المناخ الفكري السليم يؤدي إلى الإبداع في جميع مجالات الحياة ، فالأمة التي ينشط فيها الفكر البناء لا يخشى عليها ، لاتساع أفق فكر أبنائها بعيداً عن التحجر و التعصب الأعمى أو الفراغ و السطحية الفكرية ، فتتفاعل الآراء للوصول لأفضل النتائج لأن الحقيقة ليست احتكاراً لفكر فرد أو طائفة ، و قد تعلمنا في الأزهر أن اختلاف الفقهاء و الأئمة ظاهرة صحية تدل على مرونة الدين الإسلامي و حيوية فكر علمائه . و في ظل الرؤى الفكرية و العلم حقق العرب و المسلمين حضارة لم يحققها غيرهم بمزيج من اختلافات روحية عقائدية تهذيبية و علوم تفوقوا فيها عن غيرهم مصداقاً لقوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ( آل عمران110) . ففي عهد الخليفة المنصور كانت بداية صناعة الورق وواصل الاهتمام بها و طورها ابنه هارون الرشيد الذي اهتم أيضاً بعلم الفلك ، فوُضعت في عهده و عهد ابنه المأمون بعده أسماء للنجوم و الكواكب باللغة العربية لم تتغير لليوم ، كما رسمت أول خريطة صحيحة للأرض و جمعوا المخطوطات و ترجموها و درسوها و كانوا أول من أثبت دوران الأرض ، كما وضع بن الهيثم نظريات و أسس علم الفيزياء التي لا زالت تُدرس و يتعلم منها العالم كله . وفي القرن الثامن الميلادي أُنشئ (بيت الحكمة) و هو يشبه جامعة متخصصة في البحث العلمي فكانت أول جامعة في العالم الإسلامي سنة 830 م بينما كانت أول جامعة أوروبية سنة 1090 م و كانت تُدرس بها الكتب العربية . و في القرن التاسع الميلادي ظهرت ابتكارات جابر بن حيان في الكيمياء ، كما أحدث الخوارزمي ثورة في علم الرياضيات فكان أول من ابتكر علوم الجبر و حساب المثلثات و في القرن الثاني عشر تُرجمت كتبه و غزت العالم ، فصدق فينا قوله تعالى (و آتاكم من كل ما سألتموه و إن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) ( إبراهيم 34 ) . فهذه هي حضارتنا التي بهرت العالم بأسره تاركة لنا تاريخ عربي إسلامي مشرق و تراث حضاري عامر بالكنوز و بعد كل هذا نجد اليوم من يشغل فكره هل أكل الفسيخ حلال أم حرام ؟!! * داعية إسلامية، عضو المجمع العلمي لبحوث القرآن و السنة