في دراسة للدكتور أسامة البهنساوي - أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر بعنوان "دور السياسة الزراعية فى مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمي على القطاع الزراعي المصري" تناولت تأثير الأزمة الاقتصادية على القطاعات الاقتصادية المصرية بشكل عام والقطاع الزراعي بشكل خاص. وأوضحت الدراسة أنه رغم التقدم الملموس فى اتجاه زيادة إنتاج المحاصيل الغذائية إلا أن الزيادة السكانية مع محدودية موارد الأرض والمياه، وكذلك الظروف الإنتاجية والتجارية العالمية كلها تعمق من مشكلة العجز فى إنتاج احتياجات السكان من الغذاء، ولفتت الدراسة إلى أن هذا الوضع يتطلب من وزارة الزراعة اليقظة الكاملة حتى لا يتعرض الأمن الغذائى المصرى لاهتزازات خطيرة يصعب مواجهتها، على أن تكون قضية الغذاء فى صدارة الاهتمامات القومية. كما كشفت الدراسة عن أن الأزمة الاقتصادية العالمية كانت لها مردود سيئ علي الاقتصاد المصري رغم نفي الحكومة وجود تأثير للأزمة، ومشيرة إلى أن أهم القطاعات التي تأثرت بالأزمة هى قطاع البورصة حيث هبطت مؤشراتها نتيجة بيع المضاربين الأجانب لأسهمهم لحدوث نقص فى السيولة فى الخارج، وأدى ذلك إلى زيادة المعروض من الأسهم فانخفضت أسعارها، وهبطت البورصة المصرية بنسبة 16.5 %، وساهم ترويج وسائل الإعلام للشائعات إلى توالى الخسائر حتى وصل الانخفاض فى أسعار الأسهم إلى حوالى 27 %. وحسب الدراسة فقد بلغت قيمة الخسائر الدفترية في البورصة المصرية حوالى 315 مليار جنيه لأسهم الشركات المضاربة فى البورصة بنسبة 75% من قيمتها بعد إجازة عيد الفطر المبارك قبل الماضي مباشرة، كما أن هناك 12 شركة مصرية لها إيداعات دولية فى البورصات العالمية تأثرت تأثرًا بالغًا من سقوط البورصات العالمية. وكذلك تأثرت استثمارات الأفراد المصريين بمحافظ الأوراق المالية بالخارج تأثرًا مباشرًا. هذا إلى جانب تراجع نسبة الزيادة فى أعداد السائحين إلى حوالي 15.1% خلال الربع الثالث من عام 2008 مقابل 22.5% في الفترة المماثلة من العام السابق، وواصل المعدل انخفاضة بنسبة11% فى شهر سبتمبر 2008، مما أدى إلى توقع بعض الدراسات بانخفاض الإيرادات السياحية خلال عام 2009 بأكثر من 2 مليار دولار، مما ينعكس على كافة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالسياحة (المقاولات – الأثاث – الصناعات الغذائية – الصناعات الحرفية ". وبالنسبة لايرادات قناة السويس فتوقعت الدراسة انخفاض الإيرادات السنوية للقناة إلى حوالي 400مليون دولار نتيجة لتباطؤ حركة التجارة العالمية؛ و زيادة إيقاع حوادث القرصنة علي الرغم من ارتفاع عوائد القناة بنسبة 21% مقابل 22% خلال الربع الأول من العام السابق، الأمر الذى أسفر عن دخول إيرادات فى حدود النصف مليار دولار شهريًا . وانتقلت الدراسة إلى القطاع الزراعى المصري والإصلاح الاقتصادي فتناولت بالاختصار "استراتيجية وزارة الزراعة للتنمية حتي عام 2017"، حيث أشارت إلى أن العاملين فى القطاع الزراعى يمثلون نحو 30% من إجمالى قوة العمل؛ ويساهم بنحو 15% من الناتج المحلى الإجمالى. فيما بلغت قيمة الإنتاج الزراعى بالأسعار الجارية عام 2006 حوالي 96.8 مليار جنيه، وتساهم الصادرات الزراعية بحوالى 20% من إجمالى الصادرات؛ وبلغت حجم الاستثمارات الموجهة له حوالي 8.6 مليار عام 2006/2007 وتمثل حوالي 6,3% من إجمالي الاستثمار العام. وفي تناول الدراسة لاستراتيجية تنمية القطاع الزراعي فى مصر حتى عام 2017 أوضحت أن هذه الاستراتيجية ترتكز على التخصيص والاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة لتحقيق معدل نمو زراعى يصل إلى حوالى 4% سنويا. وتستهدف السياسة القومية للتنمية الزراعية تحقيق التنمية المستدامة ، والمحافظة على البيئة، بما يضمن الوفاء باحتياجات المواطن المصري في الحاضر والمستقبل. وأهم بنود هذه الاستراتيجية زيادة إنتاجية الموارد الأرضية مع الاحتفاظ بقدرتها الإنتاجية وصيانتها من عوامل التدهور وترشيد استخدام المياه وزيادة مصادرها وحمايتها من التلوث وترشيد استخدام المبيدات والكيماويات وتقليل آثارها الضارة على البيئة وتطوير نظم الصرف الزراعى وصيانة شبكة المصارف المكشوفة والمغطاة، علاوة على اتباع النظم الحديثة في الري والزراعة، وتعديل التراكيب المحصولية فى ضوء إنتاجية المتر المكعب من المياه. وكان أهم ما اقترحته الدراسة هو الإبقاء على مساحة محصول القصب عند300 ألف فدان دون زيادة مع التوسع فى إنتاج السكر من بنجر السكر، وعدم زيادة المساحة المخصصة لإنتاج الأرز عن 1.1 مليون فدان، وذلك فى حدود توفير الاحتياجات الاستهلاكية القومية والتصديرية، وأخير تطبيق تجارب الهندسة الوراثية لتوليد أصناف ذات إنتاجية عالية، وتحمل الظروف المعاكسة كالملوحة والجفاف والحرارة والأمراض والحشرات .. وكشفت الدراسة عن أن مصر وطبقا لإحصائيات وزارة الزراعة "تنشر لأول مرة "بأن الاكتفاء الذاتي لمصر من الغذاء لم يتحقق خلال الفترة الأخيرة إلا في اللحوم البيضاء ووصل حجم الفجوة الغذائية في محصول القمح إلى 5.1 مليون بنسبة 40% يتم استيرادها من الخارج، وتشير الدراسة إلى أن استمرار استيراد احتياجاتنا من القمح سيؤثر سلبًا على الميزان التجارى وميزان المدفوعات، وعلى تمويل برامج التنمية. الأمر الذى يقتضى ضرورة العمل على زيادة تعظيم الإنتاج من وحدة المساحة من خلال تعديل الخريطة الصنفية وتقليل الفاقد بعد الحصاد من المحصول فيما بلغ متوسط الإنتاج المحلى من القمح خلال الفترة"2003- 2007" حوالي 7.5 مليون طن فى حين بلغ متوسط الاستهلاك خلال نفس الفترة حوالي 12.6 مليون طن ويرجع ذلك إلى الثبات النسبى فى المساحة المخصصة لانتاج المحصول وكذلك الثبات النسبى فى انتاجية الفدان ، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة حجم الفجوة الغذائية منه باستمرار الزيادة السكانية. كما بلغ متوسط إنتاجنا من اللحوم الحمراء "2003-2007 "حوالي 737.6 ألف طن، ووصل متوسط الاستهلاك إلى ما يقرب من 1.04مليون طن، وبالتالي كان متوسط حجم الفجوة الغذائية من اللحوم الحمراء حوالي 202.4 ألف طن يمكن سدها إذا ماتبعت سياسة تستهدف تطوير مشروع البتلو، والاهتمام ببحوث إنتاج الأعلاف واستخدام العلائق غير التقليدية. ثم تناولت الدراسة أيضا تدهور زراعة القطن رغم تحسن الأصناف " حقق الصنف جيزة 86 أكثر من نصف إنتاج القطن على مستوى الجمهورية نتيجة تعميم زراعته فى معظم محافظات الجمهورية. "التي تزيد من إنتاجية الفدان ولكن ذلك لم يعوض قلة الأرضي المزروعة بالقطن وأيضا تراجع المزراع عن زراعة القطن نتيجة للخسائر التي تعرض لها في السنوات الماضية بجانب زيادة المعروض عالميًا من القطن وقلة الطلب عليه وارتفاع تكاليف فدان القطن من حوالي 1019.4 جنيه عام 2005 إلى حوالى 2965 عام 2006، أى بنسبة 109% ، بينما تذبذبت الأسعار المزرعية بين الانخفاض والارتفاع وكانت تلك الأسعار الفعلية أقل كثيرًا من أسعار المساواة التى كان يجب أن يحصل عليها المزارع لتتماشى مع الزيادة الكبيرة فى تكاليف المعيشة فى الريف ووجود منافسة شرسة في سوق القطن العالمي للقطن المصري من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية لزراعتها القطن المعدل وراثيًا وانتشار زراعته على مستوى العالم. وطالبت الدراسة بإعداد مجموعة من الدراسات الدقيقة لتكاليف زراعة القطن بالنسبة للأصناف التى يتم زراعتها فى الوجه البحري والأصناف التى يتم زراعتها فى الوجه القبلي، كل على حدة مع إيجاد الأسلوب الأمثل لجنى محصول القطن حتى يمكن تقليل الفاقد، وتخصيص حصة مناسبة من مستلزمات إنتاجه ليتم توزيعها عن طريق الجمعيات التعاونية الزراعية بالأسعار المناسبة خاصة من الأسمدة والمبيدات. وتحدثت الدراسة عن السياسات السعرية الزراعية في مصر وأكدت على أنه لا يوجد مبرر لعدم انخفاضها فى مصر مع انخفاضها عالميا، وأرجعت ذلك إلى جشع التجار، وعدم وجود رقابة عليهم، وعدم قدرة المستهلك على الوصول إلى جهاز حماية المستهلك، وبالتالى عدم وجود ضوابط قوية تحكم الأسعار فى السوق المصرى . من ناحية أخرى كان يجب أن يشهد معدل التضخم تراجعًا أكثر من الأرقام التى أعلنت خلال الشهور الماضية حيث وصل معدل التضخم الآن إلى 14 %؛ نظرًا للتراجع الكبير الذى حدث فى أسعار السلع الرئيسية، وذلك ما لم يحدث في مصر بسبب إصرار التجار والمنتجين على الحصول على هامش ربح مرتفع، إلا أن ظروف انخفاض الطلب الحالى سوف تضطر التجار إلى تخفيض هامش الربح لتصريف المخزون والاستمرار فى الانتاج، فيما يتوقع بعض الاقتصاديين زيادة معدل التضخم فى مصر خلال الفترة الحالية، وأن يستمر ذلك الارتفاع فى المدى المتوسط. ويؤكدون على ذلك بارتفاع سعر الدولار، وخاصة أن مصر تستورد حوالى 70% من احتياجاتها. وقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك بأن توقعوا أن يصل سعر الدولار إلى سبعة جنيهات، الأمر الذى يسبب انخفاض في الطلب على مستوى الأسعار. وفي النهاية وضعت الدراسة قائمة بعض المقترحات لمواجهة السلبيات المحتملة للأزمة المالية العالمية على القطاع الزراعى المصري، وطالب الدولة بتسهيل قيام مؤسسات التسويق الخاصة باعتباره أحد أضلاع المؤسسات اللازمة لإنجاح سياسة التحرر الاقتصادى. وضرورة العمل على تحقيق استقرار حصص توزيع مستلزمات الإنتاج خاصة الأسمدة الكيماوية، ومنع الاحتكارات المختلفة فى أسواق توزيع مستلومات الإنتاج، وتشجيع التعاونيات الزراعية على امتلاك حصص فى المصانع حيث يعتبر القطاع التعاونى من أكثر القطاعات الاقتصادية قدرة على صياغة وتنفيذ سياسات التجارة الداخلية لمدخلات الإنتاج الزراعي. وكما طالب بتوفير شبكة معلومات للجمعيات التعاونية الزراعية بالقرى لربطها مع المزارع ومديريات الزراعة ورفع ضريبة المبيعات على مستلزمات الإنتاج الزراعى خاصة الأسمدة أسوة بما هو متبع مع بعض مستلزمات الإنتاج الصناعي. علاوة على ترشيد الاستهلاك المتزايد من الغذاء، ومواجهة المتلاعبين من التجار الجشعين بأسعار الغذاء، حيث ينفق المجتمع المصرى أكثر من 200 مليار جنيه سنويًا على الغذاء منها حوالى 15% خلال شهر رمضان المبارك فقط، الأمر الذى أدى إلى تحقيق مصر لأعلى معدل تضخم بين الاقتصاديات الصاعدة فى العالم، والذى وصل فى بعض الفترات إلى حوالى 23%.. كما أن هناك أيضًا بعض الدروس المستفادة التى يجب أخذها فى الاعتبار لتخفيف حدة الآثار المحتملة للأزمة الاقتصادية العالمية على البنيان الاقتصادى القومى ككل والتي منها: - حتمية تنظيم أسواق السلع الرئيسية لتأمين استفادة المواطنين من انخفاض الأسعار العالمية، وكذلك إعطاء الأولوية للإنتاج الوطنى، وكذلك التعامل بحذر مع الدعوة للتوسع فى الاقتراض كوسيلة للحصول على المزيد من المال للإنفاق على مزيد من الاستهلاك .