لأكثر من نصف قرن ظلت إذاعة القرآن الكريم من القاهرة، مُتنفس لدى الملايين من صخب الحياة اليومي، صوت الساعات الأولى من الصباح، ملاذ الجدات في البيوت، الاختيار الأولى لأصحاب المحلات والمقاهي وقائدي السيارات، وملجأ الباحثون عن فتوى أو إجابة عن سؤال ديني يؤرقه، إذ باتت منذ إنشاءها في الستينيات المِنبر الأول لعشاق القرآن الكريم. خلال اليوم العالمي للإذاعة - اليوم الخميس- عايشنا وتيرة العمل داخل إذاعة القرآن الكريم، قضينا ساعات وسط أروق الاستديوهات، وكان لنا حوار مُطول مع الأستاذ حسن مدني، رئيس إذاعة القرآن الكريم، الذي تحدث لمصراوي عن الإجراءات التي طُبقت في الفترة الأخيرة لتطوير أداء الإذاعة، مكانتها وسط الإذاعات الأخرى المحلية وفي العالم الإسلامي، مصير الأرشيف الكبير الخاص بالشيوخ الأجلاء أصحاب الأصوات البديعة. أيضا تطرق الحوار إلى كيفية اختيار الموضوعات التي تُناقش في الإذاعة، الانتقادات التي توجه أحيانًا إلى الأداء، كيفية مواجهة التطرف الفكري والتماشي مع خطوات الدولة نحو تطور الخطاب الديني، أبرز الأسئلة الشائعة من المستمعين، وبالطبع خطتهم للاحتفاء بعيد الإذاعة العالمي من خلال تسجيلات نادرة وخطة لهذا اليوم. - في البداية.. كيف يمر اليوم العالمي للإذاعة داخل استديوهاتكم؟ نسعد باليوم العالمي للإذاعة، لذلك أعددنا خطة كاملة من أجل الاحتفال بهذا الحدث على مدار اليوم، أردنا بهذه المناسبة أن نُعيد مستمعينا إلى الأصوات الجميلة لأوائل القراء والمبتهلين لاسترجاع ذكرياتهم مع التلاوات التي أحبوها منهم الشيخ محمد رفعت وكامل يوسف البهتيمي. - هل تقتصر الاحتفالية على إذاعة تلاوات كبار المقرئين؟ قمنا أيضًا بإذاعة أحاديث تراثية بأصوات بعض العلماء القدامى من أصحاب الأدوار الهامة في الدعوى الإسلامية مثل الشيخ أحمد حسن البقوري والشيخ "عبدالحليم محمود". فضلًا عن إجراء حوار مع دكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، يتحدث فيه عن دور إذاعة القرآن الكريم في نشر الوسطية بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة، وأيضًا لقاء مع فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، الذي أشار إلى دور إذاعتنا في نبذ التطرف والعنف ونشر قيم التسامح ودورها في المجتمع المصري. -مع انتشار الإذاعات المختلفة.. كيف ترى مكانة إذاعة القرآن الكريم الآن؟ بلا تحيز أو تعصب هي الإذاعة الأولى في مصر والعالم الإسلامي، يستمع إليها يوميًا الملايين، يظهر ذلك جليًا في تفاعل المستمعين معنا من خلال المداخلات الهاتفية ووسائل التواصل المختلفة، فهي تحظى بكثافة استماع كبيرة. - شُكلت مؤخرًا لجنة لتطوير إذاعة القرآن الكريم.. ما هي أبرز قراراتها؟ بعد مباحثات ودراسة قررت تلك اللجنة رفع البرامج المتشابهة من خريطة الإذاعة، سواء كانت تُقدم محتوى قريب في نفس المعنى أو برامج استنفزت غرضها التي أُذيعت من أجلها. - هل ساهم ذلك في إتاحة مساحة أكبر لتلاوة القرآن الكريم؟ بالطبع، فقط صارت نسبة تواجد القرآن الكريم تلاوة وترتيلا 80 % مقابل 20 % فقط للبرامج. - ما هي البرامج الأبرز داخل الإذاعة في الآونة الأخيرة؟ لدينا عدد من البرامج الهامة من بينها "بريد الإسلام" و"براعم الإيمان" فضلًا عن البرنامج الأسبوعي "بين السائل والفقيه" للإجابة على أسئلة المستعمين في محتلف نواحي الحياة. وبرنامج "الوقف والابتداء" الذي يُعلم المتلقي كيفية القراءة الصحيحة للقرآن الكريم وفترات مفتوحة تقدم الاثنين والأربعاء تتناول موضوعات عن شؤون الدين، وشرح السنة النبوية المطهرة، وبرنامج لفضيلة المفتي يُذاع يوم الجمعة، وبرنامج لوزير الأوقاف. - انتقد البعض خلو برامج من الجاذبية والتفاعل.. ما تعليقك؟ نحن لا نستخدم الموسيقى أو المؤثرات الصوتية في الإذاعة، إلا في أضيق الحدود مثل المؤثرات الطبيعية وهو بالتأكيد يلعب دورا كبيرا في تحسين الصوت والأداء، ورغم عدم وجوده يبذل المذيعين جهدا كبيرا لكي يصلوا إلى المستمعين، لكننا نسعى لتطوير الأداء دائمًا. - وكيف تدور عجلة التطوير الخاصة بأداء البرامج؟ راعينا وجود حيوية في أداء المذيعين والضيوف، أثناء مخاطبة المستمع، والابتعاد عن "الموات" خلال مناقشة الموضوعات الدينية، وأيضًا ترك الكلمات الصعبة وغير المناسبة على آذان المُتلقي، لأن اللغة بها مستويات عديدة يجب استخدام الأقرب للمستمعين. - ما هي أكثر الأسئلة الشائعة من الجمهور فيما يخص الفتاوى؟ خلال الفترات المفتوحة والبرامج المتخصصة في الفتاوى نستقبل مداخلات عديدة وتنحصر أغلب الأسئلة حول المواريث وصلة الأرحام والطلاق والرضاعة والنسب وبر الوالدين. - هل بعض الأسئلة تبدو غريبة أو طريفة أحيانًا؟ هناك أسئلة نتلقاها تحمل نيات خبيثة من أصحابها، محاولة لبث روح الفُرقة في المجتمع، نرفضها بالطبع، وأحيانا نستقبل مكالمات لأن صاحبها يرغب فقط في الظهور بصوته عبر الإذاعة. أما عن الأسئلة التي تخرج عن إطار المجتمع والدين والأعراف، نطلب من صاحبها التوجه إلى دار الإفتاء مباشرة لكي يتلقى إجابة عنها. - ماذا عن أرشيف الإذاعة الذي يضم تلاوات نادرة؟ لدينا تراث رائع، المكتبة الإذاعية مليئة بأصوات لكبار القامات في التلاوة مثل الشيخ محمد رفعت وعبدالباسط عبدالصمد ومحمد محمود الطبلاوي، وغيرهم من الشيوخ الأجلاء، لذلك استخدمنا وسائل التنقية الحديثة لنقلها من الأشرطة التي يمكن أن تتعرض للتلف إلى "الكمبيوتر" وقاعدة مركزية داخل "ماسبيرو". - وما هي خطتكم من أجل إذاعتها بصورة دورية للمسمتعين؟ نعمل على إذاعتها جميعا تباعا على مدار الأسبوع، ونحرص على إذاعة تلاوات مختلفة، وتتراوح ما بين دقيقتين وأخرى تمتد ل5 دقائق، وأحيانًا تصل إلى 15 دقيقة و"نص ساعة" و45 دقيقة. - لماذا لا تتواجد الإذاعة على مواقع التواصل الاجتماعي؟ إذاعة القرآن الكريم متوفرة على الإنترنت من خلال موقع "ماسبيرو" التابع للهيئة الوطنية للإعلام، بها إشارة بث والعديد من التلاوات لكبار المشايخ وفيديوهات مختلفة من أشهر برامجنا، يمكن الإطلاع عليها، وأيضًا للهيئة صفحة على "السوشيال ميديا" لمن يرغب في التواصل معنا. وأعتقد أن المستمعين لا يواجهون أزمة في الوصول إلينا عبر البث الإذاعي المستمر على مدار اليوم. - ما تعليقكم على عدم وصول بث الإذاعة إلى بعض المناطق؟ موجه إذاعة القرآن الكريم تصل إلى كافة أنحاء الجمهورية، أحيانًا نظرًا للتغيرات المناخية قد يحدث تشويش على البث لكن سرعان ما يعود مرة أخرى. وعندما نستقبل أية شكاوى من المستمعين نتحرك على الفور من بينها انقطاع البث في السويس وقمنا بالتدخل وإعادته مرة ثانية. - في حرب الدولة ضد التطرف الديني.. كيف تشاركون في تلك التجربة؟ نشارك الدولة المهمة ذاتها من خلال برامجنا، وعلماء الدين الذين يقدمون المفهوم الصحيح للنص القرآني، لأن التطرف يأتي نتيجة لتفسيرات خاطئة للدين، لذلك لدينا تواجد فعال في كافة مؤتمرات الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ونستمد الكثير من المفاهيم والموضوعات خلالها ونطرحها على المستمعين. - ماذا عن المقرئين جُدد في إذاعة القرآن الكريم؟ يتم الدفع بصورة مستمرة بمقرئين جدُدد، هناك لجنة تنعقد يوم الأربعاء من كُل أسبوع للاستماع إلى الأصوات الجديدة لتصفيتها واختيار الأفضل، وكلما نجح قاريء في الاختبارات يُضاف إلى قائمة المقرئين في إذاعة القرآن الكريم.