في العاشرة صباحًا، وقفت سيارة في منتصف شارع جدة المتفرع من شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، محملة بعدد من عمال وفنيي شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالجيزة، يرتدون السترات الفوسفورية والخوذ البيضاء، تجمعوا حول إحدى بالوعات الصرف الصحي، ونزع غطاءها، لتنفيذ أول تجربة للشبكة الحديدية، التي تم تركيبها أسفل الغطاء "دي محاولة لمنع تكرار حوادث سقوط الأطفال في البالوعات اللي بيتسرق غطاءها"، يقول "زكي حنفي"، مدير إدارة الصيانة والصحة المهنية بالشركة. حالات سقوط المواطنين في بالوعات الصرف الصحي، تسببت في عدد كبير من حالات الوفاة، يشرح "حنفي" أن العديد من خطوط الصرف الصحي ببعض المناطق يتراوح عمقها من متر إلى تسعة أمتار، وذلك بحسب نوع الخط؛ هل هو رئيسي أو فرعي "الطفل بالذات لو وقع في بلاعة من الصعب أخرّجه حي بسبب عمقها". الشبكة الحديدية الجديدة مصنوعة من مادة الاستيل المقاومة للصدأ، تتكون من أربعة أجزاء مفصلية، يتحرك كل جزء باتجاه آخر في حالة الفتح والغلق، لتسهيل أعمال الصيانة للعاملين، تتحمل وزن يصل إلى 350 كيلو جرام، قام حازم الشاعر، مدير عام السلامة والصحة المهنية بالشركة، بإجراء تجربة حيّة ووقف عليها بجسمه الذي يزن أكثر من 80 كيلو جرام، مشيدًا بصلابة الشبكة ودرجة احتمالها "مستحيل تسقط"، وفق ما قال. على مدار السنوات الماضية، شهدت بعض المحافظات العديد من حوادث السقوط في بالوعات الصرف الصحي المكشوفة "بدون غطاء"، نتيجة انتشار عمليات سرقة الأغطية، وتسببت في إزهاق أرواح عدد من المواطنين، بلغوا 13 مواطناً خلال العام ونصف الماضي، آخرهم كان الطفل "ياسين"، الذي لم يتجاوز عمره ال6 سنوات، ولقى مصرعه نهاية أغسطس الماضي، إثر سقوطه داخل بالوعة صرف صحي "مكشوفة" أمام نادي الطالبية بالجيزة. تكرار هذه الحوادث التي شغلت الرأي العام، دفعت أعضاء لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، إلى مناشدة الحكومة بتقديم حل لمشكلة بالوعات الصرف الصحي غير المغطاة، فكان الحل المؤقت بالنسبة لمسئولي شركة المياه والصرف الصحي بالجيزة، تركيب الشبكات الحديدية، لحين حل أزمة سرقة الأغطية "ناقشنا كذا اقتراح لمنع السقوط حتى توصلنا إلى الشبكة الحديدية التي تثبت في الجسم المعدني للبلاعة" يقول المهندس علاء أبو العلا، مدير عام الورشة العمومية بشركة المياه والصرف الصحي. يضيف أنه تلقى اتصالًا هاتفيًا، بعد حادثة الطفل ياسين، من رئيس مجلس إدارة الشركة يخبره بعقد اجتماع مع العديد من الإدارات الأخرى للوصول إلى حلول لأزمة سرقة أغطية البالوعات في مختلف المناطق، والتي تعرض حياة الناس للخطر "كنا عاوزين حل لمنع السقوط وفي نفس الوقت يسهل عملية نزول المعدات لتنظيف البلاعات"، يقول علاء. وترجع سرقة أغطية البالوعات، بحسب المهندس منصور بدوي، رئيس مجلس إدارة شركة الجيزة لمياه الشرب والصرف الصحي، إلى ارتفاع سعر الغطاء، الذي يبلغ 5 آلاف جنيه، ويصل وزنه إلى 300 كليو جرام، مما يدفع اللصوص إلى سرقته، ويتم صهره واستخدامه مرة أخرى، ما يكبد الدولة خسائر بالملايين كل عام، لذا تنوى الشركة في الفترة المقبلة تصنيع أغطية خفيفة الوزن مصنوعة من الحديد الزهر، ذا القيمة المنخفضة، ما يقلل محاولات السرقة. عدد أغطية بالوعات التي يتم سرقتها سنويا؛ تتراوح بين 25 ألف إلى 30 ألف غطاء بالوعة، بحسب تصريح سابق ل"أحمد معوض"، نائب رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، فيما ذكر عادل حسني رئيس شركة الصرف الصحي بالقاهرة، في تصريح تليفزيوني، أن المحافظة تشهد سرقة ما يقارب ال5 آلاف و500 غطاء بالوعة سنويًّا، بمعدل سرقة 15 غطاء بالوعة يوميًا. "تركيب شبكة حديدية أسفل غطاء البلاعة مش الحل الأمثل"، كما يري العميد طارق عبدالخالق رئيس قطاع تشغيل وصيانة الصرف الصحي، موضحًا أنها حل مؤقت للحفاظ على أرواح المواطنين، وأن الشركة تقوم في الوقت الحالي بتصنيع غطاء جديد بإمكانيات وعوامل امان عالية تجعله صعب السرقة. على بعد أمتار من العاملين، وقف أحمد سيد، أحد سكان شارع جدة، يتابع خطوات تجربة الشبكة الجديدة، يقول "البلاعة في وش البيت كنت بخاف أطلع اولادي وحدهم لحد يقع فيها"، فيما يتمنى الرجل الخمسيني، أن تكون هناك دوريات مستمرة على كل غرف الصرف الصحي للحفاظ على الأطفال. بينما يأمل رئيس مجلس إدارة شركة الجيزة لمياه الشرب والصرف الصحي من المواطنين الإبلاغ الفوري في حالة وجود بالوعات بدون غطاء على رقم الشركة "125"، لكي تقوم الشركة بالتعامل الفوي مع البلاغ "ولابد يتحقق أي مواطن من أي شخص يحاول نزع غطاء البلاعة أمام منزله، لأنه بذلك يهدد حياة أطفاله".
