سمعنا كلاماً عن اتجاه الرئيس مبارك لتعيين نائب، أو نائبين على اختلاف الروايات، وترددت أسماء بعضها له خلفية عسكرية، وبعضها الآخر له خلفية مدنية.. كأن الذين أطلقوا هذه البشرى يحاولون إرضاء جميع الأذواق السياسية، ولا يدرى هؤلاء أن هذه الدعوة الآن ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب.. كما أنها ليست بشرى للمصريين، كما يتصور البعض، وكما كان المصريون ينتظرونها منذ سنوات بعيدة.. صحيح أن هذه الدعوة لم تصمد طويلاً.. لكن إثارة هذا الكلام فى هذا التوقيت يضر ولا ينفع، ويجهض مساعى الإصلاح أكثر مما يفيد.. وربما ينطوى على سوء نية مع سبق الإصرار والترصد! وأظن أن تعيين نائب للرئيس، الآن، خطر كبير على عملية الإصلاح.. ربما كان تعيين نائب الرئيس جزءاً من الإصلاح فى وقت من الأوقات، لكنه الآن، على وجه التحديد، يضرب الإصلاح فى مقتل، ويجعل عملية توريث الحكم من داخل النظام حقيقة لا تحتمل القسمة على اثنين.. وليس هذا هو القرار الجمهورى الذى ننتظره من الرئيس مبارك، ليصالح به المصريين سواء بعد أن لمس مشاعرهم الطيبة نحوه أثناء إجراء الجراحة وبعدها، أو وهو على مشارف الاحتفال بعيد ميلاده الثانى والثمانين، فى الرابع من مايو المقبل! ليس هذا هو القرار الجمهورى الذى ننتظره فعلاً.. هناك قرارات أخرى ضرورية جداً، وتستحق التعجيل بها، وهى القرارات الخاصة بتعديل الدستور، وتحديداً المواد 76 و77 و88، فضلاً عن إلغاء الطوارئ، فليس مقبولاً ولا معقولاً أن تجرى الانتخابات التشريعية أو الرئاسية تحت الطوارئ.. وليس معقولاً ولا مقبولاً أن تبقى مصر فى سجن الطوارئ لأبد الآبدين.. وبغير هذه الحزمة من الإجراءات لا يفيد تعيين نائب، ولا يفيد إجراء انتخابات من أى نوع، فقد يكون أحد الحلول المطروحة من جانب قوى الإصلاح مقاطعة الانتخابات، لتصبح بلا شرعية! ولا شك أننا أمام لعبة شد الحبل من جانب النظام وقوى الإصلاح، وكل فريق يحاول التغلب على الآخر.. ففى الوقت الذى تحدث فيه تسريبات بتعيين نائب للرئيس، يطالب الإصلاحيون بزعامة البرادعى بمقاطعة الانتخابات، لإحراج النظام الحاكم، ووضعه أمام مأزق شرعية فى مواجهة المجتمع الدولى، ما لم يتم تعديل الدستور وضمان نزاهة الانتخابات.. وفى تقديرى أن تعيين النائب قد يؤجل فكرة الإصلاح إلى أجل غير مسمى، وقد يجعله الرئيس المقبل دون منازع، حيث تصب كل الأجهزة فى رصيده دون غيره.. ويتبدد الأمل! والبرادعى لا يرى وحده هذا الرأى، بالعكس هناك قوى عديدة تصر على أن الإصلاحات الدستورية لها الأولوية الأولى، على ما عداها، وقد جدد البرادعى موقفه بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، قبل تعديل الدستور والسماح للمستقلين بالترشح دون أى قيود، وأعلن أن عدم تلبية المطالب بالتعديلات الدستورية وضمان نزاهة الانتخابات سيحولها إلى مهزلة.. ولا يمكن أن تقبل هذه القوى المشاركة فى مهزلة جديدة، تؤخر حلم التغيير، فى وقت يرفع فيه البرادعى وأنصاره شعار «خلى الحلم صاحى»! الإصلاحات الدستورية، وليس تعيين نائب يا سيادة الرئيس، هى التى تضع مصر على الطريق الصحيح، لأن تعيين نائب الآن خطر، لا يصح أن تضع مصر فيه، فهو يصادر الحلم من جهة، ويعيدنا لعصر الاستفتاء الرئاسى من جهة أخرى.. كما أنه عقوبة لأننا لم نقبل توريث مبارك الابن، فيكون الجزاء توريث مبارك الصديق، وننفرد من دون العالم بالتوريث.. وليس الانتخابات!