رحلة الحياة .. رحلة مليئة بالمفاجأت والأهات ..بالإرتفاعات والإنتكاسات .. بالإنتصارات والإنكسارات .. باللذات والعقوبات .. تناقضاتها تجمعنا .. تؤرقنا .. تنهك قوانا .. تفرحنا تارة وتحزننا تارة أخرى .. لكل منا ليل طويل يسكن فؤاده .. ونهار قصير يسكن في بيداء روحه ..فمتى ..متى سيحدث الإعتدال الربيعي ليتساوى الليل والنهار في صحراء حياتنا المقفرة من الأفراح ؟... حتى ونحن في لحظات قصيرة نسرقها عنوة من الزمن لأجل الفرح ..تجد هناك من يقول لك : "الله يعطينا خير هذا الضحك " !! وكأنك قد ارتكبت إثماً عظيما إن منحت نفسك قيلولة الفرح في فترة ما بعد الظهيرة.. كل يوم تشرق فيه الشمس ..تشرق معها الحياة من جديد ..فيتجدد معها الأمل ..ويلوح طيف من السعادة مع أول شعاع شمس يخترق ليل عيوننا .. فترى الجمال يطوف بك عبر إبداعات الخالق في كونه ..إبتداء بأريج رائحة الأزهار ..وتغريد صوت الكنار ..ونسمات الهواء المُثار.. ولكن من منا يلتفت لهذا الجمال مع كل همسة صباح و مساء ؟ كيف لقلب غلّفه الظلام من أن يلمح بريق الشمس ؟ وكيف لفكر غاب عنه الرشد من أن يستشعر جمال نجمة الصباح في أفق السماء؟ .. يقول غوته : " قل للحظة العابرة تمهلي قليلاً...فما أجملك !" .. أين هو جمال الروح وجمال المكنون الداخلي للإنسان.. كم عدد أولئك الأشخاص الذين تضحك قلوبهم قبل أن تضحك شفاههم .. ويبتسم فؤادهم قبل أن يبتسم محياهم وينتشر أريج الرضا في رياض عيونهم ؟ ..غابت عنا روح الحياة ففقدنا معها انسانيتنا واستبدلناها بمادية قاتلة علّمت الصغار كيف يسيروا كالطاغوت كالجراد ..ليمحقوا الخير .. ويأكلوا الثمار .. ويغتصبوا الجمال ..ويوأدوا صفاء الليالي والأيام.. دار حديث ذات يوم بين شخصين ..فقال الأول للأخر بعد جدال طويل : " أنت تهرب من الحياة " ..فقال الأخر: " بل أنا أهرب إلى الحياة" ... كلمات تردد صداها في ذهني لوقت طويل ..استوقفت كثيراً أمام هذه الكلمة الأخيرة "الهروب إلى الحياة" ...كيف يهرب المرء إلى الحياة ؟ ما الذي يدفعنا للإستمرار والنضال في سبيل الحياة؟ ..كيف نتعلم الصبر والصمود أمام بوابات الفشل والإنهزامات المتكررة التي تعترض مسار حياتنا وتجعلنا نصطدم دوماً بجدار عدم الإتزان ؟ .. كيف يستطيع من أنهكته الحروب الداخلية والخارجية من النهوض مجدداً والإنخراط في معترك الحياة؟ .. ما الذي يبعثه الأمل والدفء في نفوس انكسر لديها بريق نصل الإيمان بالذات ؟.. كيف نؤمن بأننا الأقوى وبأننا الأكثر ثباتاً بعد سلسلة من خيبات الامل المتلاحقة بسبب من هم حولنا ؟..هل حقاً يستطيع المكسور الخاطر أن يحقق نصرا يعيد البعث إلى قلوب أصبحت مدناً للأحزان ؟.. هذا الحزن الذي يراه البعض طهارة للروح ..وهل الطهارة لا تُطرق أبوابها إلا إذا كان الحزن شاهراً سيفه علينا !.. لما لا تكون السعادة هي السبيل لطهارة الروح .. لماذا كل هذه السوداوية في الأفكار؟ ..أليس لكل شيء غذاء ؟ ..فهل الروح لا تتغذى إلا إذا كانت حزينة ومنهكة ..وهل العاطفة لا تتوهج إلا إذا كانت تعيسة ومتألمة .. وهل العقل لا يتجلى إبداعه إلا إذا عاش منفرداً ومنعزلاً.. وهل الجسد لا يستقيم حاله إلا إذا تناول العقاقير والأدوية المستدامة ..وهل الحب لا يشتعل إلا إذا ازدادت عذاباته!!! ... أين يكمن الخلل ؟.. أهو مغروس في ثنايا قلوبنا أم أن ظلام العالم يغمر كياننا .. ما نطلبه أشياء بسيطة .. ليست الثروة ولا السلطة ضالتنا .. ولكنه العيش الكريم وروح المحبة هي عنواننا .. أنظرُ إلى الأنام فأرى عجباً .. وأقرأ في دفاتر الأيام فأقرأ وجلاً .. تعبت أيها الإنسان وقادك الزمان نحو الضنك والسهاد والأرق .. وضللت طريقك ووقفت الثواني بك أمام سراب الأمل .. أما آن للطير أن يصل إلى بر الأمان ويملأ من بيادر الحنطة ذهب الأكوان.. لطالما كنت أؤمن أنه من رحم الظلام يولد النور .. ومن ضنك الشتاء يأتي الربيع ..ومن ذل الهزيمة يتحقق الإنتصار ..ومن فقر المكان يبزغ فجر العظماء .. هذا ما تعلمته من رحلة الحياة ..ولكن كيف لنا أن نجد ينبوع الشفاء وترياق الحياة في خضم عواصف الأيام ؟..نحتاج لجبال قوية البنيان ..ولقلاع شديدة الصلبان ..ولأسوار تضاهي جودة الإتقان ..نحتاج لفجر جديد ..وحلم عتيد ..ومنطق حميد .. ومنهج فريد...قد قالها حكيم ذات يوم حينما سأله احدهم كيف وكيف وكيف ؟ ..فقال له كلمة بسيطة لو سمعها مجنون لاستيقظ من سباته .."اقلب كيف تجدها فيك ..وابدأ بتغيير نفسك ليتغير الكون من حولك" ..بك أنت أيها الإنسان ومنك أنت يتحقق الحلم والأمل وتصل الى شاطئ السكينة والأمان.