كانت من مظاهر أفلام الغرب الأمريكى، التى تحكى قصص تعمير الصحارى والسهول، الإشارة إلى مرور خطوط السكة الحديد فى بعض المناطق، وكيف أن ذلك صنع الغضب من جانب بعض الملاك والمزارعين بقدر ما صنع الحضارة. ومعلوم أن الولاياتالمتحدة حققت حضارتها بالطرق وبالسكة الحديد، وبالخيال وبالعلم والعقول المهاجرة، ومن يزر بعض مناطق أمريكا سوف يرى طريقا يخترق صحراء جرداء، سوف تبنى حوله المندن بعد خمسين عاما، دون أن تبنى حوله العشش أومحال إصلاح الكاوتش والأخيرة أحد أهم مظاهر النمو الاجتماعى والسكانى العشوائى فى مصر.. فلا يوجد طريق يشق صحراء مصرية أو مدينة إلا وسكن جانبية محال إصلاح الكاوتش والسيارات، ثم مقهى لزوم الشيشة والكيف للسائقين، ثم فجأة ترى عربة فول ذات سندوتشات شهية بجوار المقهى، ثم يبنى أصحاب تلك المحال العمارات العشوائية كى يسكنوا بجوار محال إصلاح الكاوتش والسيارات والمقاهى.. هكذا ولدت وتولد عشرات المناطق العشوائية فى الدولة المصرية العصرية. والعشوائية باتت تطول أرقى الأحياء، ومنها حى جاردن سيتى، وحى مصر الجديدة، وحى المعادى والأخير كان رمزا للهدوء، تتخلله الحدائق والأشجار، ويتسم بطابعه الذى لا يتغير وظل على حاله سنوات، قبل أن يقتحمه التجار الجدد، الذين يشترون الفيللات القديمة ويهدمونها لبناء عمارات. ومن يقم بجولة فى المعادى سيرى عشرات الفيللات، التى هدمت أو التى تهدم لتحل محلها عمارات وأبراج، فخسر الحى الهادئ طبيعته شأن عشرات الأحياء المصرية، لأنه لا يوجد قانون يحمى سكان تلك الأحياء. فأنت فى مصر تشترى قطعة أرض أو شقة، وترى على الأوراق أنها بجوار حديقة أو نادٍ ثم تفاجأ بعد الشراء بالحديقة تباع لبناء عمارات، والنادى الذى كان على الأوراق أصبح خيالا، وحل محله غابة خرسانية. وهكذا تغيرت طبيعة الأحياء، ومن أبرز نتائج هذا التغيير فى المعادى مثلا أن الدخول والخروج منها يساوى دخول وخروج جمل من ثقب إبرة.. وأصبح ذلك تعذيبا لسكان الضاحية. هكذا يرفرف علم العشوائية فوق ضواحى ومدن مصرية، عجزت كل القوانين الصادرة عن المحافظة عليها، كما أحاطت العشوائيات بالطرق، فاختنق النمو. وساءت الأحوال لدرجة تثبت غياب الرؤية الثاقبة للمستقبل.. ومن أهم ما يؤكد غياب تلك الرؤية، ما يسمى بالطريق الدائرى، الذى بنى حول القاهرة باعتباره خارجها، فأصبح بعد سنوات قليلة من عمره طريقا يمر داخل العاصمة، ويحيط به من كل جانب الشركات والجامعات والمساكن والعشوائيات، والتجمعات، ويرفرف فوق مداخله ومخارجه علم العشوائية عاليا شامخا فخورا بالتشويه، الذى طال الطريق. فشأن الكثير من مواقع مصرية قامت واتسعت بعيدا عن التخطيط العمرانى أصبح الطريق الدائرى مزدحما، يمر وسط القاهرة، ويعانى من ضغط السيارات وحركة النقل، وتتوقف حركته فى ساعات الذروة، وقد باتت ساعات اليوم كلها فى العاصمة ذروة.. الذاهبون بقدر العائدون. المتوجهون إلى مصر الجديدة فى شرق أو شمال العاصمة بقدر المتوجهين إلى الجيزة و6 أكتوبر فى غرب العاصمة. وعلى الرغم من تحديد السرعة والرقابة المستمرة من جانب المرور للمخالفين لحدود السرعة القصوى وهى 90 كم فى الساعة، على الرغم من ذلك لا تتوقف الحوادث ولا يتوقف سقوط الضحايا، بسبب «طائرات الميكروباص المصرية» وعشوائية السير من جانب سيارات النقل ذات المقطورات، التى تمضى مسرعة مهتزة وملتوية من نصفها، أو تضرب وتركل السيارات الصغيرة بالرمال والحصى والأحجار التى تحملها. فأصبحت قضية كل سائق سيارة صغيرة كسف أخرج من أسفل سيارات النقل وأحمى نفسى من ضربها وركلها؟! صحيح بدأت الحكومة فى إنشاء عدة أنفاق للمشاة فى مواقع مختلفة من الطريق، إلا أن الأمر يحتاج إلى علاج أسرع، خاصة أن كثيرا من الناس يمارسون هم أيضا قمة العشوائية، فيسقطون ضحايا عند عبور الطريق لأنهم لا يحترمون استخدام الإنفاق أو كبارى المشاة، التى تتحول بمرور الزمن، وبفعل العشوائية العامة، إلى مرتع للفاسدين، وموقع لتلقى الفضلات والقمامة.. ويدهشنى أن تلك الكبارى لا يستخدمها أحد، وأن بناء تلك الكبارى التى لايستخدمها أحد لم يتوقف وما زال مستمرا.. وفى جميع الأحوال يحتاج بناء تلك الأنفاق والكبارى وقتا طويلا.. فهل لايوجد أى حل سريع يوقف النزيف على طريق الدائرى؟! الحل هو سرعة تجهيز جميع المواقع المزدحمة على جانبى الطريق الدائرى، التى تعج بالشركات والجامعات والمواقع السكنية بإشارات مرور تحذيرية أولا وتنتهى بإشارات ضوئية تفرض إيقاف الطريق لعبور المشاة، وتكليف قوات مرور بمتابعة تلك النقاط وعقاب كل من يخالف من المشاة بعبور الطريق فى غير النقاط المخصصة للعبور بغرامات فورية.. وسوف يؤدى ذلك إلى بطء حركة الطريق بسبب إشارات المرور والرقابة الصارمة، التى ستفرض عليه.. ذلك لا يهم، لأن حياة الناس أهم ألف مرة.. هذا ما أظنه!