رغم ثوبها الأسود الذي تتشاركه مع قريناتها من النساء في نفس عمرها، وملامح وجهها التي حفر الزمن فيها تجاعيده، إلا أنها لا تشاركهن سوي العمر والهيئة، تاركة عنها أفكارهن التي تقضي عليهن بالموت أحياء في انتظار الموت الفعلي، ومتمسكة بمزاولة مهنتها التي أورثتها لها أمها منذ أكثر من 55 عاما. هي توحيدة حسن أو "أم حفظي الداية" كما تشتهر بين أهالي قرية "هو" بنجع حمادي، 80 سنه، ورثت "أم حفظي" مهنتها ك"داية" عن أمها التي ورثتها بدورها عن جدتها التي ورثتها عن أمها، وهو ما تفخر به "أم حفظي" الداية الرابعة في سلالة عائلتها، مؤكده أن والدتها هي من علمتها أصول المهنة كما تعلمتها من والدتها، لتبدأ بممارستها في العشرين من عمرها بعد زواجها بقليل. بالحسرة تروي الجدة توحيدة عن أيام ازدهار مهنتها التي كادت الآن أن تنقرض، علي حد تعبيرها، فمنذ سنوات كانت أم حفظي تستقبل علي يديها ما يزيد عن 20 مولود كل شهر، وأصبحت الحالات التي تولدها اليوم لا تتعدى الحالتين شهريا، مرجعه سبب عزوف النساء عن اللجوء للداية إلي بث الخوف في نفوسهن من قبل الأطباء والمحيطين بهن. وهي تتهم الأطباء في هذه الأيام بالاستغلال وعدم مراعاة الظروف المادية لمرضاهم، أسفه تقول: لم يعد الأطباء منقذي أرواح ولا الممرضات ملائكة رحمه كما كانوا قديما، لكنهم أصبحوا "تجارا وجزارين، ولا يقولوا غلبان ولا فقير"، فالطبيب يظل طوال مدة الحمل يستفيد بكشف كل شهر لا يقل عن 50 جنيها للمرة الواحدة، ويصرون علي أن تكون الولادة من خلال إجراء عملية قيصرية، حتى وان كانت "بكرية" أي تضع مولودها الأول، وهي الحالة التي من المعروف أن تكون الولادة فيها طبيعية، وترجع ذلك لكون الولادة القيصرية تستلزم من الطبيب وقت مجهود أقل وتدر عليه ربحا أكبر. أما أم حفظي فمن تقبلن إليها لتوليدهن لا تدفعن أكثر من 50 أو 100 جنيه، وأحيانا لا تأخذ من الحالة شيئا لان معظمهن من بسطاء الحال لا يملكن 2000 جنيها هي أجرة الطبيب. ومثلما شهدت الجدة توحيدة آلام المخاض لدي كثيرات ممن قامت بتوليدهن، عانت هي الآلام نفسها لأربعة مرات، أنجبت خلالها ثلاث بنات وولد واحد، لتقوم بالدور نفسه مع بناتها وزوجة ابنها، ويقبل أحفادها إلي الحياة علي يديها، وتروي الجدة ضاحكة أن زوجة حفيدها ترفض أن تجري لها عملية الولادة، مفضله اللجوء إلي طبيب. تتقاضي أم حفظي 500 جنيه شهريا معاش زوجها الذي كان يعمل بشركة السكر وتوفي منذ سنوات عديدة، وتتقاسم هذا المبلغ مع ابنتيها المطلقة والأرملة وحفيدها الذي يعمل بالأجر ولا يكفيه ما يتحصل عليه من عمله، وهي تعتقد أن ظروف المعيشة وغلاء الأسعار سيكونان سببا في إعادة مهنة الداية بقوة"، مؤكده أنها لن تترك مهنة جداتها تلك حتى آخر نفس.