مبنى عمره أكثر من قرن من الزمان، بين جنباته تمت إدارة الاقتصاد المصري، وبين أروقته نٌفذت أغلى الصفقات، بداخله تعالت صيحات السماسرة بنجاح توقعاتهم، وتوقفت أنفاس المضاربين خوفا على أسهمهم، وبالقرب منه وعلى مقاهي وسط البلد كانت صفقات البداية تتم ربما بجنيه وربما بأكثر، إلا إن "البورصة" رحلت ولم يتبق منها سوى "مبنى ومقهى ودخان الشيشة والسجائر". "سوق الأوراق المالية أو ما عرفه العامة باسم "البورصة"، بدأ في مصر بالإسكندرية في 1883، البداية كانت مجرد "قهوة أفرنجي" بميدان محمد علي، جمعت تجار القطن لترتيب صفقاتهم، ثم انتقل مرتادي المقهى إلى مبنى مجاور جديد أطلقوا عليه "هيئة الإسكندرية للقطن- 1883"، لتشهد مصر المحروسة أول بورصة على أرضها في عهد "الخديوي عباس حلمي الثاني"، ويسيطر على حركة التداولات فيه الأجانب وبخاصة الإنجليز والفرنساويين. ومنذ عام مضى، انتقلت بورصتي القاهرةوالإسكندرية إلى مقرهما الجديد بالقرية الذكية، لكن المبنى الأثري لسوق الاوراق المصرية القديمة استمر حتى الآن، تراه كلما جئت وذهبت إلى شوارع طلعت حرب والمناطق المحيطة، تراصت حوله الكراسي وأجهزة التلفاز، وربما ارتفعت الحركة بين كر وفر إذا ما مرت مظاهرة واشتباكات مع قوات الأمن. تخطوا العاصمة على نفس درب جارتها الشمالية، وتتحول الصفقات في 1903 من داخل مقاهي القاهرة الخديوية وفنادقها إلى "مبنى البنك العثماني القديم- مبنى جروبي فرع عدلي حاليا" ويؤجر المبنى لمدة 6 سنوات، بإيجار سنوي بلغ (400 جنيه مصريا دفعة واحدة)، وهو مبلغ كبير حينها، إلا أن كبار رجال أثرياء السوق وعلى رأسهم "موريس قطاوي بك- رئيس الجالية اليهودية المصرية وعضو البرلمان الشهير" يتقدم عام 1907 بالإعلان عن مسابقة دولية لتصميم مبنى جديد لبورصة العاصمة، ويفوز به المعماري الفرنسي "راؤول براندون"، وتنشأ بورصة القاهرة في مقرها الحالي بوسط البلد، ويسمى أحد الشوارع على جانبي المبنى بإسم "شارع قطاوي بك" تخليدا لمؤسس البورصة التي تولى رئاستها "السير ألدومتيرا- 1910/1925". "عماد محمود ورامي رياض- صحافييان"، بحكم عملهما الميداني وبحكم اقتراب مقر الجريدة من منطقة البورصة، قالا: "احيانا بيكون الشغل في الشارع أفضل من الالتزام بالمكتب، وهنا في البورصة هتعرف كل حكاوي البلد وحركات المظاهرات، هنا الثورة حقيقي اتولدت و"البورصة هي مطبخ ميدان التحرير الحقيقي"، لكن للأسف دخلت أخلاقيات ووجوه ناس مش ولابد أساءت للمكان وسمعته". يتوالى على "بورصة مصر" 21 رئيسا بين مصري وأجنبي، وتشهد مصر خلالها ارتفاعات وضعتها في المرتبة الخامسة عالميا من حيث المعاملات وحركة التداولات، كما شهدت أيضا انخفاضات وانتكاسات، وتطبيقا لقوانين الاشتراكية وتجميد بورصتي القاهرةوالإسكندرية بعد دمجهما، إلا أن البورصة تعود، ويعود معها نشاط السماسرة، وتعود الحياة من جديد إلى "مقاهي البورصة.. سر اقتصاد مصر". "محمد البهتيمي- قهوجي" بأحد المقاهي الواقعة أمام بوابة البورصة، بلغ من العمر ما يقارب منتصف الأربعينات، ووصلت سنوات عمله في هذا المكان لعامها الرابع عشر، قال: "المكان دا هو بحق القهوة الذكية، يعني أنت قاعد على كرسي وفي الشارع بتشرب كوباية الشاي، لكن بتتكلم في حاجات بالملايين، هنا كنت بشوف السماسرة وأغلبهم شباب وبسمعهم بيتكلموا في (الموبايل) بأسعار كبيرة، لكن الحال شوية شوية بدأ يوقف، وبعد الثورة كان شكل السماسرة يصعب على الكافر، دلوقت هما راحوا 6 أكتوبر بس علاقتهم بالمكان لسه موجودة وبيقابلوا زباينهم هنا".