''أيها الرجال فليبق كلٌ فى مكانه، حياتي فداء لمصر، دمي فداء لمصر، أيها الرجال، أيها الأحرار، إن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم، عشت لكم وسأعيش حتى أموت عاملا من أجلكم ومكافحا في سبيلكم، سيروا على بركة الله نحو المجد نحو العزة نحو الكرامة''. منذ 56 سنة وعبر ''الإذاعة''، سمع المصريون هذه الكلمات بعد سماع دوي ''ثماني رصاصات'' أطلقت على رئيس الحكومة وقتها ''جمال عبد الناصر'' في محاولة اغتياله المشهورة ب''حادثة المنشية''، والتي أشارت فيها أصابع الاتهام إلى ''خلية سرية'' تابعة ل''جماعة الإخوان المسلمين''. القصة تعود لما قبل 26 أكتوبر 1954، فظلال الصراعات بين ''ناصر'' واللواء ''نجيب'' تعود لفبراير من نفس العام، ورغبة ''نجيب'' في سرعة تسليم البلاد ل''سلطة مدنية''، في حين رأى ''جمال'' أن البلاد تستدعي تواجد ''مجلس قيادة الثورة'' لإدارة شئونها، وخشي ''الإخوان'' في ظل هذا الصراع ازدياد نفوذ ''ناصر'' خاصة مع قرب توقيع ''اتفاقية الجلاء''. مفاوضات ''الإخوان وجمال'' بدأت في ''مارس 1954''، وقتها تسلم ''البكباشي جمال عبد الناصر'' رئاسة الوزراء، وطلبت ''جماعة الإخوان المسلمين'' إسناد حقائب وزارية لعدد من كوادرها على رأسهم ''أحمد حسن الباقوري''، وهو ما تحقق بالفعل، وبعدها طلب الإخوان ''رئاسة الوزارة'' نفسها، وهو ما رفضه ''جمال'' ومجلس قيادة الثورة. قرر ''الإخوان'' الانسحاب من الحكومة، إلا أن ''الباقوري'' وبعض رفاقه استمروا في الوزارة، وهو ما استدعى فصلهم من الجماعة بأمر من المرشد ''حسن الهضيبي''، وهو ما أثار ''جمال'' وقام في ''سبتمبر'' بمنع 6 من أعضاء الجماعة من السفر لسوريا لتعبئة أفرعهم من سوريا و العراق والأردن ضد ''عبد الناصر''. ''ساعة الصفر'' حددتها ''خلية سرية'' ادعت اتباعها للجماعة بعلم من ''المرشد''، الخلية يرأسها ''هنداوي سيد أحمد دوير''، محامي منتمي للجماعة، وأعضائها ''محمود عبد اللطيف - سمكري''، ''محمد علي النصيري - طالب حقوق''، ''أنور حافظ محمد - طالب تجارة''، ''خليفة عطوة - قناص''،وهو صاحب رواية الأحداث للصحافة لاحقا. كان دور ''هنداوي'' جلب ''المسدس'' وإعطائه ل''عبد اللطيف محمود''، المتهم الأول في القضية ومطلق الرصاصات، في حين أن ''النصيري'' ارتدى ''حزاما ناسفا'' لتفجيره حال فشل ''الرصاص'' في إصابة الهدف، وارتدى ''حافظ وعطوة'' زي ''الحرس الوطني'' ووقف على المنصة خلف ''عبد الناصر'' ومن معه. مثل الأمس.. كان الاحتفال بميدان ''المنشية'' بالإسكندرية بتوقيع ''اتفاقية الجلاء''، ''المحامي أحمد بدر'' سكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية'' يقف على يمين ''عبد الناصر''، وعلى يساره ''الميرغني حمزة - وزير الزراعة السوداني وزعيم الطائفة الختمية''، ومن ورائهم يجلس كلا من ''المشير عبد الحكيم عامر'' و ''البكباشي حسين الشافعي''. فجأة .. سماع دوي الرصاصات قادم من ناحية ''تمثال سعد زغلول'' باتجاه المنصة، يقفز ''بدر'' لحماية ''ناصر'' وتصيبه طلقة، وبقية الطلقات تصيب وتكسر جزءا من ''الحاجز الأسمنتي'' للمنصة، يتحرك ''حافظ وعطوة'' ناحية ''عبد الناصر'' ويشيران ل''عبد اللطيف'' بأن يتوقف، ويشاء حظ ''عبد الناصر'' أن يضع ''قلم حبر'' في جيبه ينفجر في وجهه من سقوطه على الأرض، ويظنا أن الرصاص أصابه. يلقى القبض على ''عبد اللطيف''، ويعترف ''هنداوي'' ويلقى القبض على باقي الخلية، ويصدر ''ناصر'' قرارا ب''حل جماعة الإخوان'' بعد ثلاثة أيام من الحادث ''29 أكتوبر''، وتشكل ''محكمة الشعب'' العسكرية، تلك التي أسستها ثورة 52 فور قيامها وسط تأييد كل القوى الداعمة للثورة ومنها ''جماعة الإخوان'' نفسها، ويترأسها ''قائد الجناح جمال سالم'' وبعضوية ''البكباشي أركان حرب حسين الشافعي - عضو يسار''، و''البكباشي محمد أنور السادات - عضو يمين''، و ''البكباشي محمد التابعي - ممثل الإدعاء''. وكانت أول جلسات المحكمة في الثلاثاء 9 نوفمبر 1954، ووقف ''عبد اللطيف - المتهم الأول''، ووجهت إليه اتهامات ''الاشتراك مع آخرين في تنفيذ اتفاق جنائي وإحداث فتنة لقلب نظام الحكم، وذلك بإنشاء نظام سري خاص مسلح للقيام باغتيالات واسعة النطاق، وارتكاب عمليات تخريب في أرجاء البلاد تمهيدا لاستيلاء ''الجماعة'' على الحكم بالقوة''، و''الشروع في قتل البكباشي أركان حرب جمال عبد الناصر رئيس الحكومة تنفيذا للاتفاق الجنائي المشار إليه في الفقرة الأولى''. أقر المتهم الأول بذنبه، وسألته المحكمة عما إذا أراد توكيل محاميا للدفاع عنه، فطلب المحامي ''محمود سليمان الغنام''، فإن رفض فيكون المحامي ''مكرم عبيد''، فإن رفض فيكون ''فتحي سلامة''، وتأجلت القضية ''48 ساعة'' لجلسة 11 نوفمبر 1954، وجاء ''حمادة الناحل'' محاميا عن ''عبد اللطيف''. اعترفوا أن ''الهضيبي - مرشد الجماعة'' هو المحرض على الاغتيال، وتمت المواجهة وأنكر ''الهضيبي''، وطلب منه ''جمال سالم'' أن يقسم على ذلك، فأمسك ''الهضيبي'' بالمصحف وأقسم أنه لا يعرفهم ولم يكلفهم بذلك، وهنا صرخ فيه ''عبد اللطيف'' قائلاً'' يا كافر بتحلف على المصحف كدب !''. صدرت الأحكام بإعدام أعضاء ''الخلية'' الخمسة، ومعهم ''حسن الهضيبي - مرشد جماعة الإخوان المسلمين''، و''يوسف طلعت، ابراهيم الطيب، محمد فرغلي، عبد القادر عودة'' من كوادر الإخوان، وصدر قرارا بتحديد إقامة اللواء ''محمد نجيب'' في منزله، وبعد 21 يوما خفف الحكم عن ''أنور حافظ وخليفة عطوة'' للمؤبد ثم عفو من ''عبد الناصر- الحاكم العسكري'' بعد أن شاهد تسجيل الحادثة وكيف أوقفوا الضرب عنه. ولم تكن هذه الحادثة هي الأخيرة في سجل مواجهات ''عبد الناصر والإخوان''، ففي 1965، قدم مئات الإخوان للمحاكمة بتهمة ''محاولة إعادة التنظيم'' بعد أن تم حل الجماعة، وصدرت أحكام الإعدام بحق كوادر الجماعة على رأسهم المفكر الإسلامي ''سيد قطب''، ليعودوا للضوء بعد رحيل ''ناصر'' و مجئ ''السادات'' للحكم ويستعين بالمرشد ''عمر التلمساني'' لإعادة ''الجماعات الإسلامية'' مرة أخرى للمشهد السياسي.