لم تكن العلاقة بين السلطة القضائية، والرئيس محمد مرسي، مستقرة أو صافية، منذ توليه السلطة فى نهاية يونيو الماضي، حيث مرت العلاقة بينهما بعدة أزمات، انتهت جميعًا بانتصار واضح - حتي وإن كان مؤقت - للقضاة. وجاء القرار الأخير للرئيس بتولي النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، لمنصب سفير مصر فى الفاتيكان، وإبعاده بشكل منمق عن مهام النائب العام، ليشكل الصدام الثالث فى أقل من 4 أشهر، بين الرئيس والسلطة القضائية. ويزيد من حدة الصدام بين الجانبين، رفض النائب العام قرار محمد مرسي، وإعلانه تمسكه بمنصبه، وتاكيده فى تصريحات صحفية تداولتها وسائل الاعلام، بأن الدستور والقانون يمنعنان الرئيس من التدخل فى شئون القضاة وإحالته لأي عمل غير قضائي. ورغم أن إقالة النائب العام كان ولايزال طلب متكرر للقوي الثورية، خاصة مع توالى حصول أركان النظام السابق المتهمنيفى قضايا قتل متظاهرين وفساد مالي، على أحكام البراءة، بسبب ما اعتبره الكثيرين قصور فى أداء النسابة العامة فى تقديم الادلة الدامغة للقضاة، الإ أن للقضاة رؤية أخري ومنطقية كذلك. فقيام مرسي بإقالة النائب العام -بصرف النظر عن طريقتها ''الشيك'' -، سيرسي مبدأ بعد ذلك يسمح للرئيس أي كان بالتدخل فى شئون السلطة القضائية وإقالة أعضاءها، وهو ما يرفضه القضاة بشدة، ويعتقدون أن الصدام الآن وسيلة لمنعه فى المستقبل. ويأتي الصدام المتوقع والواقعي بين القضاة والرئيس، ليظهر مدي الهاوية الكبيرة بين الطرفين، والتى تتسع بمرور الوقت، ومنذ إعلان فوز مرسي بمنصب الرئيس، وحتي قبل دخوله لقصر الرئاسة فى الأول من يوليو الماضي. فمرسي - وقبل توليه السلطة عقب أول انتخابات حقيقة فى العصر الحديث -، اصطدم مع السلطة القضائية، والمحكمة الدستورية بشكل خاص، حول حلف اليمين الدستوري لتولي المنصب بشكل رسمي. فتصريحات قياديات اخوانية ظهرت بكثافة انذاك، تؤكد أن الرئيس لن يحلف اليمين سوي أمام مجلس الشعب - الذي قضت الدستورية بحله بحكم قضائي قبل ساعات من إعلان فوز الرئيس بمنصبه -، وهو ما اصطدم وقتها بتصميم الدستورية على اداء اليمين أمامها، وفى مقر المحكمة وليس أي مكان بخلاف ذلك. ومع قرب موعد حلف اليمين، وبدء الحديث عن الأزمة الدستورية والفراغ السياسي الذى قد ينتج عن عدم تأدية الرئيس لليمين، انصاع مرسي للعقل ولاصرار القضاة، وتوجه إلى مقر المحكمة الدستورية لحلف اليمين واستلام مهام منصبه. أما الصدام الثاني فكان عقب فوز مرسي بالرئاسة بأسبوع واحد فحسب، بإصداره قرار بعودة مجلس الشعب المنحل بقرار الدستورية العليا، بقرار نصه: ''سحب القرار رقم 350 بحل مجلس الشعب، وعودة مجلس الشعب المنتخب لممارسة اختصاصاته بالمادة رقم 33 من الإعلان الدستورى، وإجراء انتخابات مجلس الشعب مرة أخرى خلال 60 يومًا من تاريخ موافقة الشعب على الدستور الجديد''. وجاء قرار الرئيس بعد أسبوع واحد من امساكه بزمام الأمور فى الأول من يوليو الماضي، ليتحدي حكم المحكمة الدستورية العليا، التى كانت قد أصدرت حكمها بعدم دستورية القانون المنظم لانتخابات الثلث الفردي بمجلس الشعب. ومع الغضب الشديد الذى اجتاح أوساط القضاة، ورفضهم لقرار مرسي باعتباره تعدياً على السلطة القضائية وأحكامها، وانحياز عدد كبير من الساسة والاعلاميين للقضاة، تراجع الرئيس عن قراره، وقرر استمرار حكم الدستورية وإعادة الانتخابات البرلمانية بشكل كامل. والواقع أن الخلافات المتكررة بين سلطات الدولة الواحدة، يمثل أزمة واضحة على هذه السلطات أن تعالجها سريعًا، سواء بحوار داخلي بينها، أو بمواد دستورية واضحة وصارمة - وغير قابلة للتأويل - والأهم من ذلك يتوافق حولها الجميع.