ثمة مساعٍ مبذولة لتحقيق السلام من بعد سنوات حرب طويلة، سلام علمونا أنه من ''منطلق القوة والنصر''، أو كما أطلقوا عليه ''سلام الأقوياء''، إلا أنه لم يهادن وقتها في تزوير التاريخ ونسبه لغير فاعليه، وهو ما فعله ''السادات'' مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ''مناحيم بيجن'' أثناء زيارة الأخير للقاهرة في 25 ديسمبر 1977، وهو نفس يوم احتفال ''السادات'' بعيد ميلاده؛ حيث ولد 25 ديسمبر 1918. فبعد زيارة ''السادات'' و خطابه الشهير في ''الكنيسيت'' في 20 نوفمبر 1977، دعا السادات ''بيجن'' لزيارة مصر لإنهاء حالة الحرب من ناحية، و من ناحية أخرى لاسترداد الأرض و إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، و كذلك لبحث القضية الفلسطينية و انسحاب إسرائيل من غزة و القطاع للعودة إلى حدود ما قبل 5 يونيو 1967. بالفعل جاء ''بيجن'' إلى ''الإسماعيلية'' للقاء ''السادات'' - يوم احتفال السادات بعيد ميلاده - وكانت رغبته تطمع لما هو أكثر من ''الإسماعيلية''، كانت عينه على ''زيارة القاهرة''، فقال مازحا أمام السادات قال ''أود مشاهدة أهرام أجدادي''، فرد عليه ''بدهاء ومكر'' فيما معناه أن أجداده من بني إسرائيل جاءوا للعمل كخدم وعبيد لدى المصريين، ومرت المسألة. بعد الزيارة بشهر، اجتمع أعضاء اللجنة السياسية من وزراء خارجية كل من مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، وعرض الإسرائيليون على مصر ترك قطاع غزة للإدارة المصرية مقابل تعهد بعدم اتخاذها منطلقًا للأعمال الفدائية، وكان هدفهم من ذلك عدم إثارة موضوع الضفة الغربية؛ شعر السادات أن الإسرائيليين يماطلونه؛ فألقى خطابًا في يوليو 1978 قال فيه إن ''بيجن'' يرفض إعادة الأراضي التي سرقها إلا إذا استولى على جزء منها ''كما يفعل لصوص الماشية في الفلاحين''، على حد وصف السادات. وبقدوم الخريف، في سبتمبر 1978، ذهب ''السادات وبيجن'' لمنتجع ''كامب ديفيد'' الأمريكي بضيافة ''كارتر''، في مناقشات استمرت ''12 يوما متواصلة''، تمخضت عن ''اتفاقية كامب ديفيد'' لبحث سبل التعاون السياسي بين البلدين الخارجتين من الحرب في أكتوبر 1973، وتفعيل علاقات ما بعد الحرب، وهي الخطوة التي لاقت مناوشات معارضة دوت أصدائها في الشارع المصري والعربي. بعدها بشهور قليلة، في 26 مارس 1979، وقع السادات وبيجن أمام الرئيس الأمريكي ''جيمي كارتر''، على ''معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية''، وهي التي دفعت مصر تمنها غاليا حينها أمام المجتمع العربي بتعليق عضويتها بالجامعة العربية ونقل المقر إلى تونس العاصمة، وأيضا ''مقاطعة عربية'' دامت لسنوات لم تعود إلا ببداية التسعينات، بعد توقيع عدة دول عربية لاتفاقيات سلام وتمثيل مع إسرائيل. أما عن ''بيجن وأجداده بناة الأهرام''، فلم يفارق هذا الهاجس خياله، وبعد التوقيع على ''كامب ديفيد'' وأمام مؤتمر صحفي عالمي، قال ''بيجن'' شاكرا مجهودات ''كارتر''، واصفا إياها بأنها ''لا تقل عن مجهودات أجداده لبناء الأهرامات''، وهو ما قابلها ''السادات'' بضحكة عالية ساخرة أمام الكاميرات. إلا أن الرد جاء بعد تحقيق أمنية ''بيجن'' بزيارة ''الأهرامات''، وقال وهو واقفا أمامها بجانب السادات ''يا لعظمة أجدادي''، هنا فاض بالسادات الكيل وحسم أمره بأن ''أجداده كانوا شغالين في الفاعل عند الفراعنة''، ورغم فوز الاثنين ''السادات وبيجن'' بجائزة ''نوبل للسلام'' بعد توقيع معاهدة السلام، إلا أن ''سياسة القط والفأر'' بينهما ظلت دائرة، خاصة عندما تأتي سيرة ''الأهرامات''.