حظيت النفس الإنسانية بالتكريم الإلهي و التفضيل على جميع خلقه تعالى في الرزق و كونها ملك خالص لله وحده اعزازاً و حماية لها فقال تعالى ( و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) ( الإسراء:70) و كذلك كرمها بإقامة الحدود الرادعة لمن يعتدي عليها جاعلاً هذا الإعتداء كمن يعتدي على الخلق جميعاً بقوله تعالى ( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأمنا قتل الناس جميعاً ) (المائدة:32) ، فكرامة النفس كرامة للإنسانية ليحيا البشر آمنين على أنفسهم و عقولهم و دينهم و نسلهم و مالهم و تلك هي مقاصد الشريعة الإسلامية و التي لا ترضى للإنسان إلا أمناً يكمن بداخله عدلاً و حرية ، فقتل النفس للنفس بغير حق أو قتلها لنفسها بالإنتحار جريمة يهتز لها عرش الرحمن ، و حرمتها عند الله أعظم من حرمة الكعبة كما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( و الذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك ) . فهذا هو الإسلام و شريعته و الذي يهاجم من خصومه الذين لا يعرفونه لتشويه صورته فقد جعل حرمة النفس على قمة منظومة الحرمات الإنسانية لحمايتها و حماية حقوقها ، فكما حرم قتلها قدر أيضاً العقوبة على من يؤذي نفسه أو غيره كمن تناول عمداً ما يفسد عقله بخمر أو مخدر أو جلبه للتجارة ليضر الخلق فغاب وعيه و ضميره و وعي من حوله فزادت الجرائم البشعة ، و هناك من هم أكثر جرماً و فساداً من كل هؤلاء لعنهم الله في الدنيا و الآخرة أولئك الذين يتاجرون في الأعراض و الأعضاء البشرية أو في الغذاء و الدواء الفاسد و آخرين يجندون فكرهم لتقديم ثقافة فاسدة و حجب الثقافة الصحيحة و مصادرها للتضليل و ضياع الطريق من تحت أقدامنا فيطير الجميع في الهواء ضعيفاً كهباءاً منثورا ، فكما قال فيهم عز و جل بفسادهم في الأرض و قتلهم للناس جميعا بهذا الفساد قال فيهم أيضاً ( لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل ) (اللأعراف:179) . فكما اقتضت حكمته تعالى التشديد على إيذاء النفس بأي صورة من الصور فقد فتح أيضاً باباً للتوبة على الدوام لا يغلقه أبدا حتى لا ييأس أحد من رحمة الله إذا غلبته نفسه أو شهواته أو اتفقا عليه مع شيطانه فأسرف على نفسه بظلمها و ظلم من حوله فقال في ذلك عز و جل ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) (الزمر:52) ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا و لا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به و اعف عنا و اغفر لنا و ارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. * داعية إسلامية وعضو المجمع العلمي لبحوث القرآن و السنة [email protected]