تتسارع الأنفاس، إنها لحظة ليست كغيرها، عصيبة، مختلفة، مترقبة، يجري النيل يحتضن حافتيه، تُلقي الأشجار بظلالها على سطحه، رونق "القاهرة" لا يُخفى، بينما ينتظر "أحمد سالم" الإشارة، أوشكت الساعة على الخامسة والنصف من مساء يوم 31 مايو 1934، وقد حانت، يقترب، ينفتح الميكروفون، ينطلق مدويًا بصوت رخيم متحمس "هنا القاهرة"...80 عامًا ينقلب المؤشر ومعه أحوال العاصمة، الإشارة الإذاعية في كل "محمول"، لكن عشاق الأثير على هواهم القديم، لا يأسوا على ما كان وإن آثروا رؤيته، يفرون إلى أثيرهم، يهيمون في أصواته، يذوبون حنينًا للمدينة ويحزنون لعلة قلبها حينًا آخر. المواساة في الغربة في الدمام، بدولة السعودية، جلس الشاب العشريني يستمع لكلمات تأتيه عبر الأثير، لم يؤثر صداها عليه قبلًا، كما فعل وقتها؛ "هنا القاهرة" جاءته عبر الراديو، في الغربة يختلف كل شيء، الكلمات العادية تُصبح حبلًا يتعلق به المغترب، يربطه بالأهل والأحبة، دموع تنساب من عيني "مقبول سمان"، البالغ من العُمر خمسة وستين عامًا، كلما تذكر تلك الأيام "كنت لما بسمع الكلمة وقتها بحس إن أهلي قاعدين جنبي"، كان ذلك عام 1977 عندما سافر للمملكة "رحت أشتغل ميكانيكي ديزل"، قبل السفر صاحبته الكلمة، الراديو، والبرامج "هو الرفيق" كذلك يقول عنه، و"القاهرة" التي سمع حروفها في الغربة، اختلفت عن سمعه لها في الخمسينات، وعن الآن. 1953، عقب ثورة يوليو، سمع الرجل الستيني الجُملة، تعقبها أغنية "ع الدوار"، للمطرب محمد قنديل، الفترة تذكره بالرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، يرى فيه حسنات وسيئات، ولكنه يعتقد أن الأولى تغلب "حرر الدول العربية والإفريقية وبنى السد العالي"، لكن إعلان الخطط قبيل حرب 67 هي ما كانت تُزعج "سمان"، "كان بيقول على الراديو عملنا قاعدة كذا فتنضرب على طول"، لم يترك حارس الأمن حاليًا على طول طريق الحياة، الإذاعة "البرنامج العام والشرق الوسط وإذاعة الشباب والرياضة"، لا يُسأل عن ميعاد برنامج إلا ويعرفه. القاهرة التي كان يسمع اسمها قديمًا كانت أجمل على حد تعبيره "كان فيه شقق وعدد الناس كان قليل وكل شيء سهل"، يُدلل على ذلك بأنه اشترى عندما كان في السابعة بنكلة طعمية وشاي وسكر، بينما هى الآن "زحمة"، تنطلق أخبارها إليه عبر هاتفه المحمول الصغير. حكايات الجد رغم صغر سن "أحمد برزي" إلا أن عشقه للإذاعة حال شخص تربي على صوت مؤشر البرامج ولم تر طفولته وسيلة أخرى، في الثامنة والعشرين من عمره" "الراديو" جزء من حياته يصفه ب"الإدمان"، يمتلك الشاب تليفون حديث مثل أبناء جيله لكن الاضطرار فقط ما يدفعه للاستماع إلى الإذاعة عليه، "الراديو" بالنسبة له يتمثل في منزله جهاز "ترانزيستور" صغير يصطحبه معه وقت الحلاقة أو عمل أي شيء، وآخر حرص أن يحمل الشكل القديم للمذياع وخلاف ذلك "مش بحس بطعم الراديو". صغيرًا كان وقت أن أقبل والده عليه وأخيه جالبًا "راديو جديد"، سعادة ملأت القلب، أخذوا يديرون المؤشر بحثًا عن القنوات؛ "هنا القاهرة" أول شيء سمعه، أخبره والده بقصة الكلمة، ذكر له اسم قائلها "أحمد سالم"، روى الجد عنها، لم يكن بحاجة لكثير من القصص عن "القاهرة" كما رآها الكبار، فالعين تراها في الصوت المنطلق من ذلك الصندوق الصغير، حتى "الوش" كان له وقع مختلف على أذن الطفل المولع بالراديو، طالما تمنى التعرف على الشخص المشرف كل ذلك "وراء الكواليس" ويصير مثله، ولهذا عامل كبير في كونه مهندس إذاعي. "تحس إنه كان ماشي في ثورة" هكذا كان وقع كلمة "هنا القاهرة" من المذيع على جد "برزي"، نُقل للحفيد الذي اختلفت في نظره القاهرة التي يسكنها وما تغير حاله مع الراديو، للقديم يستمع "أحمد" هو "العالم الإفتراضي" الذي يسكنه حسب وصفه ويتمنى أن يعود، يحمله إليه كلمة تلك الكلمة " لما بسمعها بحس بالأيام القديمة، أن نفسي أشوف أيام زمان"، وقع الكلمة على الشاب تعبر عن تلك المرحلة التي إذا ما نطق بها "أحمد سالم" وجب على المستمع أن ينتبه "غصب عنه هيقف". لا وجود للتليفزيون في حياة الشاب، قلما يتابع الأحداث من خلاله، بينما الراديو "24 ساعة شغال لما بكون في البيت"، هو لديه "شيء ماتلوثش من ريحة أيام زمان"، يذهب به بعيدًا بين دروب القاهرة التي يريدها وتظهر في صوت "آمال فهمي" في برنامج "على الناصية"، و"بحر النغم" للموسيقار "عمار الشريعي"، وحفلات "أم كلثوم" التي يداوم على سماعها مساء كل يوم "لما بخلص شغل وصحابي بيبقوا عايزين يروحوا في حته بجري وأسيبهم عشان الحق أسمع الراديو"، وعندما يجهل اسم الأغنية التي تشدو بها "الست"، يحين وقت التكنولوجيا، يدخل على موقع الإذاعة ليعرف. على صوت الشيخ "محمد رفعت" بدأت علاقة خريج كلية التجارة مع الإذاعة، "بابا شارو" وحكايات "أبلة وفضيلة" عوضته طفلاً عن التليفزيون الذي عزف عنه رغبةً، واغتنى بأصوات كانت لخياله زخرًا، صدفة مر الشاب العشريني على القنوات الإذاعية الحديثة لم تجذبه حال القديمة "فيها روح مش موجودة في الجديدة"، لا يجد فيها استفادة بالنسبة له، فهي تعبر عن الواقع المعاش "سوق". الإعلامي الكبير حمدي الكنيسي.. الأديب الذي سرقه الإعلام.. (حوار) مصراوي داخل إذاعة القرآن الكريم.. لمّا بدا في الأفق ''نور'' في ذكري إنشاء الإذاعة .. أصحاب الأثير الإلكتروني ''على الحلم باقون'' الإذاعة.. ''حياة'' لمن ينادي ''سعيد'' .. 60 سنة راديو سمع وبيع عملاق الإذاعة ''بابا شارو'' .. حكاية مذيع المصادفة ''بروفايل'' راديو ''انتيكة '' معبود الجماهير.. ''قصة للأطفال'' ''ساعة لقلبك''.. فاكهة الإذاعة المصرية عبد الخالق يحييكم من داخل السجن: ومن الراديو ''حياة'' إذاعيون يكتبون لمصراوي عن عملهم بالإذاعة المصرية ''نضال'' الأزهري.. الحياة من خلال إذاعة القرآن مستمعون يكتبون عن "نوستالجيا" الإذاعة المصرية حازم دياب يكتب: هوامش عن فائدة السمع في ذكرى انطلاق الإذاعة فاطمة طاهر.. سيدة إذاعة ''القرآن الكريم'' الأولى