أكد الدكتور عبد الرحمن يسري أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الإسكندرية أن الاقتصاد الإسلامي مازال يواجه هجومًا شرسًا من جهات عديدة ومتفرقة حتى إن البعض ينفيه كلية بحجة أنه إذا قلنا أن هناك اقتصاد إسلامي فهل يعني هذا وجود اقتصاد مسيحي أو يهودي أو حتى بوذي مثلا؟ وكان ردنا علي هذا الاتهام أو الإنكار انه إذا كانت لديهم ثمة شيء مثل هذا ممكنًا فلماذا لم يظهر إلى العيان . أما إذا كان القصد من مثل هذا الهجوم ادعاء ما يسمي بالحيادية العلمية للاقتصاد فلماذا لا نراجع مؤلفات تطور الفكر الاقتصادي لنتيقن من أن علم الاقتصاد الحديث أسهمت فيه مدارس غربية كان دائمًا في أساسه معتمدا علي مجموعة من القيم الأخلاقية وبعض هذه القيم موروث من أديان سابقة أو من أعراف أخلاقية وسلوكيات اجتماعية متوارثة وبعضها مرتبط بالفلسفات التي ادعت أن السعادة الفردية تتحقق بالمادة وحدها. وأوضح في محاضرته عن "الاقتصاد الإسلامي بين منهجية البحث وإمكانية التطبيق" التي نظمها مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أن هناك هجومًا آخر علي الاقتصاد الإسلامي من جانب بعض الاقتصاديين في دولنا الإسلامية ويمكن تقسيم هؤلاء إلى ثلاثة طوائف : طائفة تردِّد بلا وعي مقولة الحيدة العلمية للنظرية الاقتصادية، وقال: للأسف فإن أصحاب هذه الأقوال توقف نموهم الفكري عند الفلسفات الوضعية التي تصورت الإنسان كائنًا اقتصاديًا مجردًا، ولذلك لم يشهدوا التطورات المستمرة في الفكر الاقتصادي، مضيفا: الغريب أن هؤلاء المنكرين يدعون أنهم مسلمون ولكنهم لا يرضون- كما يزعمون- بخلط العلم بالدين. أما الطائفة الثانية فيفتقر العديد من أفرادها إلي الدافع الحقيقي للتعرف علي الاقتصاد الإسلامي وتغلب عليه النزعة التقليدية للتمسك بما هو قائم ومعترف به ومعروف للجميع. أما الطائفة الثالثة فنسمع منهم أنهم اطلعوا على بعض مساهمات في الاقتصاد الاسمي ولكنهم للأسف وجدوها ضعيفة من الناحية العلمية ولا ترقى أن تصنف بجوار المساهمات الاقتصادية الوضعية، وقال: أصحاب هذه الطائفة يتميزون بإيجابية ليست متوافرة لدى غيرهم. وأشار إلي أن هناك فجوة واضحة بين الفكر والتطبيق في مجال الاقتصاد الإسلامي لأن المساهمات الفكرية متعددة ولكن نصيبها في التطبيق ضئيل وهناك بطبيعة الحال عقبات فكرية وسياسية ومؤسسية تقف أمام تطبيق الفكر الاقتصادي الإسلامي في الأقطار الإسلامية لأن هناك من التبعية الفكرية والسياسية للغرب وارتباطات قوية من خلال هياكل الإنتاج والتجارة الخارجية بين الدول الإسلامية والغرب الذي يدين بالليبرالية في إطار العلمانية. وأعرب عن أسفه أن تكون العلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية ضعيفة، مؤكدا أن هذه ليست هي المشكلة الوحيدة بل إن الإنتاج وتطبيق الفكر الاقتصادي الإسلامي يصطدم بعقبات أخري من داخل هذا الفكر نفسه مثل استغراق بعض الأبحاث في نواحٍ أصولية شرعية دون تقديم تحليل اقتصادي للمشكلات ومنها افتراض ظروف إسلامية مثالية لصحة التحليل ومن ثم لا يمكن تطبيق نتائجه إلا إذا تحققت هذه الظروف وبطبيعة الحال فإن قيام التحليل الاقتصادي على أساس ظروف مثالية أمر مطلوب من أجل المستقبل ولكن لا ينبغي أن يصرف أنظارنا عن ضرورة معالجة المشكلات الحاضرة والعثور على حلول إسلامية لها. واستغرب الدكتور عبد الرحمن يسري من تعدد تعريفات الاقتصاد الإسلامي وعدم وجود تعريف واحد متفق عليه ولعل أقربها للحقيقة تعريفه بأنه العلم الذي يبحث في أحسن الطرق للكسب الحلال وتوزيعه وتنميته لتحقيق مصطلح الأمة وزيادة قوتها ..ويتضح منه أن مصادر الكسب الحلال هي جميع الأنشطة الإنتاجية فيما عدا ما حرمه الله ورسوله صلي اله عليه وسلم واو الأنشطة الخدمية المفسدة التي لا تراعي حرمات الله ومن ضرورات الكسب الحلال البعد عن المعاملات الربوية بكافة أشكالها والعدل والرفق بالإجراء المستخدمين وإعطاء كل ذي حق حقه وأضاف: من يتأمل التفرقة بين الكسب الحلال والحرام يجدة التميز بين الاقتصاديات الإسلامية عن الوضعية رغم الاتفاق الآن بين الاقتصادين في مقاومة بعض الظواهر الاقتصادية مثل الممارسات الاحتكارية والغش إلا أنها عندهم قوانين أما عندنا فهي عقيدة وعبادة فضلا عن وجود رقابة ذاتية تجعل المسلم يخاف ربه بصرف النظر عن القوانين. ونبه الدكتور عبد الرحمن إلى خطورة الخلط بين الإسلام والاقتصاد الإسلامي حتى يرى البعض أنهما شيء واحد رغم تأكيدنا المستمر على أن الاقتصاد الإسلامي هو جزء من الإسلام وليس الإسلام كله، كما أن الاقتصاد الإسلامي فيه جوانب عديدة للاجتهاد والاختلاف وذلك في المسائل الفرعية دون أن يؤثر ذلك علي صورة الإسلام الذي يدعو إلي إعمال العقل، ملمحا إلي إمكانية التوصل إلى نظرية متكاملة للاقتصاد الإسلامي دون اشتراط تطبيقه أولا في الدول الإسلامية. ومما يؤكد أن الفكر الاقتصادي الإسلامي ليس جامدًا كما يتهمه البعض فإنه خلال القرون الممتدة من عصر الرسالة والخلفاء الراشدين حتى نهاية عصر الازدهار وبداية الركود في القرن الخامس عشر الميلادي ظهرت اجتهادات فكرية مميزة في مجالات المالية العامة للدولة والأسواق والتسعير والنقود وتقسيم العمل والعمران الاقتصادي والتوزيع ومن أشهر المجتهدين المميزين أبي يوسف وأبي حامد الغزالي وابن تيمية وابن قيم الجوزية والمارودي وأبي عبيد وابن خلدون والمقريزي ووصل حد الإعجاب بها أن بعضها نشر بأكثر من لغة، ومن المؤسف أن بعضها مازال مجهولا بالنسبة للاقتصاديين في عصرنا. وأشار الدكتور يوسف إبراهيم مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر إلي ضرورة العمل الجاد من جانب الباحثين في مجال الاقتصاد الإسلامي بما يكفل تواصل الأجيال من ناحية ووضع نظرية للاقتصاد الإسلامي وتدريس أسسه ومبادئه في مختلف مراحل التعليم وبيان مواطن التميز فيه عن غيره من الاقتصاديات الوضعية وكذلك وضع إستراتيجية للتعاون والتنسيق الفعال بين الباحثين في الاقتصاد الإسلامي.