رأس الخيمة (الامارات) (رويترز) - مع الابتعاد عن امارة دبي تتوارى ناطحات السحاب البراقة الفخمة وتظهر مكانها مبان أسمنتية قصيرة يعلوها التراب لا يتوقع ان يراها الكثيرون من زوار دولة الامارات العربية المتحدة. وتعتمد الامارات الخمس الشمالية في دولة الامارات التي لا يعرف عنها الكثير وهي رأس الخيمة والشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين على الامارتين الأغنى في البلاد وهما أبو ظبي ودبي منذ وقت طويل. وساهم نقص في الوقود عانت منه الامارات الخمس الشمالية في الآونة الاخيرة وسوء حالة الخدمات في زيادة تبرم السكان هناك. تحدثت خديجة جمعة وهي بدوية تبلغ من العمر 60 عاما عن الحي الذي تعيش به في امارة رأس الخيمة وقالت "تنقطع المياه في بعض الأحيان لخمسة أو ستة أو سبعة أيام." وكانت خديجة تشتري الفواكه والخضروات من سوق شعبي وهو منظر غير معتاد في دبي أو أبو ظبي. وتتباهى دولة الامارات الغنية بالنفط بأنها صاحبة ثامن أكبر نصيب سنوي للفرد في الدخل في العالم حيث يصل الى 47 ألف دولار وأفلتت البلاد من احتجاجات الربيع العربي التي تجتاح المنطقة. وتشير احصاءات رسمية مع ذلك الى فجوات اقتصادية صارخة بين الامارات الشمالية والامارتين الجنوبيتين. فعلى سبيل المثال بلغ معدل البطالة في امارة الفجيرة 20.6 في المئة عام 2009 وهو أعلى بكثير من معدل البطالة في عموم الامارات والذي يصل الى 14 في المئة. وأضاف نقص الوقود في الامارات الشمالية في الآونة الأخيرة الى احباطات السكان خاصة وأن السلطات تكافح لتقديم مبرر. وقالت السلطات الاماراتية في باديء الامر ان السبب هو أعمال صيانة لكن محللين يشيرون الى الاحجام عن الالتزام بالدعم الحكومي للبنزين. ويهدف الدعم الى توفير الوقود الرخيص للمستهلكين لكن أسعار النفط المرتفعة أدت الى انخفاض صافي أرباح شركات الوقود. وتبقى المخاوف من أن تؤجج الفجوة بين الاغنياء والفقراء في الامارات المزيد من التوترات في البلاد وهي ثالث أكبر مصدر للنفط في العالم اذا لم تتم معالجتها. وسبق أن كانت هذه الفجوة شرارة رئيسية للاحتجاجات التي أطاحت برئيسي تونس ومصر. وقال غانم نسيبة مؤسس شركة كورنرستون اسوشيتس العالمية للاستشارات انه لا توجد دولة في المنطقة محصنة من التوتر. وأضاف أن التفاوت في الثروة بين الامارات الشمالية وامارتي دبي وأبو ظبي يظل هو أهم القضايا التي تمثل تحديا لاستقرار البلاد بالكامل. وذكر أن هذا التحدي لا يتمثل فقط في تنامي مخاطر التوترات المحلية ولكن لان هذا التفاوت يخلق فرصة أمام قوى اقليمية للتدخل في الشؤون الداخلية للامارات الشمالية. وادراكا منها لهذا تعهدت حكومة الامارات والتي تقودها أبو ظبي بمبلغ 1.6 مليار دولار في مارس اذار لاعمال البنية التحتية في الامارات الشمالية. وجاء القرار بعدما أمر رئيس الامارات وحاكم أبو ظبي الشيخ خليفة بن زايد ال نهيان بقيام المسؤولين بجولة لتفقد أحوال الامارات في فبراير شباط. ودعا رئيس الوزراء الاماراتي وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم الحكومات المحلية للمشاركة في تطوير المناطق النائية والريفية في البلاد وذلك خلال زيارة قام بها لوزارة الاشغال العامة الشهر الحالي. وقال الشيخ محمد في موقعه على شبكة الانترنت ان نجاح دبي هو امتداد لنجاح أبو ظبي والعكس صحيح والامر ذاته بالنسبة لبقية الامارات السبع التي يشكل اتحادها قوة لا تهتز. لكن مواطنين اماراتيين يعيشون في العاصمة أبو ظبي وفي دبي المركز المالي الشهير قالوا ان هناك حاجة لتطوير أسرع في الامارات الشمالية لتشجيع الناس على السعي للعمل هناك. وأضافوا أن الحاجة لتطوير الخدمات والرعاية الصحية والتعليم في الامارات الشمالية هو الاكثر الحاحا. وقال البعض انهم نادرا ما يخرجون من دبي وأبو ظبي الى امارات أخرى لانها تفتقر الى الخدمات المناسبة ولا يتم الترويج لها بشكل كاف. وقالت مايسة المنصوري وهي من سكان أبو ظبي وتبلغ من العمر 26 عاما وتعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات "أعلم ان هناك منتجعات (في امارات أخرى) لكنني لا أعرف عنها الكثير." وأضافت مايسة التي تصف رأس الخيمة بأنها قرية "يرسلون الينا رسائل بالبريد الالكتروني أحيانا لكننا لسنا متأكدين من الاماكن حيث لا يروج لها جيدا." وشهدت رأس الخيمة خلال السنوات الماضية احتجاجات محدودة وتطل الامارة على مضيق هرمز الذي يمر منه 40 في المئة من النفط المنقول بحرا في العالم كما تقع الامارة بالقرب من ساحل ايران. وسارعت قوات الامن في أبو ظبي بقمع احتجاجات رأس الخيمة. وعلى عكس العاصمة الاماراتية الغنية بالنفط فان اقتصاد رأس الخيمة يعتمد على صناعات مثل الاسمنت والادوية والزجاج. ولا توجد في رأس الخيمة اللوحات الاعلانية الرقمية الكبيرة ومراكز التسوق والفنادق التي تميز صورة دبي. وبدلا من ذلك تنتشر على الطرق الصحراوية عمارات سكنية صغيرة ومحلات لاصلاح السيارات ومتاجر تجزئة تبيع بالخصم. وتترك الملابس على أحبال الغسيل في الشمس حتى تجف وتوضع مولدات الكهرباء بالقرب من المبان التجارية والسكنية في رأس الخيمة للعمل في حالة انقطاع الكهرباء. وقالت حكومة الامارات ان لديها خطة على مدى عامين للقضاء على بعض الفجوات وحل قضايا أخرى مثل الرعاية الصحية والتعليم والاسكان والطرق والمياه. وقال بريان بلاموندون وهو مدير كبير في شركة (اي.اتش.اس) جلوبال انسايت "الحكومة الاتحادية قادرة على زيادة الانفاق في هذه الامارات الاصغر لصد أي اضطراب اجتماعي." وكانت رأس الخيمة اخر امارة تنضم الى الامارات العربية المتحدة في أوائل السبعينيات من القرن العشرين عندما انسحبت بريطانيا من الخليج وأشرفت على مفاوضات لتأسيس اتحاد يضم البحرين وقطر والامارات السبع التي تشكل الان دولة الامارات. واختارت البحرين وقطر أن تصبحا مستقلتين. واحتفظت امارات أخرى بشخصيتها. وتفرض امارة الشارقة التي تربطها صلات قوية بالسعودية قوانين اسلامية أكثر صرامة وهي الامارة الوحيدة التي تحظر الكحول وتفرض معايير أكثر تحفظا على ملابس النساء. وترددت رأس الخيمة في الانضمام الى دولة الامارات بسبب النفود الاكبر لامارة أبو ظبي الاغنى لكنها انضمت عام 1972 . ومازال بعض سكان رأس الخيمة الى اليوم يشعرون بالتفاوت وقال أحدهم "يظهر الاستثمار في الامارات الشمالية وحده أن هناك اختلافا. لا يوجد وجه للمقارنة."