كراتشي (رويترز) - اذا أردت قياس مدى حدة النزاع السياسي في كراتشي العاصمة المالية لباكستان فما عليك الا احصاء الجثث في المشارح. وقال ميراج محسن العامل بالمشرحة "يوجد بين 30 و 30 جثة في بعض الاسابيع. عندما يقتل عضو باحد الاحزاب اعرف ان (الحزب) الاخر سيرد وقد يقع قتلى كثيرون اخرون." كان محسن يحمل بطاقة مرفقة باحدى الجثث في كراتشي التي تشتهر بعمليات القتل المستهدف الذي ينحى فيه عادة باللائمة على اعضاء من الاحزاب السياسية المتنافسة. ووفرت جثة الرجل دلائل على اللحظات الاخيرة في حياته قبل ان يقتل رميا بالرصاص في مؤخرة الرأس. فالاغلال مازالت في يديه والكدمات على العمود الفقري تشير الى تعرضه للتعذيب قبل الموت. وفي بعض الحالات تثير كراتشي اسئلة بشأن استقرار باكستان اكثر ازعاجا من وضع المناطق الحدودية الشمالية الغربية التي تعتبر مركزا عالميا للمتشددين والتي تمثل مبعث قلق كبير للغرب. وقالت سامينا احمد مديرة شؤون باكستان بالمجموعة الدولية لمعالجة الازمات ان التوتر السياسي هو اكبر خطر يتهدد كراتشي في الوقت الحالي خاصة اذا تعرض الائتلاف الحاكم باقليم السند الذي تتبعه المدينة لضغط شديد من شأنه ان يؤدي لمزيد من العنف. واضافت "كراتشي هي المركز المالي لباكستان. واذا تراجعت كراتشي ستتراجع بقية البلاد ايضا." وفي حين يستطيع الجيش توجيه ضربات لمسلحي طالبان المرتبطين بالقاعدة فان احتواء القوى التدميرية في كبرى المدن الباكستانية يبدو مستحيلا. فالعصابات الاجرامية والمافيا وأباطرة المخدرات وتجار الاسلحة وأصحاب الاراضي الشاسعة يدافعون بلا رحمة عن مناطق نفوذهم وفي بعض الحالات تتردد مزاعم عن ارتباطهم بالاحزاب السياسية. وتبدو كراتشي التي يسكنها 18 مليون نسمة مثل كثير من المدن الكبرى الاخرى المكتظة بالسكان. لكن هؤلاء المجرمين هم من يحتلون عناوين الاخبار فيها. وقوة الشرطة التي تفتقر الى السلاح والتمويل ولا يتجاوز عدد افرادها 33 الفا ليست في وضع يمكنها من مواجهة هذا التحدي. ولكراتشي تاريخ طويل من العنف العرقي والديني والطائفي. غير ان مئات من حالات القتل المستهدف هذا العام اثارت مخاوف من تصاعد العنف وايجاد ازمات جديدة لحكومة اسلام اباد المدعومة من الولاياتالمتحدة. ويقول مسؤولون ان كراتشي تسهم بما يصل الى 68 في المئة من الايرادات الاجمالية للحكومة و 25 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. ولدى اغلب الشركات الاجنبية مقار هناك. وتعني الاضطرابات غالبا تعطيل الناتج الصناعي وتراجع فرص جذب المستثمرين الاجانب وهي مهمة أصبحت ملحة بشكل أكبر منذ اثرت فيضانات الصيف بشدة على الاقتصاد. ولم تشهد كراتشي الى حد كبير هجمات واسعة النطاق للمتشددين التي عانت منها مناطق اخرى في البلاد. لكن تلك الهجمات تقع بين الحين والاخر مما يشير الى أن شبكة من الجماعات المتشددة وجدت ملاذا امنا في المدينة. وفي هجوم جريء الاسبوع الماضي دمر ما يشتبه بانه تفجير سيارة ملغومة لطالبان الباكستانية مقر ادارة المباحث الجنائية حيث كان يجري استجواب متشددين قياديين. وقتل ما لا يقل عن 18 شخصا واصيب 100 اخرون. ويقول منتقدون ان الساسة يفتقرون الى ارادة ارساء الاستقرار في كراتشي التي يوجد بها الميناء الرئيسي بالبلاد والبورصة والبنك المركزي كما انها الممر الرئيسي للامدادات العسكرية الغربية المتجهة الى افغانستان المجاورة. ويقول حزب الحركة القومية المتحدة المهيمن على المدينة ومنافسه حزب عوامي الوطني الذي يمثل البشتون ان بعض من اعضائهما يقومون بعمليات قتل مستهدفة لكن بدون موافقتهما ويتبادلان الاتهامات ببدء القتل. وحزب الحركة القومية المتحدة شريك مؤثر في الحكومة الاتحادية ويمثل المهاجرين المنحدرين من متحدثي الاردية الذين هاجروا من الهند بعد انشاء باكستان عام 1947. وربما خذل الساسة في حكومة اقليم السند والحكومة الاتحادية كراتشي لكن بعض الباكستانيين مازالوا يؤمنون بمستقبل افضل للمدينة التي تعاني من جراح الجريمة والعنف. عمر غفور تخلى عن مكانه في شركة عالمية في الخارج وعاد الى باكستان عام 2001. وهو الان يرأس سلسلة من عيادات العيون المجانية بكراتشي التي تمولها الجمعيات الخيرية. قال غفور "ربما لا تستطيع الحكومة المساعدة. لكنني متفائل. أنا واثق من شعب باكستان. "ولدت عام 1944. بعد الانقسام أبلغني والدي ان بمقدورنا ان نحلم بمستقبل لباكستان. نحن لا نزال نتشبث بالحلم." وفي عالم السياسة المحفوف بالمخاطر في كراتشي ينصب التركيز على سبل الافلات من فخاخ الموت. فقد أدى مقتل نائب من الحركة القومية المتحدة في اغسطس الى أعمال عنف اودت بحياة 100 شخص على مدى اسبوع. وفي المقر الرئيسي للحركة القومية المتحدة يمرر الحراس مرايا تحت المركبات للتفتيش عن القنابل عندما يأتي الزوار. وقال الوزير الاقليمي فيصل علي سوبزواري انه واربعة مسؤولين اخرين من الحركة القومية موضوعون على قائمة اغتيال. ويقول ان زيارة دائرته الانتخابية امر ينطوي على خطورة بالغة. وفي مقر يخضع لحراسة مشددة بالمدينة قال المسؤول الكبير بحزب عوامي الوطني شاهي سيد انه سيرحب بانتشار الجيش في الشوارع. وكان الرجل يجلس اسفل ملصق لزعماء حزب عوامي السابقين والحاليين يحمل رسالة "السلام على الارض". وقال "سنكون سعداء اذا اتى الجيش الى كراتشي. اعتقد ان الجيش يجب ان يفعل ذلك في كل مكان ويقضي على مافيا الاسلحة ومافيا الاراضي ومافيا المخدرات" متوقعا ان يتمكن خمسة الاف جندي من تطهير المدينة في نحو أربعة اشهر. لكن طرقات على الباب قطعت كلام الرجل. وكان الطارق يحمل أخبارا سيئة حيث ابلغه بمقتل عضو اخر من حزب عوامي الوطني للتو برصاص مسلحين. وقال اخو الضحية ويدعى عبد الغني انه قتل رميا بالرصاص وترك بجانب كشك لبيع السمك في السوق. وقال أحد المشيعيين الذين تجمعوا امام منزله "لا يوجد مكان آمن. أينما تجلس يمكن ان يدركك الموت. افضل شيء هو ان تحب الموت حتى تعانقه وقتما يأتيك."