إن للصوم أهداف حيوية، وغايات عملية. ترتبط كلها أيما أرتباط بخواطر الوجدان والشعور وجوانب الأخلاق والشعور . وتدور جميعها فى هذا المنهج الربانى، لبناء النفس, وتكوين معالمها، وأعداد مقاوماتها، وصقل أمرها .لتنهض بأمانة الدين وأمانة الدنيا . والتقوى بطبيعة الحال أول هذه الأهداف وأوسعها دائرة. وأكثرها حجما، وأجزلها عطاء .وأبرها بأمور الدنيا, وأوفاها بشئون الأخرة . وتقوى الله فى مدلولها العام، ومفهومها الشامل. ترجع إلى أتقاء الأنسان، كل ما يضره فى نفسه، وفى أسرته وفى مجتمعه، وما يحول بينه وبين المقاصد الإنسانية والكمال الممكن. اشرعها الله فى رسالة الإسلام أمرا ونهيا. وسيلة للكمال النفسى، والكمال الخلقى. والكمال الفكرى، والكمال السلوكى. إن التقوى هى العاصم الذى ينبثق من خلال الصوم، وتنفجر ينابيعه، وتتعدد معطياته فى الشمول، وعمق بحيث يضع النفس، والجوارح فى مواجة حقيقية، وأكيد أمام تبعاتها المسئولة، وفى إطارها العام . وإن للصوم كسائر العبادات فى الإسلام، غيات تشريعية، أشارت إليها الآيات القرآنية فى قوله تعالى فى سورة البقرة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) إن الإسلام لا يدعونا إلى التقوى، ولا يحضنا عليها، إلا وهو يواجهنا إلى بواعثها ويقودنا إلى روافدها، ويبصرنا بمواقع استلهامها، ومواطن الحاجة إليها، والعمل بها كخصلة جامعة، وتمسك لبنات المجتمع، وتشيد بنيانه، وتوثق عراه، وتحيله إلى خلايا إيجابية حية، ومتعاونة. وتجعل الإنسان لا يقصر على نجدة، ولا يضيق بمروءة، زلا يتبرم بهتاف، ولا يطمع فى حق ليس له، ولا يفرط فى واجب، إنما يعيش فى أمتهتقيا خالصا صافيا . فالإسلام الحنيف يدعونا فى صيام شهر رمضان. أن نمنح التقوى حقها الواجب، وقدرها المستطاع، ومن الطاقات، والقدرات, فى النفوس، والضمائر، وفى شتى صور التعامل وأنماط الحياة . ومن شأننا ان نسارع إلى التقوى، ونستبقها، وجعلها زادنا إلى الله، وعدتنا فى طريقه. نستلهم منا يقظة الحس, وحيوية النفس، وصحوة الضمير، وأستواء الخلق، وأستقامة السلوك . إن تقوى الله، تبارك وتعالى، حين يحضنا الإسلام عليها، ويدعونا إليها، تدعوا إلى الوقاية الذاتية، والمتابعة الأمينة، والمحاسبة الدائبة، والمراجعة الدقيقة، لكل ما يصدر على الإنسان . وإذا كانت التقوى هى الغاية التشريعية، التى أشارة إليها الآية الكريمة، فى قوله تعالى ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ). وإذا كانت "التقوى" هى حالة تتكون فى النفس، نتيجة للإيمان بالله .فما دور الصوم فى إيجاد هذه الحالة ؟ إن الصوم هو المعاناة العملية، لتوطين النفس ورياضتها، على تربية النزعة الإيمانية فى الفرد والمجتمع. ويتحقق ذلك من خلال مظهرين : المظهر الأول: مظهر الرياضة على الصبر، والخشونة فى مواجهة الحياة المظهر الثانى: مظهر المراجعة العامة، وكشف الحساب مع النفس، فى دورة تدريبية أمدها شهر رمضان. يتجه الإنسان المسلم فى هذه الدورة إلى الله تعالى، طالبا العون على مواجهة التحديات، ويتكاشف فيها الأنسان مع نفسه، محاسبا لها قبل أن تحاسب، ثم يعود إلى ربه تائبا منيبا. فإذا الضمير يقظ وحى، والنفس صافية، والوجدان دقيق، ورقيق, والشعور حساس ومرهف، والصدر سليم، ونقى، والقلب طهور، وكي, والخلق السوي, والسلوك رضى والمجتمع كله فى قصد وأستقامة، وسلام وألفة، وحب وإيثار، ومشاركة وجدانية رفيعة، إنها جميعا إشرقات الصوم، يصل مداها إلى كل بعد، ويتغلغل أثرها إلى كل عمل . وإيمان المسلم بالله سبحانه وتعالى أنه معه، يعلم السر منه والعلانية يمثل رقابة ذاتية عملية، لا يحتاج الإنسان معها إلى رقابة المخلوقين ..والصائم بسلوكه تتربى عنده موهبة المراقبة الله تعالى، حيث يخلو بالمفطرات ولا رقيب عليه إلى الله تعالى. قال تعالى فى سورة الحديد ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) والمعية هنا حقيقة هائلة، حين يتمثلها القلب، حقيقة مذهلة من الجانب، ومؤنسة من جانب آخر.. مذهلة بروعة الجلال، مؤنسة بظلال القربى ..وهى كفيلة وحدها حين يحسها القلب البشرى على حقيقتها : ان ترفعه وتطهره، وتدعه مشغولا بها عن كل أعراض الأرض. كما تدعه فى حذر دائم مع الحياة والتحرج من كل دنس، ومن كل إسفاف.