تواجه المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، وتحكمها أسرة واحدة منذ فترة طويلة وحليف الغرب المهم، العديد من التحديات على بعد خطوات منها، عليها التكيف معها. ومنذ انضمامها للتحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سبتمبر/ أيلول، وهي تحارب الجماعة السنية المتمردة في سوريا بتحرك عسكري حازم غير معهود، وحملة إعلامية. من ناحية أخرى، فإن سيطرة حلفاء السعودية على اليمن، الواقع على الحدود الجنوبية السعودية، قد ضعفت في مواجهة القوى الصديقة لإيران الشيعية، خصم المملكة في المنطقة. ويقصف الطيارون السعوديون تنظيم "الدولة الإسلامية"، بينما تدق آلة الدولة السعودية، التي عادة ما تكون حذرة، طبول هذه الحرب. لكن هذا الأمر له مخاطره. فبعض السعوديين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لإعلان الحرب على أولئك الذين يقتلون المسلمين. واستدعت إحدى الصور، التي انتشرت على هذه الوسائل لطيارين مقاتلين سعوديين من بينهم (الطيار خالد بن سلمان) أحد أبناء ولي العهد السعودي، الإساءات. ويرحب غالبية السعوديين بدور بلادهم الفعال، حتى لو كان إلى جانب الولاياتالمتحدة غير المسلمة. غير أن المشاركين في التحالف الغربي يقصفون أيضا بنشاط في العراق، حيث يقع ضحايا ليس فقط من مقاتلي التنظيم المتعطشين للدماء، ولكن أيضا من المدنيين المسلمين السنة العاديين. ويعتقد العديد من السعوديين، بينهم بعض المقربين من الحكومة، أن ضرب مناطق العرب السنة في كل من العراقوسوريا لا يخدم مصالح المملكة السعودية السنية. فهم يعرفون، رغم كل شيء، أن حالة السخط بين العرب السنة سمحت بتقدم التنظيم في العراق. ويرى بعض السعوديين أن بلادهم (بجانب الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين) حاربت بالوكالة عن القوات الجوية الإيرانية، إذ تقصف معارضين للرئيس السوري بشار الأسد. وتؤكد المملكة وحلفاؤها العرب الخليجيون أنهم يتدخلون ضد الرئيس الأسد والدائرة المحيطة به، ومع هذا لم تستهدف ضربات السعودية وحلفائها الإقليميين والغربيين النظام السوري فعليا. خلق الاضطرابات؟ ويدق الرئيس الأسد، هو الآخر، طبول حربه مع مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومع من يعتبرهم حلفاءهم الفاعلين، مثل المتمردين السوريين المدعومين خليجيا، وغالبيتهم من الإسلاميين السنة. وتستهدف الضربات الجوية للتحالف في سوريا جبهة النصرة، جناح تنظيم القاعدة في البلاد، والتي رفضت الاندماج مع الدولة الإسلامية عام 2013. وهناك مزاعم بحصول النصرة على دعم من قطر وتركيا، وخاضت معارك ضد "الدولة الإسلامية" وتعاونت في بعض الأحيان مع الجيش السوري الحر المدعوم من دول الخليج والغرب. ويعارض المتمردون الإسلاميون الذين يحصلون على مساعدات خليجية ويقاومون "الدولة الإسلامية" الضربات الجوية. لذلك فإن السعودية بمشاركتها في الضربات الجوية ربما تكون مثل من يقطع أنفه نكاية في وجهه. وهناك اتهام بأن المملكة العربية السعودية، البلد المحافظ ومركز الوهابية، هي المصدر الأيدولوجي لبذور تنظيم الدولة الإسلامية الشيطانية. ويدحض المقربون من الحكومة السعودية هذا الاتهام، بالحديث عن تراث يتمثل في إتباع علماء السنة في السعودية "الإمام" الشرعي، الملك. ويؤكدون على أن التمرد موجود أكثر في التراث الشيعي، ويدللون على ذلك بالثورة الإيرانية والماضي "العنيف" لحزب الدعوة الإسلامي الشيعي العراقي، الذي ينتمي إليه رئيسا الوزراء الحالي حيدر العبادي والسابق نوري المالكي. وفي الحقيقة، فإن التصوف (ومنح ما لقيصر إلى قيصر) متجذر في تراث السنة والشيعة، وهو أكثر رسوخا في المملكة العربية السعودية، مع بعض الاستثناءات البارزة. وانتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحلفاء الذين يعلنون رغبتهم في محاربة التنظيم، في حين تقدم بلدانهم العون للمتطرفين. ودفع أيضا بأن الحقوق الفردية وحكم القانون أفضل الطرق لتجفيف المنابع الأيدلوجية للتطرف. ويرى السعوديون أن الأسد أصبح لينا تجاه تنظيم "الدولة الإسلامية" وجبهة النصرة لاستفادته منهما. فقد نجحا معا في قتل الجيش السوري الحر والإسلاميين المعادين لنظامه. كما أن استمرار وجود "الدولة الإسلامية" واعتراضها الأيدولوجي على وجود الدولة العلمانية، مكن الأسد من الدفع بأنه أيضا جزء من التحالف. ويبقى العراق خارج حدود القوات الجوية السعودية. والواقع هو أن السعودية تأمل في تشجيع العراق على العودة "لحظيرة العرب." ومع ذلك تقتل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في سورياوالعراق العرب السنة، سواء كانوا مؤيدين للدولة الإسلامية أم لا. وكما يرى مسؤول عراقي بارز سابق، فإن هذه الميليشيات هي التي ستدمر "الدولة الإسلامية" على الأرض. قضايا متعددة السعودية في موقف مرتبك يتسم بالفوضى. فمن خلال قصف أهداف "الدولة الإسلامية" التي أقرتها الولاياتالمتحدة، فإنها ربما تعمل بدافع من مصلحتها الوطنية. فالمملكة نشأت بعد إزالة الحدود العربية التي كانت قائمة، لكنها سرعان ما تحولت إلى قوة أمر واقع. وبالنسبة للعراق التي لا تثق في قيادته، وسوريا التي تسعى لتغيير قيادتها، فإنه من المحتمل رغم ذلك أن يستفيدا من حملة التحالف، على اعتبار أنها منعت "الدولة الإسلامية" من الزحف إلى بغداد أو دمشق. وفي اليمن، تحاول الحكومة المدعومة سعوديا التوصل لاتفاق مع المتمردين الحوثيين، الذين يمثلون فرعا من الإسلام الشيعي يختلف عن هذا الذي يعتنقه الإيرانيونوالعراقيون، لكن مع هذا ينظر إليه من منظور الصراع الطائفي الإقليمي. وتلقي السعودية باللائمة على إيران لتنامي قوة الحوثيين، لكن مثلما يحدث في العراقوسوريا، فإن عجز الرياض عن التركيز على عدة قضايا في وقت واحد أمر خاطئ. فالمناصب الرئيسية في المملكة السعودية تخضع لحسابات معقدة تتعلق بالخلافة في الحكم، وترتبط بالحالة الصحية لشاغلي هذه المناصب. وهناك عامل منهك آخر يتمثل في رفضهم التام لجماعة الإخوان المسلمين السنية، فحلفاء المملكة في اليمن يضعفون الحكومة المركزية الحالية غير الفعالة وكذلك رغبة القبائل السنية الحليفة في القتال من أجلها، بينما يبقى تهديد تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية قائما. ومع ذلك فقد تخلت السعودية عن حليف رئيسي هو حزب الإصلاح، ذراع جماعة الإخوان في اليمن، وهو ما أضعف موقف الإصلاح بين مقاتلي القبائل السينة. الوصول لتسوية وتأكدت المشكلات الكثيرة التي تواجهها السعودية بتوسع "الدولة الإسلامية"، لكنها تبقى حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة، حتى لو كانت واشنطن ترى أنه لا يمكنها الاستغناء عن إيران المنافس الإقليمي للسعودية. ففي اليمن، فناؤها الخلفي، قد لا يكون هناك مفر من توافق سعودي مع الحوثيينز والتوافقات مع "الدولة الإسلامية" أمر غير مطروح، لكنها لا يمكنها تجنب عقد تسوية في العراق مع الحكومة المدعومة من إيرانوالولاياتالمتحدة. وفي سوريا، فإن الأمور سوف تُحسم بالتوافق بين الفاعلين الأكثر قوة من السعودية في الدولة السورية. * نيل بارتريك باحث مشارك في معهد الخدمات المتحدة الملكي "روسي"، ويكتب الآن كتابا عن العلاقات الخارجية السعودية المعاصرة، سوف تنشره دار نشر آي بي توريس.