في مثل هذا الوقت من كل عام يبدأ الروس موسما شهيرا من المواسم التي يحتفلون بها كل عام. وهو موسم عش الغراب. ففي هذا الموسم ينطلق الروس - وتكون الغالبية من الجنس اللطيف - لجمع فطر عش الغراب من الغابات التي تحفل بها بلادهم لاستخدامه في غذائهم ورغم انه بات من الممكن بمنتهي السهولة استنبات هذا الفطر في البيوت وفي مزارع خاصة إلا أن الروس يفضلون عش الغراب الذي ينمو بشكل طبيعي في المزارع باعتبار أن مذاقه يكون أفضل. ولا يمل الروس من ممارسة هذه العادة منذ مئات السنين رغم انهم يفقدون المئات منهم سنويا في جمع عش الغراب. وقليل منهم من يعود ثانية. ويكون السبب هنا هو المساحات الشاسعة للغابات والتي تجعلهم يضلون طريقهم خاصة إذا كانوا صغار السن حديثي الخبرة بالغابات وهناك أسباب أخري عديدة مثل الذئاب والخنازير البرية والحيوانات المفترسة الأخري التي يمكن أن تهاجمهم وفي أحوال عديدة يعود الروس الي بيوتهم بمحصول جيد من عش الغراب وبوجوه وايد وارجل تمتلئ ببثور ناجمة عن لسعات الدبابير التي تعيش عادة قرب مواطن عش الغراب وهذه الدبابير تسبب قرصتها حكة شديدة للمصاب تجبره علي الهرش مهما كان معتادا عليها. وقد يعودون بأمراض أخري بسبب تناول أطعمة برية غير نظيفة أو شرب ماء ملوث. واحيانا ما يحدث بعد العودة أن يكون الشخص قد جمع أنواعا سامة من هذا الفطر دون أن يتنبه بسبب قلة الخبرة أو تشابه الأنواع المختلفة من هذا الفطر التي تزيد عن الالوف. وبالطبع يسقط لها ضحايا وفي اوكرانيا المجاورة والتي تحتفل بموسم عش الغراب علي نطاق أقل كثيرا من روسيا يموت 150 مواطنا كل عام بسبب تلك الأنواع. ولا توجد احصائيات عن ضحاياها في روسيا ورغم محاولات الحكومات الروسية المتوالية اقناع المواطنين بالاقلاع عن تلك العادة حتي منذ العهد الشيوعي فإن محاولاتها لم تحقق اي نجاح. ويقول الخبراء إن هذا أمر طبيعي للغاية ذلك أن عش الغراب أصبح جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الروس.. تماما مثل مشروب الفودكا فهم يعتبرونه أفضل ضمان لتوفير الغذاء لهم في وقت الأزمات والمجاعات.. ويعتبره المتدينون من المسيحيين الارثوذوكس منهم مصدرا طبيا للبروتين في فترات الصيام التي يتعين عليهم فيها الاكتفاء بالأطعمة النباتية. وهناك بعض الاعتقادات الشعبية الشائعة مثل أن زيادة محصول عش الغراب يعد علامة علي حرب قادمة كما أن مشاهدته في الحلم هي علامة علي أمر سيئ سوف يتعرض له الشخص. من هنا فان الحكومة الروسية بدأت تتعامل مع المشكلة بشكل واقعي. فبدلا من دعوة المواطنين الي الاقلاع عن قطف عش الغراب بدأت الحكومة في تقديم بوصلات وخرائط يسترشد بها قاطفو عش الغراب إذا ماضلوا الطريق كما بدأت تقدم لهم برامج للتوجيه يتم تركيبها علي أجهزة التليفون المحمول. ولا يصلح المحمول نفسه لانه لا يعمل في معظم الغابات بسبب مساحاتها الشاسعة وعدم وجود أبراج بها. وهناك دورات تدريبية تنظم لقاطفي الفطر حول أفضل الطرق لجمعه والتمييز بين الأنواع الجيدة والسامة. وكل ذلك يتوافر مجانا أو بمقابل رمزي من خلال جمعيات قاطفي عش الغراب التي تملأ المدن الروسية. العميدة وتعتبر الروسية ايرينا كراركوفا أشهر شخصية في هذا المجال ويطلق عليها البعض لقب عميدة قاطفي عش الغراب. فهي تبلغ من العمر 81 عاماً وتمارس عملية قطف عش الغراب منذ 65 عاماً. وتقول إنها وجدت نفسها منجذبة الي عملية قطف عش الغراب لسبب مهم خاص بها. وهذا السبب هو الاستمتاع بالاشكال الهندسية والفنية الجميلة لهذا الفطر وهي تصر علي المشاركة في هذا الموسم كل عام حتي الآن طالما أنها بصحة جيدة. ويقول البعض إنه يمكن تنظيم عمليات قطف عش الغراب من الغابات بحيث تصبح مجالا واسعا لتوفير فرص العمل إذا تمت علي اساس منتظم وهناك بعض رجال الأعمال الذين بدأوا بالفعل في ذلك حيث يستطيع الواحد منهم من خلال مشروع صغير جمع حتي 200 طن في السنة وتجهيزها وتسويقها.