نجحت دول عدم الانحياز بزعامة مصر خلال الشهر الماضي في استصدار تعهد رسمي من الدول الخمس الكبري في مجلس الأمن بالتنفيذ الكامل لقرار إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي والصادر عند التمديد الأخير لاتفاقية حظر الانتشار النووي. بمعني انه بات يمكن. وعندما يحين الوقت وتسنح الظروف. وللمرة الأولي علي صعيد المجتمع الدولي. مساءلة إسرائيل عن ترسانة أسلحتها النووية وإخضاعها لأحكام اتفاقية منع الانتشار النووي وتفتيش منشآتها النووية بمعرفة وكالة الطاقة الذرية. وذلك بعد سنوات طويلة من انتهاج الغرب كله وعلي رأسه الولاياتالمتحدة سياسة ازدواجية المعايير في المعاملة النووية. فقد استخدمت إسرائيل منذ إنشائها مبدأ الغموض النووي الذي مكنها من امتلاك رؤوس نووية قدرها البعض ما بين 200 300 رأس نووي. مع امتلاكها لوسائل ارسالها لأهدافها بما فيها صواريخ بولاريس التي تنطلق من غواصاتها النووية. وذلك من أجل ممارسة التفوق الاقليمي علي كل جيرانها في شتي المجالات العسكرية حتي التقليدي منها. بدعوي ردعهم عن مهاجمتها. رغم ذلك لم يمنع كل ذلك مصر عن شن حرب 1973 لاستعادة أرضها التي احتلتها. كذا حرب المقاومة بجنوب لبنان والتي أجبرت إسرائيل علي الانسحاب منه. ثم رد عدوان عام 2006 علي الجنوب بكل عنف ورد عدوانها بعد ذلك علي قطاع غزة عام .2008 وقد دافع الغرب عن سياسة منع اثارة ملف إسرائيل النووي طوال السنوات الماضية بدعوي ردع جيرانها عن إبادتها وازالتها من الوجود. كما كانوا يعلنون من قبل. وذلك اعتمادا علي أن نظام الحكم في إسرائيل نظام ديمقراطي ليبرالي حديث شبيه بدول الغرب. والتي لا تسمح آلية اتخاذ القرار فيها باستخدام السلاح النووي بشكل عشوائي كما هو الحال في الدول الأوتوقراطية والديكتاتورية. وهو ما ادعاه من يطلق عليهم المحافظون الجدد في أمريكا ونفذوه صراحة بعد توليهم الحكم عام 2000 واستمروا عليه حتي انهزامهم أمام باراك أوباما نهاية .2008 والتاريخ يثبت زيف تلك الحجج. فالمجازر البشعة التي ارتكبتها إسرائيل حيال جيرانها وخاصة الشعب الفلسطيني. والتي فضح جزء منها تقرير جولدستون الشهير عند عدوانها الأخير علي قطاع غزة. بأسلحتها التقليدية. وهو مما يؤكد ان قادتها علي رغم الادعاء بأنهم تولوا القيادة بأساليب ديمقراطية لا يتورع عن استخدام السلاح النووي إذا ضاقت بهم السبل. فهل بدأ الغرب يكتشف ذلك فعلا وليس في المواقف الإعلامية فقط حتي تعهدت الدول الخمس بالأمس اخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي؟. المؤكد ان ذلك تم من الولاياتالمتحدة والغرب وهم في سبيلهم للتصدي لبرنامج إيران النووي. فتقدم طهران في امتلاك التكنولوجيا النووية. كان حافزاً للدول الكبري وهي في سبيلها لمنعها من ذلك. باتخاذ موقف يحظي بتأييد إن لم يكن دعم الدول العربية والإسلامية. قد يمهد لمساءلة إسرائيل عن برنامجها النووي. وهو موقف أحسنت الدول العربية استغلاله بثباتها علي موقفها المنادي بطرح مسألة امتلاك إسرائيل الأسلحة النووية دولياً بالتعاون مع مجموعة دول عدم الانحياز. وقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" منذ أيام أن الولاياتالمتحدة تجري مفاوضات مع مصر حول اقتراح يقضي بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وهو الهدف الذي طالما سعت القاهرة إلي بلوغه. وفي حال استمر نتنياهو في إعاقة سبيل السلام فلن تلتزم إدارة أوباما الصمت بعد الآن حول ترسانة إسرائيل النووية. بل ستنضم إلي المجتمع الدولي في ممارسة الضغوط عليها حتي توقع علي معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وتسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمعاينة منشآتها. وبذلك يعتمد أوباما سياسة العصا والجزرة مع إسرائيل. ولا يمكن اغفال انه مما ساعد أيضا علي الوصول لتلك النتيجة التحولات الإيجابية التي ألمت بالرأي العام الدولي ازاء معرفته بحجم وفظاعة جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والتي دارت علي مدي سنوات إنشاء إسرائيل وما قبلها. التي لا تقاس بأي جرائم أخري. يضاف إلي ذلك إعلان أوباما عقيدته النووية قبل شهر والقائمة علي عدم اللجوء إلي السلاح النووي إلا في حالة الضرورة القصوي والتي تستثني الدول غير الموقعة علي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية. ومنها إسرائيل بالطبع. فإنه يطرح علي الطاولة مسألة توقيعها علي المعاهدة. مع ما يعنيه ذلك من تفتيش دولي وإنهاء سياسة الغموض النووي التي سايرها فيها الغرب بطريقة فاضحة. لذا فإنه علي العرب جميعا. وأيضا الدول الإسلامية. استغلال هذا التحول الكبير في سياسة الكبار الدولية باستمرار الثبات علي الموقف وعدم التخاذل عنه لأي سبب أو وعد كان. وممارسة دورها علي الساحة الدولية في جعل هذا القرار ورقة ضغط دائمة علي إسرائيل وجعله حقيقة قابلة للتنفيذ للتخلي عن ترسانتها وبرنامجها النووي العسكري. وأيضا للإفادة منها من أجل التسوية لمصلحة حقوق الفلسطينيين.