر من 6 ملايين موظف. وتحويلهم من العمل الدائم. وهي الميزة الوحيدة الباقية لهم من الوظيفة العامة. إلي العمل المؤقت والتوسع في شروط فصل وتشريد الموظفين.. وقال مركز الأرض إن الحكومة تبحث في الوقت الراهن وفي الخفاء قانون الوظيفة العامة. الذي أثار الكثير من الجدل. وأنها تدرس تعديل بعض البنود. وهو ما يعني التخلص من موظفي الحكومة كما حدث مع العاملين في القطاع العام بخصخصة الشركات خلال العشر سنوات الماضية. وقال المركز إن الحكومة ابتكرت صيغا أخري في مشروع القانون لحرمان العاملين والموظفين من العمل بشكل متواصل. فتؤكد بعض النصوص أنه من حق العاملين المؤقتين التثبيت بعد 3 سنوات من العمل بشكل مؤقت. ووفقا لمشروع القانون. فإن العقد يفسخ كل 58 يوما. وبالتالي تستطيع الحكومة التخلص من ملايين العاملين المؤقتين بتحرير عقود عمل جديدة يفصل بينها يوم أو يومان. وأشار المركز إلي أن قطاعات التشييد والبناء والزراعة والري والتعليم هي أبرز القطاعات التي تشهد انتهاكات لحقوق العمال المؤقتين في الأجر العادل والأمان الوظيفي والتأمين الاجتماعي والصحي. وطالب بالحفاظ علي حقوق العمال المؤقتين في القطاع العام والخاص والجهات الحكومية. بتحرير عقود عمل دائمة لهم والتأمين الصحي والاجتماعي عليهم من تاريخ بداية عملهم لأن تلك الحقوق منصوص عليها في الدستور والمواثيق الدولية واتفاقيات منظمة العمل باعتبارها حقوقا عمالية أصيلة وليست منحة من الحكومة.. وهذا كلام خطير يحتاج إلي بيان وتوضيح وليس إلي صمت وإهمال ودفن الرءوس في الرمال.. واذكر هنا بتصريح مر عليه الآن أكثر من عام - نشر في يونيو الماضي للدكتور أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية - أعلن فيه أنه يتم حاليا إعداد دراسة مدققة بشأن أوضاع العمالة المؤقتة "المتعاقدين" بالجهاز الإداري للدولة. مؤكدا أن الحكومة لن تتخلي عن أي فرد من هذه العمالة. وأوضح درويش في لقاء مع الصحفيين أن الدراسة ستكون بمثابة خريطة توضح أوضاع هذه العمالة. مضيفا أنها دخلت إلي الجهاز الإداري دون إعلان أو مفاضلة.. أشار إلي أن قواعد العمل بالحكومة لم تطبق علي هذه العمالة لأنها لم ترد في مقدمة الإعلان بالصحف عن شغل هذه الوظائف. ولفت درويش إلي أن هذه العمالة يجب أن تتمتع بكافة الخدمات التي تحصل عليها العمالة المعينة في الخدمات "مثل ركوب أتوبيس المصلحة الحكومية". وقال: إنه تمت مخاطبة عدة جهات حكومية في هذا الصدد للتأكيد علي عدم التفرقة بين العاملين في مثل هذه الخدمات بالطبع. ** إذا كان هؤلاء المؤقتون هم الوقود الحيوي للاحتجاجات والمظاهرات وللحركات إياها فلا يجب أن نتعامل معها بالمنطق إياه - عدم الاكتراث واللامبالاة - وأن مرور الوقت كفيل بتمويت كل شيء. اخرجوا هؤلاء وغيرهم من حالة المؤقت.. احترموا آدميتهم وإنسانيتهم وأنهم اناس عليهم حقوق والتزامات.. احترموهم ثم طالبوهم بالاحترام واسألوهم عن العطاء والولاء وكل شيء آخر..!!