تعرف على شروط الانضمام للتحالف الوطنى    الزراعة والبيئة يتابعان منظومة جمع وتدوير قش الأرز ومكافحة السحابة السوداء بالشرقية    أمين الفتوى يوضح الحكم الشرعي في تلحين آيات القرآن الكريم -(فيديو)    أول رد فعل من ناصر عبدالرحمن بشأن صورته المتداولة مع صلاح التيجاني    وكيل الأزهر يستقبل وزير الأوقاف الصومالي السابق ويهنئه بتكريم رئيس الجمهورية    خبير اقتصادي: الذهب سلعة استراتيجية آمنة تحمي المستثمر    الوكالة الذرية توافق على القرار المصري بتطبيق نظام الضمانات الشاملة بالمنشآت النووية في الشرق الأوسط    تزايد الضغط للدعوة إلى انتخابات مبكرة في أيرلندا عقب ارتفاع شعبية رئيس الوزراء    استشهاد وإصابة 7 فلسطينيين جراء اقتحام قوات الاحتلال لجنين بالضفة    10 لصوص خلف القضبان.. تفاصيل القبض على شبكة سرقة بالقاهرة    القوات البحرية تنجح فى إنقاذ مركب هجرة غير شرعية على متنها 45 فردا    موقف إنساني ل هشام ماجد.. يدعم طفلًا مصابًا بمرض نادر    رئيس الإنجيلية يلتقي محافظ المنيا لتهنئته بتولي مهام المحافظة    أمين الفتوى: المرأة الناجحة توازن بين عملها والتزامات بيتها    مصر بجوار المغرب.. تعرف على قرعة أمم أفريقيا للكرة الشاطئية    جوارديولا يحسم الجدل حول الذهاب إلى الدوري الإيطالي    التحالف الوطني للعمل الأهلي يوقع مع 3 وزارات لإدارة مراكز تنمية الأسرة والطفولة    الدكتورة رشا شرف أمينًا عامًا لصندوق تطوير التعليم بجامعة حلوان    مباحث الدقي تكشف حيلة عاطل للاستيلاء على مبلغ مالي من مالك مطعم شهير    الطقس غدًا .. ارتفاع كبير في درجات الحرارة والعظمى 39° والمحسوسة 41°    حكايات| شنوان.. تحارب البطالة ب «المطرقة والسكين»    ورشة للمخرج علي بدرخان بالدورة ال40 لمهرجان الإسكندرية السينمائي    جيش الاحتلال: مقتل ضابط وجندى فى استهداف بصاروخ مضاد للدروع على الحدود مع لبنان    حسن نصر الله: شن إسرائيل حرب برية على لبنان فرصة تاريخية لنا    "مجلس حقوق الإنسان": المجتمع الدولى لا يبذل جهودا لوقف إطلاق النار فى غزة    مرصد الأزهر يحذر من ظاهرة «التغني بالقرآن»: موجة مسيئة    مستشفى "حروق أهل مصر" يعزز وعي العاملين بالقطاع الصحي ضمن احتفالية اليوم العالمي لسلامة المرضى    العلاج الطبيعى تجرى 30 ألف جلسة وتنظم 89 اجتماعا فنيا خلال أغسطس بصحة الدقهلية    مركز الأزهر للفتوى: نحذر من نشر الشذوذ الجنسى بالمحتويات الترفيهية للأطفال    حبيبتي | مادونا | يرقة | نية | بين البينين تنافس بخمسة أفلام قصيرة بمهرجان طرابلس للأفلام بلبنان    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    رسميا.. موعد صرف معاشات أكتوبر 2024 وطريقة الاستعلام    سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد المركز التكنولوجي وأعمال تطوير ميدان الزراعيين    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    الزمالك ينتظر خطوة وحيدة قبل التحرك القانوني ضد الجابوني أرون بوبيندزا    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    «المركزي» يصدر تعليمات جديدة للحوكمة والرقابة الداخلية في البنوك    محاكمة القرن.. مانشستر سيتي مهدد بالطرد من جميع مسابقات كرة القدم    ارتفاع حصيلة ضحايا العاصفة بوريس ل 22 قتيلًا وسط وشرق أوروبا    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    توقعات برج الحمل غدًا الجمعة 20 سبتمبر 2024.. نصيحة لتجنب المشكلات العاطفية    القسام تُعلن تفجير واستهداف 3 ناقلات جند إسرائيلية في رفح    بنك إنجلترا يبقى على الفائدة عند 5 %    "الموت قريب ومش عايزين نوصله لرفعت".. حسين الشحات يعلق على أزمتي فتوح والشيبي    وزير التعليم العالي: لدينا 100 جامعة في مصر بفضل الدعم غير المحدود من القيادة السياسية    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    "بيوصل خمور لأمها وعاشرها مرة برضاها".. مفاجأة في اعترافات مغتصب سودانية بالجيزة    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    لبحث المشروعات الجديدة.. وفد أفريقي يزور ميناء الإسكندرية |صور    الأوبرا تقدم العرض الأول لفيلم "مدرسة أبدية"    أبرز تصريحات الشاب خالد ف«بيت السعد»    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    انتشار متحور كورونا الجديد "إكس إي سي" يثير قلقًا عالميًا    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «الأمر صعب ومحتاج شغل كتير».. تعليق مثير من شوبير على تأجيل الأهلي صفقة الأجنبي الخامس    عروس تلقى مصرعها ليلة عرسها بالحسينية شرقية    الزمالك يتحرك للتخلص من هذا اللاعب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة كفاح طوسون.. يحكى أن نظام رمى شعبه ''ع الرصيف''
نشر في مصراوي يوم 23 - 01 - 2016

احتشدوا بميدان المنشية، على الرصيف المقابل لفندق الفورسيزون حيث امتلك أحمد نظيف رئيس الوزراء مكان لإقامته بالإسكندرية، اصطفوا صائحين بهتافهم الصامد "طوسون تستغيث"، كان ذلك ظهيرة يوم الاثنين، في الرابع والعشرين من يناير 2011، علا الصراخ جاذبا جمع آخر متفرجا بالجهة المقابلة، ارتبك الأمن ظنا أن خدعة أحيكت ودعوات الثورة قد بدأت استباقا، فيما كان أهالي طوسون، يستكملون ثورتهم الخاصة، المنطلقة قبل ثلاثة أعوام من هذا التاريخ، حين حولهم النظام من مواطنين لا يعبئون سوى "لأكل العيش" إلى متظاهرين ومعتصمين، بعد إجلائهم قسريا عن بيوتهم دون توفير بديل، زعما بإقامة مساكن لمحدودي الدخل، بينما المخطط الباطن يشير إلى منتجع سياحي، ليواجه 400 أسرة أصحاب سلطة، تشدقوا بالقانون، ثم ضربوا به عرض الحائط، معلنين عنادهم على لسان المحافظ: "الكرسي بتاعي قصاد طوسون"، فمرت أيام معدودة، زال بها الكرسي، وبقيت طوسون.
8 أعوام مرت على اقتحام الأمن لأرض طوسون وإخلاء 38 فدان، بعد قرار المحافظ عادل لبيب رقم 957 لسنة 2008 ذاب الأهل بعد استرداد المنطقة في 2011 أو "تحرير الأرض" كما وصفوا، منهم مَن انتقل خارجها، بعد عناء مع دخول الخدمات، ومَن يعود إليها مرة كل أسبوع، وأخرين لم يبرحوها، يجتمعون صدفة وعمدا، يجلسون في محل إقامة كبيرهم حسن مراد، يستعيدون ذكريات الكفاح، بينما تعلو العمائر من حولهم، يؤمنون صدقا ويقينا رغم كل ما مر أن الحقبة المباركية ليست ب"نعيم" كما صور البعض، واضعين قصة عناد مع الدولة في لافتة بمقدمة طوسون كُتب عليها "قرية الأمل ترحب بكم".
سقوط الحكومة في عين المواطن
في غضون الحادية عشر صباحا، من يوم الاثنين 12 مايو 2008 بدأ عناد الدولة لأهالي طوسون... خرج يوسف عطية، السائق التابع لمحافظة الإسكندرية، لإحدى المأموريات مع اللواء "ياسر المسيري"، كل ما يعلمه أنه ذاهب إلى أرض طوسون "لقيت عربيات أمن من الملاحة لحد الإصلاح واقفة، يعني حوالي 3 كيلو"، بُهت "عطية" برؤية منزله يتهدم قائلًا "ده بيتي"، فيما يخبره اللواء "دي أوامر"، كان منزل السائق ضمن قرار إزالة نحو 60 منزل، يومها لم يستطع عطية قيادة السيارة مرة أخرى "بعتوا يشوفوا سواق تاني".
انقلبت طوسون الواقعة بطريق المعمورة رأسا على عقب، لم يعد بها مكان لقدم مواطن، عساكر أمن مركزي تطوق حدود الأفدنة ال38، فيما تتحرك البلدوزرات بالخلفية، لتنفيذ قرار المحافظة، وإخراج مَن بالأرض "لأنها ملك الدولة".. طرق عنيف يدوي على الأبواب، صرخات رجال، عويل نساء، بكاء أطفال فزعا، الجميع لا يعلم شيء سوى كلمات أصحاب الرتب "اللي مش هيطلع هنهد عليه"، لم يملك الحاج "مراد" حينها سوى الرضوخ، حفاظا على أسرته، بينما يعتصر قلبه لرؤية جارته، والعساكر تسلحها خارج منزلها، فيما تصرخ "مش هسيب بيتي".
"كنا زي الدبايح كل واحد مستني يجي عليه الدور ويتهد بيته" يستعيد أشرف مصطفى، صاحب آخر منزل هُدم قبل قرار وقف الإزالة، ما هال 400 أسرة في ساعات معدودة، هرولتهم أمام عصيان الأمن، اختناق النساء بفعل قنابل الغاز المسيلة للدموع المتوالي إطلاقها، بمجرد اعتراضهم على القرار "كنا أول مرة نشم الغاز والعساكر كان معاهم أزايز بيبس وأحنا مش فاهمين ليه".
بات أصحاب البيوت ذات الطابق الواحد مشردين بين عشية وضحاها، لا بديل سوى شقق إيجار مفروش أو الأقارب، اصطدموا بعنف مع من ظنوا أنهم في خدمة الشعب "الشرطة كانت بتشد الستات من شعرها، وتجرهم عشان تخرج من الأرض" يصيح "مصطفى" كأنما يبصر ما حدث لتوه، أُزيلت نصف المنطقة، فيما عرف بالمرحلة الأولى للإزالة، بينما كان غضب الأهالي كفيل بإعاقة تنفيذ المرحلة الثانية بالتصدي لقوات الأمن على الأرض من ناحية، واللجوء إلى المحامي محمد رمضان من ناحية أخرى.
عمل "رمضان" على مثل قضايا الإزالة تلك منذ تولي عادل لبيب محافظة الإسكندرية "لما مسك في 2006 هدم بيوت ومناطق كتير واتصديت له فاتعرفت من وقتها"، لذا كانت وجهته معروفة، وحصل على حكم من مجلس الدولة بوقف قرار المحافظة "أخدنا الحكم في 4 أيام.. كان حكم سريع".
إخلاء قسري قامت به محافظة الإسكندرية حينها، ضاربة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الموقعة عليها مصر، التي تجرم ذلك الفعل، فضلا عن إقرارها بواجب الدولة بتوفير حق السكن بشكل عام، والسكن البديل لمن تقوم بإجلائهم عن منازلهم لأي سبب كان، مع هذا بدا الطعن على قرار المحافظة واضحا للمحامي، فإزالة المباني على الأراضي الزراعية تكون بأمر من المحكمة وليس جهة إدارية ممثلة في المحافظة كما يقول، غير أن فرحة الأهالي لم تدم طويلا بالحكم، لتتوالى الصدمات بنظام، تنكشف لهم عورته يوما تلو الآخر.
"حط الواو جنب النون طوسون أرضي بالقانون"
صرح المسؤولون بدءً من المحافظ، ووزير الزراعة أمين أباظة أن الأرض استيلاء لأملاك الدولة، فيما خرج طارق القيعي، رئيس المجلس المحلي الأسبق للإسكندرية، بأحقية الأهالي في الأرض لانضمامها لكردون المباني منذ أكثر من عشرة أعوام، نقلًا على لسان أشرف عبيد –أحد الأهالي- لكن طوسون لم تدخلها المرافق حتى الآن.
بعد حكم المحكمة الصادر في 19 مايو 2008، تفاجأ أهل طوسون، بأفراد شركة أمن خاصة "جيت سيرفيس" ينتشرون بالمكان بأمر من المحافظ "صاحبها فتحي الطنايحي بلاديات عادل لبيب اللي قرر يسيطر على الأرض" حسب قول "عبيد"، وأما مهمتهم منع الأهالي من دخول الأرض، والتواصل مع الداخلية للتصدي للأهالي إن فعلوا، وهو ما قابله محامي الأهالي بحكم آخر من المحكمة بعدم التعرض لسكان طوسون.
تحوّل "عبيد" من رجل يملك أرض بطوسون إلى المتحدث الرسمي باسم القضية "أهم حاجة في القضية إنها علمتني سياسة"، يعرف جيدًا أن أهمية القضية مرتبطة بالإعلام، لذا خرج بهتاف ردده الأهالي "الإعلام هو صوتنا، يمنعوه يبقى موتنا"، فيما يُشير إلى أن الإعلام قبل الثورة كان بحال أفضل، وَطن "عبيد" على أن اليأس لن يُحل شيئًا، ناقش ذلك مع الأهالي، أعلمهم أن القضية "يا نكسبها كلها يا نخسرها كلها"، واتفق مع المحامي على أن القضية "قضية شارع مش مكاتب".
بداية الحكاية
دائرة عناد لف بها أهالي طوسون، بدأت قبل أكثر من 20 عاما، حين مُنعت المياه على الأراضي الموزعة على الفلاحين عقب ثورة 1952 -حسب قول الأهالي، لتسجل أراضي الإصلاح الزراعي بالهيئة الحاملة لهذا الاسم، ويحمل المزارعون حيازتها منذ ذلك الحين، إلى أن بارت الأرض، وصار لا سبيل سوى الانتفاع بها بالبناء عليها أو بيعها، تحت أعين الهيئة كما قال سعيد عبد الماجد "لما الحيازة بتتنقل بتكون عن طريق الإصلاح الزراعي يعني هم عارفين"، فيما كاد عقل "مراد" أكبر الباقين من أهل طوسون عمرا أن يشت كلما تساءل "يعني كل السنين دي وجاي تقول أرض الدولة؟.. طيب هو أحنا مش من الدولة؟".
أربعة منازل فقط بقيت فوق ال38 فدان، انجدهم قرار الإزالة، لكن لم يرد عنها ما وصفه عبد الماجد ب"الحصار"، كان الرجل الخمسيني من حراس الأهالي للأرض، "مسمار جحا" المقلق للسلطة الراغبة في تلك الأفدنة، ما شهد صاحب ورشة سمكرة السيارات فاجعة الهدم، بل هرع للأرض ليجدها ركام منثور، عدا بيته، وأمامه فردان أمن من الشركة الخاصة، لا يقابلونه إلا بكلمات "أنت حرامي سارق أرض الدولة"، تلازم وجودهما ثلاث أعوام "ولا كأنه احتلال وأنا فلسطيني وسط اليهود.. ممنوع الخروج.. كنت بقفل على العيال وأمهم"، فمن بقي له جدران منزله كاد أن يجن جنونه "لا أنا عارف هيجوا يهدوا ولا هيسيبونا نقعد.. أسيب البيت وحد ينط يأخده ولا أخرج أبقى مع الأهالي؟".
طوسون كعب داير
المحافظة، المجلس المحلي، نواب مجلس الشعب، وزارة الزراعة... طرق أهالي طوسون كافة الأبواب المتاحة خلال الشهور الأولى من الإزالة، الواضح منها والملتف "حتى الواسطة منفعتش"، وجاء الرد صريحا، أن تلك الأفدنة خصيصا هي الغاية، لموقعها المطل على البحر والقريب من الأكاديمية البحرية، وخرجت الشائعات التي تأكد منها المحامي طيلة السنوات الثلاث، بأن المقصود ضمها لتصبح منتجع سياحي، في وقت خرج به المحافظ ليبرر القرار، بأنها من أجل إنشاء مساكن للشباب، فيما لا ينم الفعل إلا أنهم "كانوا مستخسرين الأرض في الأهالي" حسب قول "رمضان".
تمادت المحافظة بالتصريح أن الأرض حق الدولة، ومع ذلك بادرت بالمساومة مع أهالي طوسون، فعُرض على المحامي التنازل عن الأرض، مقابل بناء عقارين يجمع السكان المشردين، غير أنه رفض "الناس كان عندها بيت لها ولعيالها مش مجرد شقة"، فضلا عن الوعود الزائفة بحل المشكلة، وتقنين وضع الأرض، التي لم تنفذ "من 7 إبريل 2010 شغالين على رفع دعاوى التقنين ولسه مفيش حاجة، فيما قالها وزير الزراعة "أمين أباظة" صراحة "نصصوا مع المحافظ".
"الكرسي بتاعي قصاد أرض طوسون".. كان ذلك الرد الأول للمحافظ الأسبق "عادل لبيب" أمام نواب مجلس الشعب، في اجتماعهم الأول والأخير بخصوص القضية، يقول "عبيد" إنه لم يقف بجوارهم النواب، وقتها مُثّلت الإسكندرية بنائبين؛ مصطفى محمد من جماعة الإخوان، وعلي سيف من الحزب الوطني، ولم يزرهم قط سوى النائب الراحل طلعت السادات، وبات كل من يمثل السلطة "أعداء" في نظر الأهالي، كما يقول رمضان.
تفرّق دمّ الأرض بين المؤسسات، حينًا يُقال أن المشكلة لدى الوزير، وتارة عند محافظ الإسكندرية، وفي مرّات أخرى يصرّح للمحامي أن الأرض ستصبح ضمن أملاك نادي الاتحاد، وتارة أخرى لدى نادي سبورتنج، وفي المرتين قاموا بوقفات أمام المؤسسات الخاصة بالناديين للاحتجاج.
81 وقفة ومسيرة، اعتصام 4 أشهر و15 يوم.. ليست مجرد أرقام في حياة أهالي طوسون، إنما كفاح قبلوا خوضه ضد الحكومة، الرافضة لتنفيذ حكمين قضائيين. تلاحمت الأكتاف، الأرزقي والمدرس، حاملي الأختام وأرباب المدارس، اقتسموا الزاد والفكر، لم يخل صراخهم من عفوية الهتاف ب"عايزة ثورة يا بلادي"، اجتمعوا على قبول تحدي الحكومة في العناد، شيئا فشيئا عرفوا الطريق للهتاف، "يا محافظ فينك فينك هدوا بيوتنا وأنت في بيتك" كانت أولى صيحاتهم عما ألم بهم، فيما يرجع "عبد الماجد" سبب خروجهم للتظاهر لأن "الظلم ظلمات.. لما أرضنا راحت عرفنا كل حاجة وأن لو فرطنا فيها هيبقى فرطنا في عرضنا زي ما قالوا زمان".
الفيديو
لعبة القط والفار
تلجلجت الدولة في مواجهة طوسون، يذكر "رمضان" حينما كان في المحكمة يوم 11 يوليو 2009، واتصل به خميس جودة، ذلك الرجل المسن من أهالي طوسون، يقترح عليه إحدى أفكاره لإيصال صوتهم، أخبره أن الرئيس حسني مبارك قادم للأكاديمية البحرية لتخريج دفعة جديدة، لذا من الممكن أن ينظموا وقفة باللافتات بالطريق العمومي حيث يمر، خشي المحامي أن يثبط عزيمة الرجل، فسايره بالحديث، لم يعلم حينها أن هاتفه تحت المراقبة، حتي اختطفته سيارة أمنية ما إن خرج، أودع لساعات بأمن الدولة من الثانية عشر ظهرا حتى الثامنة مساء "قالوا لي هتفضل معانا لحد ما حفلة الرئيس تخلص".
أما المرة الثانية فكانت باعتصامهم، إذ نشر "عبيد" خبر أنهم سيقتحمون طوسون "كانوا عارفين إننا لما بنقول حاجة بنفذها"، فاجتمع أحمد نظيف، رئيس الحكومة الأسبق، مع اللواءات لمناقشة الأمر، كما قال المتحدث الرسمي باسم الأهالي، فتأهبت قوات الأمن بطوسون، فيما كان الأهالي في الدقي، ولم يتوقف الأمر حتى ليلة الثورة "مدير الأمن جه وقها بتاكسي" يقول "رمضان"، عما أحدثه تظاهر الأهالي من أجل حقهم يوم 24 يناير، دون علم أن صمودهم كان إنذار للنظام، ونفس أخير له.
سنوات من "الذل" عايشها أهل طوسون كما يصفون، كانت كفيلة لدفعهم لفعل أي شيء، وإن لم يعتدنه يوما، في سبعة إبريل 2010، اعتصم الأهالي أمام وزارة الزراعة بالدقي، بعد تعنت المسؤولين في تنفيذ قرار المحكمة، تسع أتوبيسات قدمت من الإسكندرية نقلتهم لرصيف الوزارة، التي صارت مأواهم لأربعة شهور تالية، حتى فض الأمن في اليوم الرابع من شهر رمضان، أزاحوا بأقدامهم طعام الإفطار مقطعين خيامهم.
في الاعتصام صار الأهالي "عيلة كبيرة"، قالها الحاج مراد، فيما تشابكت معه كلمات ست السيد "اللي كان معاه رغيف عيش كان بيديه للتاني"، تواجد الرجال، النساء والأطفال، كل من يمثل أهل طوسون، يُقدّم الجميع ما يقدر عليه، فيدير "مراد" مخبزه الواقع خارج طوسون، لنحو شهر فقط، ليسارع بالعودة لاعتصام الأهالي، فيما يستنزف "عطية" إجازاته بالمحافظة ليزيد الجيران قوة فرد إضافي، وتتحمل "ست السيد" المبيت مئة يوم على الأسفلت، وتُجمع "أم محمد" السيدات حولها للطعام "كنا زي عيالها الصغيرين"، ويتوفى عم دسوقي بعد شهرين من الاعتصام، ويودعه الأهالي مُكملين.
لم يكن لست السيد سوى غرفة مساحتها 72 متر، تعيش فيها مع زوجها وولديها، تُضايقها صاحبة البيت للمغادرة، فيما كانت ترممه مرارًا حتى جاءت القوات لتزيله نهائيًا، وتقرر حينها ملازمة الأهالي، من مظاهرة إلى اعتصام أربعة شهور، تحكي عن معاناتها هناك "قطعوا عننا الكهرباء ومنعونا من دخول المسجد"، أربعة شهور كاملة اصطحبت فيه السيدة ولديها "ايهاب وأحمد" معها، فيما انقطع ايهاب عن الدراسة "لما راح البيت قال خلاص أنا هكمل ليه".
بيت الأمة
بيت من طابق واحد، جدرانه البيضاء تزيده تميزا، بين بيوت وعمائر أخرى محتفظ هو بهيئته، يزينه باب حديدي أسود يحمل رقم 7، يحفظ أهل طوسون معالمه جيدا، فيه كان مقرهم، "بيت أم محمد كان بيت الأمة لطوسون" كذلك كان منزل السيدة رسمية علي لجيرانها، لا ينغلق بابه بوجه أحد طيلة أعوام ثلاثة، يجتمعون في ساحة مدخله، وأمرهم شورى بينهم، يتناقشون بشأن خطواتهم التصعيدية أمام الحكومة لاسترداد حقهم، يفصحون عما يؤرقهم في صندوق شكاوى تركوه هنا، "كان فيه ناس ياما.. تمشي ويجي غيرهم" تتذكر هبة صلاح تغيرات منزلهم، الذي فارقته والدتها لوفاتها قبل نحو ثلاثة أسابيع، تتعجب كيف استطاعت والدتها أن تجمع حولها كل هؤلاء، وهي السيدة، التي ما كانت تتمنى في الدنيا سوى الستر، بعد وفاة زوجها قبل أكثر من 30 عام، تاركا لها ثلاثة أبناء صغار.
شاء القدر أن يكون منزل "أم محمد" ضمن بيوت آخرين لم ينل منهم الهدم، غير أنها لم تهنأ ببقاء سكنها دون غيرها "كانت تقول لي لو سكت على الحق بكرة يجي الدور علينا ويهدوا البيت" لازالت كلمات الأم ترن في أذن ابنتها الكبرى، اللصيقة الصلة بها أو كما تصفها "دبوس الطرحة"، تلقي نظرة سريعة على منزلهم المتواضع، تستعيد مشاهد والدتها المستميتة في الدفاع عن الأرض من أجل تلك اللحظات "كانت عارفة أن جوزي هيسيبني في أي وقت فكانت تقول البيت ده عشان هبة تلاقي لها مكان من بعدي".
لم تخط "أم محمد" بقدميها خارج الإسكندرية إلا لمرة واحدة، غير أنها غادرتها لتبيت على رصيف وزارة الزراعة كل ثلاثة أسابيع طيلة فترة اعتصام الأهالي "في نهاية الاعتصام لما الناس تعبت بعد فض الأمن فضلت أم محمد لوحدها وحواليها يجي 12 عربية أمن مركزي" يقول "عبيد" عن السيدة المريض بالتليف الكبدي لنحو عشر سنوات دون أن تعرف أو تشتكي حتى وفاتها.
فيما يختنق صوت "مراد" بالدموع حين يتذكر اتهام محافظ الإسكندرية لأم محمد "قال عليها دي ست بتتأجر وبشوفها في كل المظاهرات"، وتسارع ست السيد بالحديث "كانت تجمعنا في الاعتصام وتقول لنا متخافوش لما بدأ العساكر يبصوا علينا في الخيم"، ويقسم "عبد الماجد" أنه لم يبكِ على أمه مثلما بكى لوفاة أم محمد، متذكرا صيحتها أمام جنود الأمن المركزي "يعني أخد عيالي وأروح أعيش في إسرائيل.. كانت بتقول علينا عيالها".
قرب النهاية
بأواخر أيام الاعتصام، دعا "عبيد" القوى السياسية لعمل دورة رمضانية، كان شهر رمضان في بدايته، رفض أحد اللواءات إقامة الدورة قائلًا لعبيد "انت هتجمعهم هنا اللي معرفوش يتجمعوا سوا قبل كدا"، وبسبب تلك الدعوة تم فض الاعتصام الذي لم يبق فيه سوى "أم محمد" و"عبيد"، لكن الكفاح لم يتوقف.
في الثامن والعشرين من يناير 2011، استقرّ أهالي طوسون على الذهاب لأرضهم، لم يظهر المحامي في ذلك اليوم، لاعتقاله للمرة الثالثة والأخيرة منذ توليه القضية "الأمن خطفني وأنا نازل رايح الأرض وودوني المديرية القديمة في العطارين"، غير أنه بالميعاد تجمع الأهالي بعد صلاة الجمعة، أحضروا معهم زجاجات البيبسي والخل "كنا استفدنا من ثورة تونس"، يقول المتحدث الرسمي، آمن "عبيد" والأهالي أن عليهم تنفيذ حكم المحكمة الصادر منذ ثلاثة أعوام بأيديهم "ورقة المحكمة في الاعتصام عملناها قراطيس وحطيناها في المايه عشان نبلها ونشرب ميتها"، فانتهوا إلى دخول أرضهم بشكل سلمي، وتنفيذ حكم المحكمة الصادر في 2010 بإلغاء قرار الإزالة وما ترتب عليه "أحنا كنا السلطة التنفيذية" باسما يقول "عبيد".
نصف ساعة أمهلت بها الأهالي أفراد الأمن الخاص الرابض في الأرض منذ مايو 2008، تجمهر أصحاب الأرض وإصرارهم البادي في وجوهم، لم يترك للحراس المستأجرين خيار أخر عن الرحيل. وكان أوّل ما فعله الأهل هو تحطيم كمائن الحرس المنتشرة "كنا بنكسرهم ونحط بدالهم علم مصر"، فيما سجد الحاج خميس، أحد الأهالي، لربه سجدة شكر، حالما ترك الأمن بيته الذي استوطنوه طيلة أعوام مضت، ليبدأ الأهالي بناء بيوتهم من جديد "فتحنا الشوارع وجبنا لوردرات رمل وبدأنا نبني"، غادر الأمن الأرض بعد ثلاثة أعوام، فيما تغنى ورائهم الأهالي "مع السلامة مع السلامة يا أبو عمة مايلة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.