بينما عمّت فرحة كبيرة قلوب المصريين بعد إعلان الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف"، في يناير الماضي، خبر فوز مصر بشرف تنظيم بطولة كأس الأمم الإفريقية 2019؛ كانت فرحة أكبر لدى "أحمد إسماعيل"، بائع التيشرتات والأدوات الرياضية بمنطقة العتبة. يجد الرجل في البطولة مصدر رزق، يفتح "أبواب الشُغل" أمامه، ويزيد حركة البيع "شهر البطولة ده موسم وحاجة بتيجي تفرّحنا كل فترة". بجوار سور حديدي على أحد أرصفة منطقة العتبة، كان "أحمد" يتابع عمله مع الزبائن، يمسك بيده "تيشيرت" اللاعب محمد صلاح لاعب المنتخب المصري ونجم منتخب ليفربول الانجليزي، يتفاوض معه المشتري على السعر، فيما يقول الرجل صاحب الخمسين عامًا، متذكرًا حالة البيع عام 2006 عندما استضافت مصر البطولة "البضاعة اللى كانت بتيجي كانت بتتباع في يومها". لذا اعتاد منذ ثلاثة أشهر اصطحاب ابنه الأصغر معه لمساعدته في عملية البيع، يتحركان معاً صباح كل يوم من منشية ناصر "لازم حد يكون معايا علشان لما البضاعة تتباع يروح يجيب غيرها من مكتب الجملة بحارة اليهود". عشرون عامًا هي فترة عمل الرجل بتلك المهنة، مرّ عليه العديد من البطولات واللاعبين الذين يصفهم بأنهم السبب في مضاعفة عملية البيع، يقول إن هناك تشيرتات تحظى بنسبة مبيعات كبيرة، حتى في غير مواسم البطولات، مثل "صلاح وكريستيانو وميسى الناس دي لو راحت أي فريق الناس هتشترى التشيرت بتاعهم". في منتصف حارة اليهود بالموسكي، بدا المشهد مألوفًا، الممرات الضيقة التي تضم محلات تجارية مزدحمة، وأصحاب المحلات مشغولون بالبيع وجذب الزبائن، فيما كان حسني السيد، وصديقه محمد، يتجهان إلى محلات بيع الأدوات اللازمة للتشجيع مثل الأعلام وغيرها، لشراء ما يحتاجانه لمكتباتهما "في رمضان كنت ببيع في المكتب فوانيس وفي عيد الحب دباديب ودلوقتى بشتري بضاعة لبطولة أمم افريقية علشان عليها ضغط"، وفق ما يذكر حسني. في كل مباراة للمنتخب الوطني "الناس بتيجي تسألني على الأعلام والتيشرتات" وفق قول حسني، لذا أتى وصديقه من منطقة أرض اللواء إلى حارة اليهود لتزويد مكتباتهما ببضاعة تناسب الحدث الكروي الأضخم "المناسبات الكروية فرصة ورزق بالنسبة النا، ناس كتير بتسألني في المكتبة على الأعلام لما بيكون في مباراة علشان كده أنا اتعودت أشتريها وأخليها عندي هي والتشيريات". "يارب مصر تستمر لآخر البطولة وتفوز" قالها محمد، بينما كان حسني يتفاوض مع أحد أصحاب محلات الجملة على كمية من الأعلام اختارها، موضحًا أن استمرار مصر في المباريات يعنى استمرار عملية البيع والشراء لديه "شهر البطولة بيكون حاجة ممتعة للشعب المصري وحاجة بتزود الدخل لينا". بداخل أحد محلات الجملة بالموسكي، جلس محمد صبري على مكتبه يتابع العمال الذين همّوا في ترتيب البضاعة على رفوف المحل. يتردد عليه العديد من أصحاب المحلات بمحافظات الصعيد لشراء الاعلام، يقول إن حركة البيع والشراء تسير بشكل جيد، ما استدعى استيراد كميات كبرى من الأعلام وأدوات التشجيع من الصين "بيكون عندنا كميات لكن قليلة لمناسبات زي الانتخابات وغيرها، لكن بطولة كأس الأمم استعداداتها بتختلف وبتحتاج شغل كتير". ويتراوح سعر العلم المصري الصغير بحسب "محمد" ما بين جنيه ونصف وحتى 19 جنيها على حسب الخامة والحجم بينما تصل "زمارة الصوت إلى 7 جنيهات والبروكة ب15 جنيها"، فيما يشير إلى أن التجار يلجأون دائمًا إلى استيراد هذه الأدوات من الخارج لأن "الشغل المستورد شغال أحسن من المصري". قبل يومين من موعد أي مباراة للمنتخب، اعتاد علي محمد، بائع الأعلام المتجوّل، أن يأتي إلى حارة اليهود، لشراء ما يلزمه، بعدها يتخذ طريقه إلى الشوارع المختلفة، والطرق الممهدة إلى الاستادات "دي أيام شغل كتير عشان البطولة عندنا، فلازم نتحرك ونبيع ونسعى ورا الرزق". يوم الجمعة الماضية، قرر الشاب الذي يقطن بمنطقة إمبابة، الذهاب إلى ملعب الجيش ببرج العرب بمدينة الإسكندرية لبيع الأعلام أثناء المباراة الودية التي أقيمت بين مصر وغينيا مساء يوم الأحد، اتجه يوم السبت إلى محلات الجملة بحارة اليهود بالعتبة لشراء ما يكفيه من الأعلام وأدوات التشجيع "يوم المباراة ركبت القطر المميز الصبح، قولت أروح أبيع وكمان فسحة"، على أمل أن يعود في نهاية اليوم مجبور الخاطر، وقد كان "ربنا كرمني وبعت كل اللى كان معايا". اختلاف كبير في حركة البيع والشراء بالنسبة ل"علي"، حين تلعب مصر على أرضها، وحين تلعب في دولة أخرى "في البطولات اللى بتلعب فيها مصر برة ببيع الأعلام في الشوارع والميادين، لكن دلوقتي هبيع أكتر قدم الاستادات"، فيما يتذكر الوضع عام 2006 "كنت كل ما أجيب بضاعة اخلصها واروح أجيب غيرها بس الأسعار كانت رخيصة"، يتمنى أن تستمر مصر في الفوز حتى الحصول على البطولة "يارب مصر تفوز علشان نبيع أكتر" يقولها بابتسامة. على ناصية أحد الشوارع الصغيرة جلس بائع ألعاب نارية، رفض ذكر اسمه، بجوار عربة خشبية صغيرة، تحمل بضاعته يقول الشاب "احنا الحمد لله بنبيع وناس كتير بتيجى تشتري علشان البطولة". يتابع الشاب الذي لم يتعدى عمره ال20 عامًا، أن الألعاب النارية ليست خطرة بدرجة كبيرة ما دام استُخدمت بشكل صحيح "دى حاجة بتفرح الناس وبتستخدم في الأفراح"، وفق ما يقول. منذ علم الشاب بفوز مصر بالبطولة وهو يستيقظ في بداية كل صباح بمنزله بمنطقة الدرب الأحمر، يصطحب عربته إلى السوق لبداية يومه على عكس الأيام الأخرى "لو الشماريخ هتكون ممنوعة في الاستادات فالناس بتستخدمها في الشوارع بعد كل فوز، هي حاجات بتزود التشجيع علشان كده احنا بنكثف الشغل على عكس الأيام العادية، وربنا يكرم مصر بالبطولة".