الساعة الآن 7:45 صباح الخامس من يونيو 1967.. دوي صفارات الإنذار يملأ جنبات الوحدات الإسرائيلية إيذانا بشن هجمة على أهداف عربية.. تحديد أرض المعركة في ''صحراء سيناء، مرتفعات هضبة الجولان، الضفة الغربية، قطاع غزة، الاستعداد لدخول القدس''.. دقائق قليلة وتبدأ الطائرات الإسرائيلية في اصطياد أهدافها. سيناريو لم يتوقعه المصريون ولا الشعوب العربية، أثقل ستة أيام مرت على المصريين، بدأت بآمال انتصار ودحر لقوات العدو، وانتهت بخيبة أمل وبيانات النكسة وتنحي الرئيس، ولم يتوقع شعب سمع دوما خطب تتوعد إسرائيل ب''الرمي في البحر'' أن الضربة الجوية المفاجئة لها ستكبد الأسطول الجوي المصري وحده ''100 طيار'' استشهدوا على أرض سيناء، وتدمير 388 طائرة من أصل 420 طائرة هي قوام سلاح الجو حينها.
البداية جاءت منتصف مايو 1967، بمناوشات سياسية بين الرئيس السابق ''عبد الناصر'' وحلفاؤه في المنطقة، ورفضه للتوغل الإسرائيلي وسياستها الاستيطانية، أيضا زيارة رئيس الأركان المصري لدمشق لبحث سبل التعاون العسكري بين البلدين والتنسيق بينهما، و على الرغم من التوترات الدائرة بين ''ناصر'' و ''الحسين – ملك الأردن'' إلا أنهما طويا صفحة الخلافات وبدأت مرحلة اتفاق جديدة، فضلا عن بداية تقارب في وجهات النظر بين مصر و الولاياتالمتحدة بعد سنوات عجاف من رفضها ''تمويل السد''، و كسر هذا الجمود بموقفها من العدوان الثلاثي.
23 مايو 1967.. شرارة البداية أشعلها ''ناصر'' في وجه إسرائيل، بإغلاقه ''خليج العقبة'' في وجه الملاحة الإسرائيلية، ومحاولته إرغام إسرائيل تسليم مدينة ''أم الرشراش'' للسيادة المصرية، و هو ما كان يعني ''إعلان الحرب على إسرائيل'' وإيذانا بإلقائها في البحر كما توعدت الخطب السياسية للقادة العرب حينها، لكن الجبهة العربية لم تباغت بالهجوم العسكري.
6 يونيو 1967 .. هجوم مفاجئ من وحدات الجو الإسرائيلي على المطارات و القواعد الجوية في سيناء، بلغ الأمر سوءً توجه ''المشير عامر'' بطائرته إلى أحد مطارات سيناء صباح هذا اليوم، ولم يعلم بالهجوم إلا حينما لم تجد طائرته مهبطا يستقبلها، فاضطر للعودة مرة أخرى لمطار القاهرة والتوجه لغرفة العمليات المركزية لتدبير الأمر و تدارك الجيش قبل أن تدمره إسرائيل.
اقتربت الظهيرة، والتقارير تفيد تدمير إسرائيل لمعظم مهابط الطائرات حتى لا تمكن الجيش من استخدامها، إلا أنها أبقت على ''مطار العريش'' لتحوله إلى ''مطار عسكري إسرائيلي'' بعد احتلالها للمدينة.. ارتباك و كشف للخطوط نتيجة تعطيل سلاح الجو الدفاعي و عدم استخدام مضادات الطائرات بشكل جيد أو انتظار القادة لأوامر القيادة العليا، و هو ما فاقم الأمر سوءً، إضافة لإرسال إسرائيل لغوصين قبالة سواحل الإسكندرية، إلا أن البحرية هناك كانت بإستقبالهم بنيرانها.
أخبار النصر ودحر إسرائيل لم تنقطع من الإذاعات العربية ومتصدرة الصحف القومية، بينما الإذاعات الدولية تفيد عكس ذلك تماما، إلى أن وصلنا للعاشر من يونيو 1967، ما يقارب 25 ألف عربي بينهم مدنيين قتلوا في هذه الحرب، مقابل (800) إسرائيلي، تدمير حوالي 75% من العتاد الحربي للدول العربية الداخلة في الاشتباك مقابل نسبة خسارة للجانب الإسرائيلي لم تتجاوز 7%.
انسحاب بلا خطة انسحاب كبدت الجيش المصري خسائر بشرية كبيرة، وقطع الجنود صحراء سيناء الحارة الجافة سيرا على الأقدام، واضطر بعضهم لتسليم نفسه كأسرى حرب للجيش الإسرائيلي، فكان الرد أن جعلتهم إسرائيل يحفرون قبورهم بأيديهم لتقتلهم و تدفنهم فيها.
''خطاب التنحي''
كان النقطة الفاصلة والاستيقاظ من الكابوس إلى واقع مرير، رغبة من القائد و الملهم العربي في الابتعاد عن المناصب الرسمية و العودة لصفوف الجماهير، و تحمله للمسئولية أمام شعبه، إلا أن هذا الشعب الغفير خرج يطالبه ألا يزيد الجرح و يبقى و لا يتنحى لتبدأ مرحلة ''حرب الاستنزاف'' بعد قليل، و يطلب ''ناصر'' شعبه بالتوقف عن الانتقاد اللاذع للجيش لأنه ''الأمل الوحيد لتحقيق النصر''.
حرب لم تنتهي حتى اليوم، فبجانب احتلال سيناء و محاولة السيطرة على قناة السويس واحتلال قطاع غزة، لا زالت اسرائيل تحتل ''الجولان'' السورية، فضلا عن ''الضفة الغربية – أرض فلسطينية'' وكانت وقتها تابعة للأردن، و هي محافظات ''جنين، طوباس، طولكرم،نابلس، قلقيلية، سلفيت، أريحا، بيت لحم، الخليل، رام الله و البيرة، القدس'' و فتح باب الاستيطان في القدس الشريف، وعلى الرغم من قبول العرب بمبدأ ''الأرض مقابل السلام''، إلا أن اسرائيل لم تتنازل عن أراضي ما قبل 5 يونيو 67.
النكسة أيضا زلزلت أروقة السياسة العربية، ففي مصر أقيمت محاكمات لرجال الجيش و المخابرات للتحقيق في سبب الهزيمة، و انتحر – أو اغتيل - المشير عبد الحكيم عامر في الأول من سبتمبر من نفس العام، وفي الأردن، استقالت الحكومة و شكل العاهل الأردني حكومة من الضفة الغربية تأكيدة على هويتها العربية، واستقالة ''أحمد الشقيري'' زعيم منظمة التحرير الفلسطينية وممثلها لدى الجامعة العربية وصاحب نظرية ''رمي إسرائيل في البحر''.
''قمة اللاءات الثلاثة''
''لا تصالح.. لا اعتراف.. لا تفاوض'' هي نتاج ما تمخضت عنه القمة العربية المنعقدة في الخرطوم (29 أغسطس 67) لبحث تداعيات الحرب الإسرائيلية على الأراضي العربية، و اسفرت القمة عن قرارين هما: عدم تزويد الدول العربية للدول الداعمة لإسرائيل بالنفط، و إنشاء صندوق تموله الدول العربية لمساعدة الدول العربية المتضرر اقتصادها من الحرب، وفيه قدمت ''السعودية و ليبيا و الكويت'' مساعدات لمصر و للأردن قدرت ب147 مليون جنيه استرليني.
5 يونيو 1975 ، و بعد حرب رمضان/ أكتوبر 1973، كانت قناة السويس على موعد مع سفينة تحمل على متنها ''الرئيس السادات''، و إعادة افتتاح القناة بعد ثماني سنوات من إغلاقها، و بعد تطهيرها من مخلفات الحرب، و إعلان استقبالها للملاحة العالمية لتعوض العالم خسائر مالية بلغت أكثر من 13,5 مليار دولار بسبب إغلاقها و تحويل مسار التجارة البحرية العالمية لطريق ''رأس الرجاء الصالح''.
5 يونيو أيضا تاريخ لا يخص ''دول الأيام الستة'' فحسب، بل هو تاريخ محفور في وجدان الشعب اللبناني، حفره العدوان الصهيوني بقيادة ''شارون'' ، ففي 5 يونيو 1982؛ وعقب يوم واحد من القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني، اجتاحت القوات الإسرائيلية ''مخيمات اللاجئين الفلسطينيين'' بالجنوب هناك، و ذلك بغرض ملاحقة ''منظمة التحرير الفلسطيني'' والتي اتخذت من الجنوب اللبناني مقرا لها بعد خروجها من الأردن، وظل القتال مشتعلا في الجنوب حتى 1985، ولكنه لم ينتهي إلى في أبريل 2000 بإعلان إسرائيل انسحابها الكامل من الجنوب اللبناني، تاركة صراعا محموما بين الجارتين ''لبنان و سوريا'' المشاركة في الحرب هي الأخرى، والمتهمة بإرتكاب مذبحة ''تل الزعتر''.