لم يتوقع أحد من كبار خبراء السياسة أوغيرهم باندلاع ثورة فى مصر بعد عقود من سنوات حكم العسكر؛ والذي بدأ منذ بداية حكم جمال عبد الناصر فى الخمسينيات وحتى نهاية عهد حسني مبارك فى بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة . ولكن ثورة 25 يناير ضربت بكل التوقعات والتكهنات والتحليلات السياسية للأوضاع فى مصر "عرض الحائط"؛ بعدما انتفضت جميع قوى الشعب المصري متمثلة فى شبابه قبل شيوخه.. فقراءه قبل أغنيائه.. نسائه قبل رجاله.. عامته قبل صفوته..عماله وكادحيه قبل منعميه ومترفيه. وكان لعمال مصر نصيب الأسد من إشعال فتيل ثورة 25 يناير؛ حيث كانت لإضراباتهم ووقفاتهم الاحتجاجية ومطالباتهم بحقوقهم أكبر الأثر فى زحزحة "الحجر الصوان" الذى كان يمكث على صدور المصريين منذ عشرات السنين . كان إضراب 6 أبريل عام 2008 ضد الغلاء والفساد والذي جاء تضامنا مع إضراب عمال شركة المحلة في ذلك اليوم، هو "القشة التي قطمت ظهر البعير"؛ حيث تحول الاضراب من دعوة إضراب عمالى لعمال شركة المحلة إلى إضراب عام في مصر بعد تبنى بعض المدونين والشباب المصري الفكرة عرفوا فيما بعد بحركة "شباب 6 أبريل" وحركة "كفاية" وبعض الاحزاب المعارضة في مصر. وتحول الإضراب في مدينة المحلة الكبرى إلى أحداث شغب كبيرة عرفت إعلاميا ب"أحداث 6 أبريل" أو "أحداث المحلة" شملت هجوم على أقسام ومراكز الشرطة وتدمير جزء من المدينة وإحراق مبانى وعمليات سلب ونهب بشكل عشوائى . وكانت مطالب الإضراب الذى كان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى وعزيمة الشعب المصري، تتضمن فى زيادة المرتبات وتحسين خدمات المواصلات العامة والمستشفيات وتوفير الدواء ومحاربة رفع الأسعار والمحسوبية ومحاربة الفساد والرشاوي. وجاء في الدعوة التي كتبت باللهجة المصرية العامية ومن بينها بعض العبارات البسيطة لسهولة فهمها من قبل غالبية الشعب المصري التي تمثل نسبة الأمية بين أبنائه ما يقرب من 40%، "خليك قاعد في البيت أو شاركنا في الميادين العامة"، "أوعى تنزل لكن شاركنا"، ماتروحشي الشغل"، "ماتروحشي الجامعة"، "ماتروحشي المدرسة"، "ما تفتحشي المحل" . كما جاءت المطالب معبرة عن قضايا المجتمع كله وليست متمثلة فى قضايا العمال فقط، رافعين لافتات وشعارات مناوئة للأوضاع المصرية على جميع المستويات ومن بينها "عايزين مرتبات تعيشنا"، عايزين نشتغل"، "عايزين تعليم لأولادنا"، "عايزين مواصلات أدمية"، "عايزين مستشفيات تعالجنا"، "عايزين دواء لأطفالنا"، "عايزين قضاء منصف"، "عايزين أمن وأمان"، "عايزين حرية وكرامة" . وكان للشرطة نصيب كبير من المطالب التي طالب بها المشاركين فى الإضراب الأشهر فى تاريخ مصر ومن بينها: "مش عايزين ظباط بلطجية"، "مش عايزين تعذيب في الإقسام"، "مش عايزين إتاوات"، "مش عايزين فساد"، "مش عايزين رشاوي.. مش عايزين اعتقالات"، "مش عايزين تلفيق قضايا" . وحذرت الحكومة من التجمهر والتظاهر في ذلك اليوم ومن غياب الموظفين الحكومين والعاملين بالدولة من الغياب في هذا اليوم مع قرارات بالعقاب مع كل من يغيب بدون عذر مسبق مقبول، كما نشرت وزارة الداخلية المصرية عدة بينات تحذر من المشاركة في الاضراب والاعتصام وعدم الذهاب إلى العمل وقالت انها لن تتهاون مع مثيرى الشغب وتم نزول عربات الامن المركزى بشكل مكثف في كل المحافظات والمدن بالاخص مدينة المحلة والقاهرة والإسكندرية في الميادين العامة والأماكن الرئيسية وأماكن التظاهر المعلنة . وربما فى تلك الآونة قد نجحت الشرطة المصرية فى إخماد مؤقت لنيران الثورة التي اشتعلت فى قلوب قبل عقول المصريين وكان لعمال مصر الشرفاء الفضل الأكبر فى هذا الأمر، إلا أن نيران الثورة استمرت فى الاشتعال وتصاعدت أدخنتها هنا وهناك.. إلى أن جاءت لحظة "الفوران" وهو يوم 25 يناير 2011 الذى شهد أكبر صحوة فى تاريخ مصر الحديث، عندما وقف جموع المصريين وقفة رجل واحد رافعين شعار واحد فقط وهو "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية " . ومنذ عشرات السنين ونحن نحتفل فى يوم 1 مايو من كل عام بما أطلق عليه "عيد العمال"، الذى انحسر فى حضور الرئيس بإحدى قاعات الاحتفالات الفارهة والمكيفة، يصطف أمامه المئات من مرتدي "البدل والكرفتات" والقليل من العمال المنتقين والمعروف عنهم "حسن السير والسلوك"، يخطب ويستعرض ما أنجز خلال عهده !، ويقف أحد الحاضرين ويهتف ويقول المقولة المعروفة "المنحة يا ريس !"، وسط ابتسامة الحاضرين جميعا . ونحن اليوم، نحتفل بعيد العمال لكن بنكهة خاصة جدا؛ حيث يعتبر ثاني عيد للعمال بعد ثورة 25 يناير، لإنه احتفال بصاحب فضل على مصر كلها رجالها قبل نسائها.. كبارها قبل صغارها.. لأنه ليس عيداً لعمال مصر فقط لكنه عيداً لجميع المصريين. اقرأ ايضا: العمال بالتحرير لصباحي: ''ابن ناصر طالع طالع.. من الغيطان ومن المصانع''.. صور