تنسيق الجامعات يفتح باب التحويلات للمرحلة الثالثة والدبلومات الفنية.. تعرف على الشروط والرابط    «استعلم مجانًا».. نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة 2024 علمي وأدبي فور إعلانها رسميًا (رابط متاح)    إيمان كريم تلتقي محافظ الإسكندرية وتؤكد على التعاون بما يخدم قضايا ذوي الإعاقة    ارتفاع أسعار الذهب في مصر بعد خفض الفائدة الأمريكية    تراجع بقيمة 220 جنيهًا.. سعر الحديد والأسمنت الخميس 19 سبتمبر 2024 بعد التحديث الجديد    رئيس الحكومة اللبنانية يشيد بعمل الطواقم الطبية في حادثي تفجير الأجهزة اللاسلكية    شهيدان في قصف الاحتلال منزلًا لعائلة "شاهين" بمخيم جباليا شمال قطاع غزة    ارتفاع أعداد ضحايا الهجوم الإلكتروني بلبنان ل 20 قتيلا وأكثر من 450 جريحا    إسرائيل والإرهاب عن بُعد.. ما بين غزة ولبنان مأساة إنسانية بطلها الاحتلال    خبير عن تفجير "البيجر": حالة متقدمة من تحويل التكنولوجية إلى سلاح    إعلام لبناني: الطيران الإسرائيلي يشن غارتين على ‫بلدتي بليدا وميس الجبل جنوب البلاد    إبراهيم عيسى: إيران تشعل لبنان نارا ودمارا وتحرق اليمن وتدمر غزة    رابطة الأندية: لا مساس باللائحة و3 أندية ستصعد من المحترفين للممتاز    طلب هام من الأهلي بشأن جماهيره قبل مباراة جورماهيا    أهالي الحسينية بالشرقية يشيعون جنازة عروسة توفيت ليلة الحنة في حادث على طريق    كشف حقيقة فيديو لفتاة تدعي القبض على شقيقها دون وجه حق في الإسكندرية    مصدر أمني ينفي مزاعم جماعة الإخوان الإرهابية بانقطاع الكهرباء بمراكز الإصلاح والتأهيل    «هي الهداية بقت حجاب بس؟».. حلا شيحة تسخر من سؤال أحد متابعيها على التواصل الاجتماعي    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    كيفية تحفيز طفلك وتشجيعه للتركيز على الدراسة    السفر والسياحة يساعدان في إبطاء عملية الشيخوخة    أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد وتخلصه من السموم    محمد فاروق: هناك محاولات لإبعادي عن رئاسة لجنة الحكام    الكابينيت يعطي الضوء الأخضر لنتنياهو وجالانت للتحرك ضد "حزب الله"    عقب تدشينها رسميًا.. محافظ قنا ونائبه يتابعان فعاليات اليوم الأول من مبادرة «بداية جديدة»    صلاح التيجاني: والد خديجة يستغلها لتصفية حسابات بعد فشله في رد زوجته    حقيقة عودة إضافة مادة الجيولوجيا لمجموع الثانوية العامة 2025    حالة الطقس المتوقعة اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024 فى مصر    «طعنها وسلم نفسة».. تفاصيل إصابة سيدة ب21 طعنة علي يد نجل زوجها بالإسماعيلية    بعد أنباء عن التفاوض وقبول الدية.. شقيق زوجة ضحية أحمد فتوح يفجر مفاجأة    الخطيب يدرس مع كولر ملف تجديد عقود اللاعبين وأزمة الدوليين قبل السوبر المصري    الفنانة فاطمة عادل: دورى فى "الارتيست" صغير والنص جميل وكله مشاعر    أيتن عامر تحتفل بالعرض الخاص لفيلم "عنب" في الإمارات    ضمن فاعليات مبادرة "بداية".. محافظ قنا يبحث تنفيذ قوافل المكتبة المتنقلة بالقرى والنجوع    ثروت سويلم: كنا بحاجة لفترة انتقالية.. وسيتم الاستقرار على حافز لبعض الفرق    بخطأ ساذج.. باريس سان جيرمان يفوز على جيرونا في دوري أبطال أوروبا    قمة نهائي 2023 تنتهي بالتعادل بين مانشستر سيتي وإنتر ميلان    سيلتك يكتسح سلوفان براتيسلافا بخماسية في دوري أبطال أوروبا    صحة مطروح تقدم 20 ألف خدمة في أولى أيام المبادرة الرئاسية «بداية جديدة».. صور    «تصديري الهندسية»: 5.3 جنيه اجمالي صادرات القطاع العام الجاري بنهاية الربع الأخير    من الأشراف.. ما هو نسب صلاح الدين التيجاني؟    بحضور وكيل الأزهر.. مجمع البحوث وقطاع مدن البعوث يحتفلان بالمولد النبوي    كيف خفّض الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة إلى 5.00%؟    هيفتشوا وراك.. 5 أبراج تبحث في موبايل شريكهم (تعرف عليها)    أسماء جلال جريئة ومريم الخشت برفقة خطيبها..لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| مفاجأة صلاح التيجاني عن النجوم وحقيقة خضوع نجمة لعملية وتعليق نجم على سقوطه بالمنزل    الشاب خالد: اشتغلت بياع عصير ليمون على الطريق أيام الفقر (فيديو)    المغرب والجابون يوقعان مذكرة تفاهم في مجال التعاون القضائي    بعد كلمة شيخ الأزهر"عن المفاضلة بين الأنبياء".. الأزهر للفتوى يحذر من اجتزاء الكلمات من سياقها بغرض التشويه    موعد قرعة الهجرة إلى أمريكا 2025.. تعرف على آخر فرصة للتسجيل    بالصور.. محافظ أسوان يشهد حفل تخريج دفعة جديدة من الأكاديمية البحرية    سعر الفراخ البيضاء والبانية وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024    محافظ القليوبية يكرم المتفوقين في الشهادات العامة بشبرا الخيمة    خالد الجندى: عدم الاهتمام بإراحة الجسم يؤدى لاضطراب الصلاة والعبادات    حكم الزيادة التى يأخذها الصائغ عند استبدال الذهب المشغول؟ الإفتاء تجيب    شمال سيناء تنظم قافلة شاملة لحي" الكرامة" بالعريش تتضمن خدمات طبية وسلع غذائية متنوعة وندوات توعوية وتثقيفية (صور)    حجاج عبد العظيم يكشف طبيعة علاقته بالشيخ صلاح التيجاني    خسوف القمر 2024..بين الظاهرة العلمية والتعاليم الدينية وكل ما تحتاج معرفته عن الصلاة والدعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجزرة صبرا وشاتيلا: الصدمة الجماعية المحفورة في ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين
نشر في مصراوي يوم 16 - 09 - 2024

عام 1982 شهد مخيما صبرا وشاتيلا للّاجئين الفلسطينيين في لبنان أعمال قتل جماعية، استمرت ثلاثة أيام 16 و17 و18 سبتمبر، وراح ضحيتها مئات القتلى.
وتمثّل مجزرة صبرا وشاتيلا واحدة من أبشع المجازر التي شكلت صدمة جماعية، لا تزال آثارها محفورة في ذاكرة اللبنانيين والفلسطينيين.
وُجّهت الاتهامات بارتكاب أعمال القتل، إلى ميليشيات لبنانية دخلت إلى مخيمي صبرا وشاتيلا بعد يومين على اغتيال قائد "القوات اللبنانية" المُنتخب رئيساً للجمهورية بشير الجميّل.
ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على تاريخ المجزرة التي وقعت خلال محاصرة جيش الاحتلال الإسرائيلي لبيروت بعد اجتياحه لبنان صيف ذلك العام، لم يُحاسب أي شخص أمام القضاء اللبناني أو الدولي.
الطريق إلى المجزرة
أحداث كثيرة ومتسارعة سبقت وقوع المجزرة. وكان لبنان يشهد منذ عام 1975 حرباً أهلية، بمشاركة الفصائل الفلسطينية التي شكل وجودها المسلح أحد أهم أسباب الانقسام السياسي اللبناني.
وكانت إسرائيل قد اجتاحت للمرة الأولى جنوب لبنان عام 1978، وأقامت شريطاً حدودياً في محاولة منها لمنع تسلّل المقاتلين من لبنان.
لكن بداية صيف عام 1982، حملت تصعيداً أمنياً وعسكرياً، بدأ مع قرار جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ عملية اجتياح واسعة النطاق، انطلاقاً من جنوب لبنان نحو العاصمة بيروت.
ما الذي حدث في عام 1982؟
في 6 يونيو 1982 بدأت إسرائيل عملية اجتياح للبنان، قالت إنها تهدف إلى طرد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والقضاء على إمكانيات تنفيذها عمليات عسكرية ضدّ إسرائيل.
حقّق جيش الاحتلال الإسرائيلي تقدماً عسكرياً سريعاً ووصل بعد نحو خمسة أيام إلى مشارف العاصمة بيروت، حيث فرض حصاراً على سكانها، في ظلّ قصف عنيف استمر أكثر من 80 يوماً.
في 20 أغسطس، أعلنت الأطراف المعنية عن توصل المبعوث الأمريكي فيليب حبيب إلى اتفاق، يقضي بوقف إطلاق النار وخروج مقاتلي وقيادات الفصائل الفلسطينية من لبنان.
23 أغسطس انتخب بشير الجميل قائد ميليشيا "القوات اللبنانية" المتحالفة مع إسرائيل، رئيساً للجمهورية.
14 سبتمبر اغتيل بشير الجميل في انفجار عبوة ناسفة، قبل أيام قليلة على توليه رسمياً مهام الرئاسة.
15 سبتمبر اجتاحت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي العاصمة بيروت، وأحاطت بمخيمات اللاجئين.
16 سبتمبر مساء دخلت مجموعات من ميليشيات لبنانية مناوئة للفلسطينيين إلى مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين تحت وهج القنابل المضيئة.
18 سبتمبر توقفت أعمال القتل وبدأ المراسلون بدخول المخيم، وخرجت أنباء وصور المجزرة المروعة إلى العلن.
المجزرة بالأرقام
اختلفت الأرقام والمصادر التي وثّقت عدد القتلى في المخيمين المتجاورين.
وشكّلت السلطات الإسرائيلية لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة العسكرية يتسحاق كاهان، للتحقيق في ملابسات ما حدث، بعد خروج مظاهرات ضخمة في تل أبيب ومطالبة رئيس الوزراء مناحيم بيغن بالاستقالة من منصبه.
وقدّرت لجنة "كاهان" في تقريرها أن عدد القتلى هو 300 شخص.
بينما نشرت الباحثة والكاتبة بيان نويهض الحوت، زوجة القيادي الفلسطيني في منظمة التحرير الراحل شفيق الحوت، كتاب "صبرا وشاتيلا" بعد 20 عاماً على وقوع المجزرة.
وسعت بيان نويهض في كتابها إلى توثيق شهادات وأحداث المجزرة بالأرقام والأسماء والتفاصيل.
وذكرت أن عدد القتلى الذي استطاعت توثيق أسمائهم، بلغ 906 ضحايا، بالإضافة إلى 408 أشخاص في عداد المفقودين والمخطوفين.
وذكرت وكالة أسوشييتد برس العام الماضي أن عدد القتلى المؤكد هو 328 شخصاً، وأن 991 شخصاً اعتبروا في عداد المفقودين.
وذكرت مصادر أخرى منها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" أنّ عدد القتلى وصل إلى أكثر من 3 آلاف ضحية.
وكان من الصعب إجراء إحصاء دقيق لعدد القتلى، بسبب استخدام الجرافات لدفن عدد كبير من الجثث.
اقتحام المخيمات: ردة فعل أم خطة مسبقة؟
جرى تصوير المجزرة على أنها ردّ فعل ثأري من مقاتلي "القوات اللبنانية" – الجناح العسكري لحزب الكتائب البناني - على اغتيال رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميّل.
بعد يومين على الاغتيال، أوقف جهاز الأمن في "القوات اللبنانية" اللبناني حبيب الشرتوني، عضو "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، واعترف لاحقاً بتنفيذ اغتيال بشير الجميّل.
تسلّمت السلطات اللبنانية الشرتوني في أبريل 1983 لمحاكمته. واستطاع الفرار عام 1990، بعد اقتحام الجيش السوري مقرّ وزارة الدفاع اللبنانية حيث كان محتجزاً.
عام 2018، تناقلت وسائل إعلام وثيقة قيل إنها الملحق السري لتقرير لجنة كاهان، والذي بقي طي الكتمان إلى أن نشره باحث أمريكي في جامعة كولومبيا، يدعى سيث أنزيسكا.
وجاء في الوثيقة أن مسألة التعامل مع وجود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد مغادرة المقاتلين، أثيرت في أكثر من اجتماع بين مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين، بين يوليو وسبتمبر 1982.
وذكرت أنّ آخر نقاش جرى في 12 سبتمبر، قبل يومين على اغتيال الجميّل. وقال خلاله آرييل شارون لبشير الجميّل "يجب تهيئة الظروف التي ستؤدي إلى مغادرة الفلسطينيين"، وفق ما ذكرت الوثيقة.
ونقلت الوثيقة عن رئيس الموساد السادس ناحوم أدموني قوله إن الجميّل كان يتحدث دائماً عن "ميزان الديمغرافيا اللبنانية".
أما تقرير لجنة كاهان الذي صدر بعد إتمام التحقيقات، فذكر أن "قرار دخول الكتائبيين إلى مخيمات اللاجئين اتخذ صباح يوم الأربعاء 15 سبتمبر".
وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يُبلّغ بالقرار في حينه، بل عرف مع بقية الوزراء من خلال تقرير قدّمه رئيس الأركان في جلسة للحكومة عُقدت في اليوم التالي، بعد أن كان الكتائبيون قد دخلوا فعلاً.
وعرض أمام الحكومة تقريراً يفيد بأن نحو ألفي مقاتل فلسطيني، ما زالوا داخل المخيمات.
كما جاء في تقرير اللجنة أن مناحيم بيغن لم يتسلّم أي تقرير حول "أفعال الكتائبيين في المخيمات"، بل عرف بما جرى من خلال هيئة الإذاعة البريطانية في بثّ يوم 18 سبتمبر.
من يتحمل المسؤولية؟
حمّل تقرير لجنة كاهان الرسمي، المسؤولية الكاملة المباشرة عن ارتكاب أعمال القتل، لمقاتلي الميليشيات اللبنانية.
وقالت اللجنة إنها لم تعثر على أي دليل حول تورّط الجيش الإسرائيلي في القتال داخل المخيمات.
وحدّدت مسؤولية ضباط الجيش والموساد ولا سيما وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون، الذي استقال من منصبه بعد صدور التقرير.
وأشارت تقارير إعلامية إلى ضلوع مجموعات من "جيش لبنان الجنوبي"، المتعاونة مع إسرائيل بقيادة الرائد اللبناني سعد حدّاد.
كما برز اسم قائد جهاز أمن "القوات اللبنانية" آنذاك إيلي حبيقة، في الإشراف على المجموعات التي دخلت إلى المخيمات.
لاحقاً أبرم حبيقة اتفاقاً عام 1985 مع النظام السوري وحلفائه من الأحزاب اللبنانية، وأُقصي عن قيادة "القوات اللبنانية"، بعد معارك أدّت إلى طرده ومقاتليه من القسم الشرقي لبيروت.
اغتيل حبيقة في بيروت بواسطة سيارة مفخخة في يناير 2002، وكان قد أبدى استعداده للشهادة في محكمة في بلجيكا، أرادت النظر في محاكمة شارون على خلفية مجازر صبرا وشاتيلا.
كتاب "كرة الثلج – أسرار التدخل الإسرائيلي في لبنان" للمراسل الصحافي الإسرائيلي شيمون شيفر الذي صدر عام 1985، يذكر محضر اجتماع بين قادة عسكريين إسرائيليين ومسؤولين في الكتائب في 19 سبتمبر 1982، أي بعد أقلّ من يومين على انتهاء المجزرة.
خلال الاجتماع طلب رئيس الأركان رفاييل إيتان من الكتائبيين توضيح ما حصل على أنه اشتباك مع مقاتلين من منظمة التحرير وأنّ "الأمر خرج عن السيطرة".
وبحسب ما ورد في كتاب شيفر، ردّ المسؤول الكتائبي جوزف أبو خليل بالقول: "في الحقيقة ما تريدونه هو أن نأخذ الموضوع على عاتقنا وفي الوضع السياسي الحالي هذا غير ممكن".
واقترح أبو خليل أن توجِّه السلطات الإسرائيلية وسائل إعلامها بأن لا تتهّم الكتائب.
وردّ إيتان بأن الجميع يعلم أن الكتائب مسؤولة عما حدث. وقال "وسائل إعلامنا حرة ويمكنها أن تقول ما تشاء".
وعند سؤاله "إذن كيف ستوضحون ما حدث؟"، قال المسؤول الكتائبي "سنواصل النفي".
مضمون هذه الشهادة يتطابق مع تقرير لمحلل الشؤون الأمنية الإسرائيلي رونين برغمان، نُشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في يونيو 2020.
رواية المجزرة على لسان الجلّاد
كان لعدد من المراسلين الأجانب فضل كبير في نقل صور وأخبار المجازر، أبرز هؤلاء كان مراسل صحيفة الإندبندنت البريطانية في ذلك الوقت، روبرت فيسك الذي دوّن في كتابه "ويلات وطن" تفاصيل مشاهداته عقب دخوله إلى المخيم مباشرة بعد وقف المجزرة. بالإضافة شهادة قصيرة نقلاً عن مقاتلين دخلوا إلى المخيّم.
لكن يمكن النظر إلى وثائقي بعنوان "مجزرة Massaker" أو "مقاتل"، للمخرجة الألمانية مونيكا برغمان والباحث لقمان سليم، صدر عام 2006 على أنه الوثيقة الأولى والأهمّ التي يتحدث فيها ستة مقاتلين حول ما فعلوه وما شاهدوه في صبرا وشاتيلا.
ويُعرض الشريط الوثائقي حالياً على منصة "أفلامُنا" خلال أيام ذكرى المجزرة.
حفرة القتل
تفتتح برغمان مشاهد الفيلم مع مقاتل يرسم دائرة على أنها حفرة، قال إنّ أهل المخيّم اصطفوا حولها وحاصرهم ستة أو سبعة مقاتلين.
روى أن المقاتلين حول الحفرة "كانوا يطلقون النار على أحدهم، ويطلبون من (الشخص) الواقف بجواره انتشاله ورميه في الحفرة، وهكذا دواليك، هكذا حدثت المجزرة".
تحدّث عن استدعائه ومجموعته يوم الخميس 16 سبتمبر إلى ثكنتهم العسكرية. قيل لهم إنهم ذاهبون إلى صبرا وشاتيلا تحت عنوان "لا رحمة". شهادة أكّدها مقاتل آخر قائلاً إن "الأوامر كانت واضحة، أن ندخل ونقتل من في الدخل".
وأشار قائلاً "كان تفكيري حينذاك أنّ هذا الطفل سيكبر وقد يقتلني، وهذه المرأة ستلد طفلاً يكبر وهكذا".
تحدث المقاتلون للمخرجة خلال مشاهدتهم وتفاعلهم مع صور ومشاهد لقتلى المجزرة.
سلّطت مونيكا برغمان الضوء على طفولتهم وما شاهدوه من عنف وأحداث. وتابعت انضمامهم إلى صفوف "القوات اللبنانية" وجولات قتالهم الأولى في الحرب، وخضوعهم لتدريبات عسكرية قاسية على يد ضباط الجيش الإسرائيلي في حيفا، إلى أن أتى يوم مشاركتهم في المجزرة.
قال أحدهم إن شهادته للمرة الأولى عن المجزرة هي بمثابة محاكمة وتمثيل للجريمة بالنسبة له.
روى المقاتلون الذين لم تكشف هوياتهم ولا وجوههم، تفاصيل دخولهم إلى المخيم ومباشرتهم بإطلاق النار على المارة وعلى الناس داخل بيوتهم.
وذكروا تفاصيل مروّعة عن كيفية قيامهم بقتل أهل المخيّم.
أكّد أحد المقتحمين أنّ العملية كانت بالنسبة لهم، انتقاماً لاغتيال بشير الجميّل: "انطلقنا (نحو المخيمات) ثأراً لبشير، الفلسطينيون قتلوا بشير الجميّل وسنأخذ بالثأر".
تحدّث زميله عن جرافات كانت تزيل البيوت خلال أيام المجزرة، بعضها تابع للقوات اللبنانية والبعض الآخر للجيش الإسرائيلي ويقودها إسرائيليون، وفق ما روى.
وذكر مقاتل آخر حادثة قتل وقعت عن طريق الخطأ ليلاً، بين المجموعات اللبنانية التي اقتحمت المخيم. وقال إنهم طلبوا من الإسرائيليين إضاءة المخيّم ليلاً.
وروى أحد المقاتلين أنهم تلقوا ليلاً تعليمات من القيادة بعدم ترك أي أثر لأي شيء، حتى "المصابين والأطفال". وقال إن قائدهم أطلق على هذه العملية اسم "التنظيفات".
شهادات وثقتها بي بي سي عن صبرا وشاتيلا
عرضت بي بي سي في أكثر من مناسبة شهادات ناجين وشهود على ما جرى في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982.
نعرض في ما يلي بعضاً منها مع الإشارة إلى أن بعض التفاصيل قد تكون مزعجة:
جيم ميور: مراسل بي بي سي في بيروت عام 1982 في لقاء مع برنامج "المشهد" على شاشة بي بي سي عربي 2019.
لم تكن هناك حماية للمخيمات، كانت هناك رواية بأن مئات المقاتلين الفلسطينيين بقوا في صبرا وشاتيلا، لكن لم يكن الأمر صحيحاً. كان واضحاً أن الإسرائيليين خططوا سابقاً لدخول الميليشيات. كانت هناك أخبار تصل للضباط الإسرائيليين على سطح مبنى يطلّ على المخيم، الذي أُضيئ خلال الليل.
وصلت أخبار بأن هناك مئات القتلى في المخيم، مقابل إصابة في قدم أحد المقتحمين.
إنْ كنت قائد مجموعة تقتحم مكاناً فمن الطبيعي أن تتكبد خسائر أكثر، إذا ما واجهك مدافعون عن هذا المكان.
كفاح عفيفي: شاهدة ولدت ونشأت في مخيم شاتيلا – برنامج "المشهد" 2018.
كان عمري 11 عاماً، كنا جالسين في المنزل، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي بإلقاء قنابل مضيئة على المخيم وبدأ القصف.
خرجنا من المنزل باتجاه ملجأ قريب، لكن أحدهم جاء وأخبرنا بأنه علينا الفرار: إنهم يذبحون الجميع.
قرّرت مجموعة من المسنين مفاوضة الميليشيات لأن أغلب الباقين (بعد مغادرة الفصائل الفلسطينية) هم من الأطفال والنساء والكبار في السنّ، فلحق بهم أخي وشاهدهم يُقتلون.
سرنا وراء شاب حتى وصلنا إلى مستشفى غزة (داخل المخيم)، شاهدنا أفظع المشاهد، الجثث على الأرض ونحن نعبر من فوقها.
رآنا إسرائيليون، فأخذونا جميعاً إلى ملعب "المدينة الرياضية"، فرّقوا بين الرجال والنساء. بدأوا بمناداة الشباب ورميهم بالرصاص أمامنا. ابنة عمتي كانت حاملاً، شقّ أحدهم بطنها ووضع الرضيع بجانبها.
رجل ركض ليحمي أبناءه - كانوا يرتدون زي الأطباء - فغمرهم لكنهم قتلوه مع أبنائه.
أسر الجيش الإسرائيلي كفاح بعد ست سنوات خلال محاولتها تنفيذ عملية عسكرية مع حركة "فتح" الفلسطينية، ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. وأفرِج عنها لاحقاً عام 1995.
بيان نويهض: باحثة ومؤرخة لبنانية، وثّقت تفاصيل ومعلومات المجزرة في كتاب "صبرا وشاتيلا" – "المشهد 2019:
رجل خمسيني ضربوه ورموه في حفرة إلى جانب آخرين، قال إن الرائحة المنبعثة من الحفرة كانت توحي بأن شيئاً ما قد حدث. ثمّ شاءت الصدفة أن يتعرف عليه أحد المسلحين الذي يعرفه سابقاً، فطلب إنقاذه من الحفرة. الرجل يروي أن خلال مغادرته المكان، سمع صوت إطلاق النار آتياً من الحفرة وتكهن بأن جميع من فيها قُتلوا.
بيان نويهض قالت إنّ رواية القتل داخل الحفرة تكرّرت على لسان عدد من الناجين.
الدكتورة سوي آنغ شانغ: طبيبة كانت تعمل في مستشفى غزة داخل المخيم: برنامج "شاهد على التاريخ" - 2017
مساء يوم 15 سبتمبر اقترب القصف من المخيم وعلمنا أننا محاصرون من قبل الجيش الإسرائيلي.
أغلب الجرحى كانوا من النساء، مع إصابات بأسلحة رشاشة. كانت الإصابات في الفكّ والرأس والذراع والساق. سمعت في البداية أن قناصاً يطلق النار على من يذهب لجلب الماء، وأنه خلال فترة بعد الظهر، دخل مسلحون إلى المنازل وأطلقوا النار على العائلات.
صباح يوم 18، أتى رجال الميليشيا إلى مستشفى غزة التي تحوّلت إلى ملجأ لسكان المخيم إلى جانب الجرحى. طلب أحد رجال الميليشيات من الأجانب الخروج.
كانت هذه المرة الأولى التي أغادر فيها الموقع. رأينا الرجال والنساء والأطفال في مجموعات محاطين بالجنود. قلت لنفسي يا إلهي، هل سيطلقون النار على جميع هؤلاء الأشخاص؟
خلال سيرنا، حاولت إحدى النساء إعطائي طفلها، وأدركت من خلال النظرات في عينيها أنها تعتقد أنها ستُقتل وأنّي عليَّ أن آخذ طفلها. لم يسمح لي الجنود ودفعونا في أحد الممرات، وعندها رأيت جثث الموتى. حاولت النظر إلى وجه أحدهم لأني اعتقدت أني أعرفه، واكتشفت أنهم اقتلعوا عينيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.