نص المقابلة التي اجراها مراسلنا في اسلام أباد عبدالله ابو هلاله مع المدير السابق لجهاز المخابرات الباكستاني الجنرال حميد غل. ماذا يعني مقتل اسامة بن لادن في باكستان، وما هي تداعياته على باكستان؟ لا يصدق الشعب الباكستاني الإدعاءات الأمريكية حول مقتل أسامة بن لادن، وذلك بسبب الغموض الذي يسود هذه القضية، وأنا شخصيا من ضمن هؤلاء الناس. ما حدث في الثاني من ماي / أيار في أبت آباد كان غامضا وتسوده الكثير من الشكوك. البعض يقول إنه اخفاق من قبل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، أنا عليم بإمكانية جهاز الاستخبارات (ISI) جيدا، وما حدث خيانة بحق ISI من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA والإدارة الأمريكية، وهذه ليست المرة الأولى فقد حدثت خيانات مماثلة في الماضي أسفرت عن حدوث أزمة ثقة كبيرة بين هذين الجهازين. كمدير سابق لجهاز الأستخبارات وجنرال سابق في الجيش، هل تعتقد ان بن لادن كان في باكستان وكيف يمكن للجيش و ISI أن لا يعلموا بوجود اسامة بن لادن طوال هذه المدة في ذلك المكان؟ في حال تصديقنا للرواية الأمريكية، التفسير الوحيد لهذا هو عدم وجود أي نشاط له. لا أعتقد أن الاسخبارات الباكستانية متورطة بأي شكل من الأشكال في هذه القضية او كان لديها علم مسبق عن مكان تواجده وإختبائه داخل الأراضي الباكستانية. إذا بحثنا جيدا وأمعنا النظر في علاقة ISI والقاعدة فلن نجد أي نقاط إلتقاء مشتركة بينهما إنظر إلى الماضي وتاريخ رموز القاعدة، فالأجهزة الأمنية الباكستانية تمكنت خلال الأعوام الماضية من القاء القبض على أكثر من 400 شخص تربطهم علاقة مباشرة بالقاعدة من بينهم أهم رموز القاعدة مثل خالد شيخ محمد وأبو الفرج الليببي ورمزي الشيبة وأبو زبيدة وغيرهم كثير. سعي بن لادن للإختباء وإعتزال القيادة الفعلية للتنظيم جعل من ذلك المجمع افضل مكان للإختباء، فذلك المكان تم إختياره بعد دراسة وبحث واختير موقعه في منطقة فيها وجودعسكري مكثف بالقرب من أكبر أكاديمية عسكرية في البلاد، مما جعل من الصعب العثور عليه. س: ما هي حقيقة ما قيل عن عدم علم باكستان بالعملية إلا بعد اتمامها؟ لا يزال هناك الكثير التفاصيل التي سينجلي عنها السحاب قريبا حول ملابسات العملية. ومعلوم أن تقنية Stealth التي تمكن الطائرات من دخول الأجواء دون رصدها عبر شاشات الرادار استخدمت في طائرات البلاك هوك التي شاركت في العملية. ومن الصعب ومن غير المنطقي اصدار أحكام مسبقة دون وجود أي معلومات وأدلة ملموسة. دعنا ننظر إلى الأمر من هذا الجانب: باكستان تريد من الولاياتالمتحدة الخروج من هذه المنطقة فمعظم المشاكل التي تواجهها البلاد سببها الوجود الأمريكي داخل أفغانستان وأجندتها في المنطقة، خروجهم سيكون في مصلحة باكستان. هذا الخروج سترتب عليه أيضا إنخفاض النشاط الهندي داخل أفغانستان. كما أن الإنسحاب الأمريكي أصبح متطلبا اساسيا لإدارة الرئيس أوباما، لقد خسرت القوات الدولية في أفغانستان، ووضع المقاومة الأفغانية الممثلة بحركة طالبان بقيادة الملا عمر ضمن تصنيف الجماعات الإرهابية كان خطأ فادحا، لأنه حتى الآن لم يتم العثور على أفغاني متورط في عمليات إرهابية دولية خارج أفغانستان وهو ما يوجب الآن إنهاء الصراع وهي ضرورة سياسية لإدراة الرئيس أوباما وإنهاء الحرب، فهو على موعد مع جولة ثانية من الإنتخابات الرئاسية العام المقبل. س: ألا يطرح هذا تساؤلا حول أمن الأسلحة الإستراتيجية (النووية) الباكستانية؟ بالطبع هناك قلق باكستاني كبير حول سلام الأسلحة والمنشآت النووية الباكستانية، نحن نعلم أن العميل الأمريكي ريمون ديفز وزملاءه كانوا يراقبون ويجمعون معلومات عن اماكن المنشآت النووية الخ. نحن أيضا نعلم أن هناك شبكة كاملة تابعة لوكالة الاسخبارات الأمريكية CIA تعمل داخل باكستان دون علم السلطات الباكستانية. أي نوع من التعاون يتوقعه الأمريكيين من الباكستانيين؟! هذه خيانة ويتعين علينا الآن أن نكون أكثر قلقا وحذرا. هذه العملية التي نفذتها القوات الأمريكية قد تعطي دافعا لدول أخرى، إسرائيل لم تقبل يوما بإمتلاك باكستان سلاح نووي والهند كذلك. هناك غضب في الشارع الباكستاني على تمكن القوات الأمريكية من تنفيذ عملية عسكرية داخل الأراضي الباكستانية دون علم الأجهزة الأمنية الإ بعد حدوثها. وهو ما أثار تساؤلات عدة حول قدرة الأجهزة الأمنية بحماية باكستان ومنشآتها النووية. س: ما هي التأثيرات بعيدة المدى للعملية الأمريكية في أبت آباد على علاقات البلدين والثقة بينهما؟ بالطبع سيكون لها تداعيتها السلبية على علاقة البلدين. لكن إذا قررت الولاياتالمتحدة الإنسحاب من أفغانستان حينها سوف تبدأ اسلام آباد بالتعاون من جديد مع واشنطن. لكن هذا التعاون لن يكون بحجمه وطبيعته السابقة، ستسعى باكستان إلى ضمان خروج لبق لأمريكا من أفغانستان وسوف تحاول أن تستغل نفوذها مع المعارضة (طالبان) من أجل تحقيق ذلك. في اعتقادي يجب على باكستان التعاون من أجل ضمان هذا الإنسحاب لأن فيه أيضا تحقيقا للأهداف والمصالح الباكستانية في ذات الوقت. ليس المهم ما حدث في الماضي وإنما الحاضر هو الأهم. نحن بحاجة لهم لأسباب معينة وهم بحاجة لنا أكثر من أي وقت مضى لضمان خروجهم من أفغانستان. باكستان هي الخيار الوحيد المتاح لواشنطن في هذه المنطقة. س:شكلت لجان للتحقيق من قبل الحكومة والجيش هل يمكن تحت اي ظرف أن تقود هذه التحقيقات إلى إقالة أي شخص؟ لا أعتقد ذلك لأن هذه المسألة هي عبارة عن إخفاق جماعي لكافة الأجهزة المدنية والأمنية والعسكرية، نعم الجنرال أحمد شجاع باشا رئيس الأستخبارات ISI أقر بالمسؤولية لكن ذلك لا يعني أن يتحمل ISI المسؤولية وحده . س: ما هي تداعيات العملية الأمريكية على الأمن الداخلي الباكستاني خاصة أن طالبان أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الإنتحاري على شب قدر في مدينة تشارسدة وتوعدت بالمزيد؟ الوضع الأمني الداخلي الباكستاني متزعزع للغاية. فأعمال العنف التي تقوم بها الجماعات المسلحة كهجوم طالبان باكستان على مركز تدريب القوات شبه العسكرية في شب قدر والذي أدى إلى مقتل خمسة وثمانين شخصا من القوات شبه العسكرية، كارثة. وفي حال انتشار اعمال العنف هذه ستعاني باكستان بشكل أكبر من الماضي. الكل يدرك هنا أن إرضاء الولاياتالمتحدة سيزيد من معاناة باكستان على جمع الأصعدة السياسية والإقتصادية والأمنية من خلال تصعيد الجماعات المسلحة من عملياتها ضد المرافق العسكرية والحكومية. س: هناك إدعاءات عالمية وليس أمريكية فقط بدعم باكستان لطالبان أفغانستان، بعد مقتل أسامة بن لادن هل يمكن أن تبقى العلاقة بين الطرفين على ماهي عليه؟ دعني أوضح هذه المسألة، باكستان لا تدعم بأي شكل من الأشكال طالبان أفغانستان. لكننا في الوقت ذاته لا نرغب بقطع جميع حلقات الإتصال بهم. بالنظر إلى المرحلة الراهنة من الصراع أستطيع أن أجزم أن الولاياتالمتحدة خسرت هذه الحرب، حكومة الرئيس كرزاي ينخرها الفساد ولن تدوم طويلا بعد مغادرة القوات الأمريكية والأجنبية العاملة في أفغانستان، لذلك تقتضي المصلحة المشروعة لباكستان أن يبقى هناك نوع من التواصل مع طالبان. وهذا مجددا لايعني تقديم الدعم لهم وإنما ابقاء اتصال مع المعارضة التي هي بالنسبة لنا حكومة المستقبل. س: الأمريكان يدعون وجود الملا عمر وقيادة طالبان داخل باكستان، هل يتوقع قيام القوات الأمريكية بعملية أخرى بحجة محاولة القبض أو قتل الملا عمر؟ إذا كان هناك أي معلومات مؤكدة عن مكان تواجد الملا عمر داخل الأراضي الباكستانية لكنا شهدنا عملية أمريكية مماثلة لعملية إغتيال أسامة بن لادن. الإدارة الأمريكية صرحت في أكثر من موقع أنها تمتلك شرعية القيام بأي عمليات عسكرية للقضاء على رموز الجماعات المسلحة. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يقوموا حتى الآن بذلك؟ لكن الحقيقة هي أن الملا عمر ليس داخل باكستان لماذا يختبئ في باكستان وأكثر من سبعين بالمئة من مساحة أفغانستان هي تحت سيطرة طالبان، وهذه الحقيقة يدركها الأمريكيون جيدا ويقرونها كما أن الملا عمر يحضى بإحترام ودعم غالبية الشعب الأفغاني وهذا ما لا يريد الأمريكيون إدراكه. س: بعد مقتل أسامة بن لادن مباشرة صرحت الولاياتالمتحدة أن هناك حوارا مباشرا مع طالبان أفغانستان. هل يمكن أن يؤدي هذا إلى استبعاد او الحد من دور باكستان في الحل الأفغاني؟ هذا مستحيل الهند تسعى إلى إبعاد باكستان عن الحل الأفغاني وزيارة رئيس الوزراء الهندي مان موهن سينغ مؤخرا إلى أفغانستان تدل على ذلك. لكن من دون مساعدة باكستان لن يكون هناك أي مصالحة أو اي حل للقضية الأقغانية. س: قائد الجيش الهندي صرح بعد مقتل أسامة بن لادن على يد القوات الأمريكية أن بإمكان قواته القيام بعمليات مشابه في باكستان، ما مدى جدية الخطر الذي تستشعره باكستان تجاه هذه التصريحات؟ باكستان لاتهتم كثيرا بتهديد الهند لأنه بمقدورنا توجيه رد مناسب. لكن بالطبع في حال شنت القوات الهندية اي هجوم على باكستان سيكون الوضع أشبه بحالة حرب في المنطقة، وستتعامل معه باكستان بما تراه مناسبا. لكن يبقى إنشغال القوات الباكستانية في الوقت الراهن بالحرب وعلى عدد من الجبهات كمناطق القبائل وكشمير والصراع الجاري في الحرب على الإرهاب والأن الهند أمرا يصعب التعامل معه. ولحسن الحظ جاءت الصين لمساعدة باكستان رغم المساعي الأمريكية في السابق لإقصاء باكستان عن حلفيتها الصين لكن هذه الجهود لم تنجح والآن هناك توجه جديد للسياسة الباكستانية عبر الوصول إلى مسكو وهي معادلة جديدة بحد ذاتها.