دأب طالب الصف الثالث الإعدادي، منذ أن كان طفلًا على نسج الأحلام، ورسم الجسور بقناديل الأمل للعبور نحو مستقبل مُشرق يُشبه ما يقرأه في الروايات، إلا أن القدر لم يُمهله طويلًا، فما لبث أن التهم الظلام عالمه، بعدما فُجع بتسلل التهاب ل"شبكية العين"، فتسرب الضعف لبصره بخطوات حثيثة، إلى أن فارقه النور. لم يقف أحمد أبوهميلة، مكتوف الأيدي في ليالي العتمة، فعمد إلى تفعيل بصيرته وشغفه لإحياء أحلامه من جديد، تلك التي لم تتسع لها المدارس الخاصة بالمكفوفين، صمم على الالتحاق بالمدارس الحكومية في المرحلة الثانوية، عزم على مجابهة صعوبات الاستذكار، من خلال مساعدة المعلمين وزملائه الذين وقفوا بجانبه وسجلوا له المواد، للتيسير عليه، حتى حصل على مجموع 96%، ليحقق حلمه في دخول كلية الإعلام، وتحقيق حلم مجلة "أخبار برايل" تهتم بالمكفوفين، وتكليل المجهود بتكريم الرئيس عبدالفتاح السيسي له على هامش الجلسة الختامية لمؤتمر الشباب الوطني الثالث بالإسماعيلية قبل أيام. يتحدث أبوهميلة عن تجربته قائلًا:"مريت بمشوار صحفي قاسي من بداية تخرجي عام 2006، وحتى تعييني في جريدة المصري اليوم، لأن الصحافة بالنسبة ليا حلم، لم يبدده فقداني للبصر، وعزمت منذ 2008 على السعي في عمل مجلة متخصصة لمخاطبة ذوي الاحتياجات البصرية بالتحديد"، وأضاف: "قمنا بعمل تجارب عديدة، تحت قيادة الصحفي أحمد الميرغني، بجريدة الأخبار، إلّا أنها باءت جميعها بالفشل لعدم وجود كيان يدعمنا في التمويل، حتى أعجب الصحفي ياسر رزق بها، ليتبناها بإصدار مجلة أخبار برايل، التي تتبع مؤسسة أخبار اليوم، في مارس الماضي، ليصبح لديها هيكل مالي وإداري مستقل".. يروي أبوهميلة لمصراوي، بداية حلم مشروعه الصحفي. ولفت الشاب العشريني إلى أن هيئة تحرير المجلة 5 أشخاص، جميعهم من المكفوفين من خريجي كلية الإعلام، يهدفون بمجلتهم إلى مخاطبة شريحة من ذوي الاحتياجات البصرية، لنشر الوعي بالقضايا الراهنة والفكر المستنير والمعتدل. واستكمل حديثه قائلًا: "دايما ذوي الاحتاجات البصرية لا يجدون أمامهم سوى الكتب بطريقة برايل، وهي كتب قديمة، فمحتاجين لمنشورات تخاطبهم، وعلشان كده كانت مجلتنا شهرية، شاملة لتقديم وجبة متكاملة في كل المجالات للتوعيه بالأحداث اللي بتحصل أولا بأول، لربط الفئة الكبيرة وتنويرها بالأحداث الآنية في المجتمع". وعن الخطوات الأولى التي سبقت التكريم، أشار أبوهميلة، إلى أن لقائهم مع وزير الشباب والرياضة، المهندس خالد عبدالعزيز، خلال إجراء أول حوار معه، احتضن وعدًا بتقديم المجلة للرئاسة لعرض تجربتهم في مؤتمر الشباب. وتابع: "الرئاسة اعجبوا بفكرتنا، وكلموني علشان أكون ممثل عن مجلة أخبار برايل، لكوني الوحيد عضو نقابه الصحفيين من هيئة التحرير، وسجلنا فيديو يعرض التجربة، سافرت بعده للمؤتمر، وأنا عتقد ان الي هيتم مجرد عرض للتجربة". وأعرب مؤسس أخبار برايل، عن دهشته من مناداة اسمه وتكريمه من قبل الرئيس: "لما نادوا اسمي فوجئت بالتكريم، وحسيت لما الرئيس اختارني شخصيًا إنه تكليل لسعي سنين فاتت، وانبسطت إنه قدر يوصله مجهود شباب بالشكل ده ويقدره ويثمنه، وهو ما آثار فيه عهد أن أكون على قدر من المسئولية لعمل تجربة صحفية قوية". وعن ما دار بينه وبين الرئيس على منصة التكريم، أشار أبوهميلة إلى أنه شكر الرئيس على اهتمامه بذوي الاحتياجات الخاصة، مضيفًا:"قولت له إننا عايزين نتعاون لتطوير المجلة، فأكد لي إنه وأثناء عرض الفيديو الخاص بي كتب في مفكرته الخاصة بعض الملحوظات والتوصيات عن المجلة، وقالي عايزين ندعمك ونحدد لقاء لمناقشة سبل دعم التجربة علشان تنتشر بشكل أكبر". وكشف أبوهميلة، عن تواصلهم مع مكتب السيسي، بعد المؤتمر، لترتيب بعض الأمور التي سيعلن عنها قريبًا، لتكون مجلتهم منبر لعدد من الأنشطة الثقافية والعلمية للمكفوفين في جميع المحافظات في اماكنهم، وتكون همزة وصل بينهم وبين الوزارات المختلفة لحل مشاكلهم. ولفت إلى نيتهم عن عمل مشروع منبثق عن المجلة تحت مسمى "الكتاب الملموس"، بهدف التوسع في نشر الكتب بطريقة برايل، علاوة على نشرها بطريقة برايل باللغة الإنجليزية، بغية مساعدة مجتمع ذوي الإعاقة في مصر. وكانت لحظة الإعلان عن هُوية عام 2018، ليكون لذوي الاحتياجات الخاصة، فارقة لدى أبوهميلة، حيث سطرت اعتراف رسمي عن انتهاء عهد من التهميش وبداية جديدة زاخرة بالتمكين والدعم ل15 مليون من ذوي الإعاقة. وأضاف: "شعرت بنقلة نوعية في الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة بعد ما عانوا لعقود من التهميش، وأن إعلان عام 2018 لذوي الاحتياجات الخاصة ليس شكليًا ولكننا سنشهد خلاله تقلد عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة مناصب في وزارات ومؤسسات مختلفة".
