بعد أن تحول الإنسان من مرحلة الصيد إلى المجتمع الزراعى المستقر كان العدل فى تلك المجتمعات لإرادة الأقوى حيث كان الانتخاب الطبيعى هو الذى يحدد الحاكم والانتخاب الطبيعى لا يتم من خلال صناديق انتخابية بل فى صراعات مثل صراع الحيوانات فى الغابة تجعل الجميع يخضع لأقوى أفراد القطيع ثم تحول هذا الأقوى إلى حكم فراعنة مصر المنتسبين إلى الإله رع أو الإله أمون "خف رع" و"منق رع" و"رع ميس" لأن رمسيس اسمه الصحيح "رعمسيس"، ولذلك يطلق على حكم الملوك الذين حملوا هذا الاسم الرعامسه.. وهكذا انتسب أباطره الرومان كونهم أبناء الإله "جويتر" أو "زيوس" ولما جاءت الديانات السماوية حكم الملوك بالحق الإلهى فى ظل حكم ثيوقراطى "دينى" يخضع له الشعب وفى كل الأنظمة كان الملك وراثيا بغيضا ، ثم جاء عصر الثورات الرافضة للحكم الوراثى الملكى ومناديه بالحكم الجمهورى الاختيارى . وقد جاءت تسمية الجمهورية نسبه إلى أن الحاكم جاء باختيار جماهير الشعب وربما يجمع غالبية المؤرخين على أن البدايه كانت مع الثورة الفرنسية. ومن هنا فإن الحكم الجمهورى قائمًا من بدايته على رفض فكرة الحكم الوراثى فى النظام الملكي, لكننا نحن العرب لنا تصرفات وأمور لها العجب، فرؤساء جمهوريتنا لا يقنعون بأن رئاستهم أبدية لا ينهيها إلا عزرائيل فحسب بل يصرون على قلب قواعد السياسة ليحولوا الجمهورية الانتخابية إلى جمهوريات وراثية أو كما يطلق عليها البعض "الجمهوملكية" لأنها صورة مخلوطة من النظامين أو صورة مشابهه لكليهما تمامًا كما ترى صورتك فى مرآة مشروخة. فعلها حافظ الأسد فى سوريا حين غير أحد مواد الدستور ليأتى بابنه خلفًا له ، وقالوا إنه جاء بالانتخابات الحرة. وما يهمنا الآن أن مؤامرة التوريث التى تمت فى سوريا تجرى الآن فى مصر بصورة أكثر فجاجة حيث لم تغير مادة واحدة من الدستور بل غيرت 34 مادة أهمها المادة 76 التى قال عنها الفقيه الدستورى الدكتور يحيى الجمل: إنها خطيئة دستورية؛ لأنها وضعت شروطا تعجيزية للمتقدمين للترشيح لرئاسة الجمهورية تكاد تحصرها فى مرشح الحزب الوطنى والكارثة أن جميع أعضائه مجرد مصفقين لإرادة وأوامر رئيس الجمهوريه، أما المصيبة فإن تلك الشروط "دستورية" لا تقبل الطعن، ونرى البعض من كتاب وإعلاميين والمحيطين بكرسى العرش أو كرسى الرئاسه يغالطون ببجاحة بأن الأمر ليس توريثا بل هو ترشيح لمبارك الابن وهو من حقه كمواطن مصرى والحسم والكلمه الأخيره لصناديق الانتخابات التى ستأتى به بإراده المواطنين. ربما كان أكثر كتاب وإعلامى العرش وضوحًا ما قاله "عماد أديب " تحت فكره الخروج الآمن. وعماد أديب لا أحد يشكك فى ولائه الشديد للأسره الحاكمة وللمطبخ الرئاسى، فقد كان المهندس الإعلامى لحملة الرئيس مبارك فى انتخابات الرئاسه "الفنتازيا" عام 2005 ، ومع ذلك اندفعت جوقة المنافقين الأغبياء فى مهاجمته دون حتى انتظار رد الفعل من الأسره الحاكمة أو أخذ الضوء الأخضر منها أو أن هؤلاء اسستخدموا بعضًا من التعقل لعرفوا ان عماد اديب شأنه شأن كل المحيطين بكرسى العرش ومن أمثالهم لا يمكن ان يجرؤ على طرح هذه الفكرة الداعيه الى خروج مبارك الأب الى الظل وصعود مبارك الابن الى العرش من عندياته. من هنا أعتقد أن عماد اديب قد أخذ الضوء الاخضر من الأسرة الحاكمه- على الاقل- ليضمن سلامته وحمايته فما زال ما حدث لإبراهيم عيسى ماثلا أمام الجميع عند الحديث عن الأسره الحاكمة. ولو نظرنا نظرة متأنيه الى هذه الفكره لتأكد لنا ان الفكره قد طرحت بالاتفاق مع الأسره نفسها فهى أدرى بصحة كبيرها رغم ما تظهر عليه من علامات الصحة فى الآونه الأخيره والتى توحى بان الرجل يطمح أو يطمع فى فترة رئاسية جديدة، ويؤيده فى ذلك الحرس القديم والمؤسسه العسكرية فى حال أن مبارك الابن والمحيطين به من رجال الأعمال وبعض المثقفين يخشون أن يكون القدر أسرع من الانتظار لفتره رئاسية أخرى عام 2017 ربما لا تمهلهم الأقدار الى 1011 حتى لا يحاكموننى على هذا القول أذكرهم بأن لكل أجل كتاب لا يعلمه إلا الله وأعود إلى خشية مبارك الابن والمحيطين به من مفاجآت القدر فعندها لا يسمح الشعب أو الحرس القديم أو المؤسسه العسكريه بأن يتولى قيادتهم شاب كانوا يحملونه طفلا ويقدمون له الحلوى والشيكولاته، فإصرارالحرس القديم على ترشيح مبارك الأب لفتره رئاسية قادمة 2001 وراءه هاجس فى نفوسم بأنه إذا جاء مبارك الابن للرئاسه فربما أوحى إليه المحيطون به من شباب لجنة السياسات أن يقوم بحركه ضد الحرس القديم على غرار ما أطلق عليه السادات "حركة التصحيح" يطيح فيه بالحرس القديم ويحمله مساوئ وفساد الفترة السابقة، ويتطهر أمام الشعب، أما رجاله فسوف يخلو لهم الجو ليحلُّوا محل الحرس القديم فى مواقعهم الحساسة الملتصقة بكرسي العرش. ويبقى الموقف الأخطر والأهم وهو موقف "الأم"، وأعتقد ان منطق الأمور يجعلها مؤيدة لترشيد "الابن" الفترة القادمة "2011" واضعة نصب عينيها مفاجآت القدر التى قد تخرج الاسره بالكامل من دائرة الضوء إلى مجهول لا يعلمه إلا الله أما صعود مبارك الابن إلى الرئاسة فيضمن للأسرة الاستمرار فى دائره الضوء وخاصة "الأم" التى وإن ذهب عنها لقب السيدة الاولى فسيكون لها لقب أهم وأكبر تأثيرًا وهو"الملكة الأم" لأن الوراثة ملكية وليست جمهورية كما ذكرت فى صدر المقال . وصعود الابن للرئاسه يضمن أيضا لمبارك الأب الخروج الآمن الذى طرحه عماد أديب حيث الراحة فى ظل استمرارية حكم الأسره "المالكة" التى قد تستمر للأحفاد فبصعود مبارك الابن تنقلب الجمهورية إلى ملكية، و"يا ليتنا نسمى الأشياء بحقائقها".