دبي (رويترز) - من استراليا الى جنوب افريقيا تقبل الحكومات على تغيير قوانينها لتتلاءم مع صناعة التمويل الاسلامي البالغ حجمها تريليون دولار والتي تتزايد جاذبيتها منذ الازمة العالمية لتجنبها الديون عالية المخاطر. لكن في منطقة الخليج مهد الاسلام والتمويل الاسلامي سلكت الحكومات نهجا سلبيا يقول الخبراء انه يبطئ نمو هذه الصناعة. وقال همايون دار الرئيس التنفيذي لشركة بي.ام.بي الاسلامية للاستشارات والهيكلةالتي مقرها في لندن "باستثناء ماليزيا والسودان وايران لم تتبنى أي حكومة حقا مشروع التمويل الاسلامي." وفي ماليزيا يوجد مجلس شرعي وطني يضع القواعد للمؤسسات المالية الاسلامية. ويجري توحيد القواعد تحت اشراف البنك المركزي الذي عمل بنشاط على دعم التمويل الاسلامي. وفي الارباع الثلاثة الاولى من 2010 بلغت حصة الحكومة الماليزية من اجمالي اصدارات السندات الاسلامية (الصكوك) في العالم 62.5 بالمئة بقيمة 18.4 مليار دولار وذلك وفقا لبيانات تومسون رويترز. وفي المقابل لم تصدر أي صكوك سيادية من منطقة الخليج خلال هذه الفترة. وفي السعودية على وجه الخصوص تجبر القوانين المؤسسات على الالتزام بالشريعة التي تحرم الربا. حتى ان البنك المركزي السعودي لا يميز بين الانشطة المصرفية التقليدية والاسلامية. ومع هذا يذكر تقرير أصدره بلوم انفست بنك ذراع الانشطة المصرفية الاستثمارية لمجموعة بنك لبنان والمهجر (بلوم) في 2009 أن نمو الانشطة المصرفية الاسلامية في المملكة -أكبر سوق في منطقة الخليج- يعوقه الافتقار الى القوانين الواضحة. وعلى سبيل المثال تخشى كثير من البنوك الاسلامية تقديم رهون عقارية بسبب عدم الوضوح في السعودية بشأن قدرتها على حبس الرهن عند التخلف عن السداد. ويقول محامون ومصرفيون ان هذه المخاوف تضغط على الطلب والاسعار في قطاع الاسكان السعودي. ويجري اعداد قانون للرهن العقاري في السعودية منذ أكثر من عشر سنوات لكن مازال غير واضح متى سيتم اقراره. وحتى في الامارات العربية المتحدة يقول محامون ان بعض القوانين تناهض فعليا معاملات التمويل الاسلامي خاصة تلك المتعلقة بصكوك الاجارة أحد أكثر أشكال التمويل الاسلامي انتشارا. وتتضمن صكوك الاجارة نقل أصول مادية -تكون عقارات في الاغلب- من طرف الى اخر حيث أن الشريعة لا تسمح بالقروض أو الفوائد الربوية. وقد يكون أفضل توصيف لصكوك الاجارة هو أنها تأجير تشغيلي يؤجر المالك بمقتضاه أحد الاصول الى العميل. وقال نبيل عيسى أحد الشركاء في شركة المحاماة العالمية كينج اند سبالدينج "المشكلة تكمن في الرسوم المرتفعة المرتبطة بنقل ملكية الارض في عقد الاجارة ويتساءل المستثمرون ان كانت التكلفة مرتفعة بدرجة تؤثر على عوائدهم المحتملة." وأضاف "بريطانيا وفرنسا شجعتا المعاملات المتوافقة مع الشريعة. ويتعين على الامارات أن تلغي الرسوم لكي تسهل التمويل الاسلامي." وكشفت الازمة المالية التي سببت موجة من التخلف عن السداد والنزاعات والاعسارات في دبي ضعفا في التنظيم وأدت الى فقدان الثقة بين الشركات. ودفع هذا بعض الشركات الى التسجيل في مركز دبي المالي العالمي رغم التكاليف المرتفعة لان هذه المنطقة المالية الحرة لها الحق في وضع تشريعاتها الخاصة. وأقام مركز دبي المالي العالمي اطارا قانونيا يجمع أفضل ممارسات السلطات الرائدة ويطمئن الشركات في حالة التخلف عن السداد أو المنازعات." وقال محام طلب عدم كشف هويته "لا شك لدي في أن الامارات قامت بخطوة لتغيير قوانينها الحالية لكي تكون أكثر شفافية وتيسيرا خاصة فيما يتعلق برسوم تسجيل الاراضي.. سنرى مزيدا من نمو التمويل الاسلامي ومزيدا من الصكوك هنا." وأضاف "هناك اعجاب كبير جدا بالصناعة لدرجة أن بقية العالم تقوم بتغييرات لكن ليس هناك عمل كاف في الداخل للوفاء باحتياجات التمويل الاسلامي." ويعود الفضل الى البحرين في أنها جعلت من نفسها مركزا للتمويل الاسلامي في المنطقة حيث يوفر البنك المركزي البحريني اطارا تنظيميا للمؤسسات المالية الاسلامية بناء على التوجيهات التي تصدرها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية. وهذه الهيئة التي مقرها البحرين هي أقرب ما في التمويل الاسلامي الى هيئة تنظيمية عالمية مستقلة تضع المعايير. ولدى البنك المركزي أيضا قواعد تغطى الرسملة وادارة المخاطر والجرائم المالية والافصاح فضلا عن سعيه لتدريب مستشارين شرعيين لمساعدة الصناعة على النمو بوتيرة أسرع. لكن التمويل الاسلامي يواجه عقبات في أسواق أخرى في الشرق الاوسط وشمال افريقيا حيث مازالت هناك حواجز أمام الدخول. في سلطنة عمان التي يسكنها نحو 3.4 مليون مسلم لا تشجع سياسات البنك المركزي على تأسيس وتوسيع مؤسسات مالية اسلامية. ومصر مثال اخر على ذلك. فهي سادس أكبر دولة اسلامية حيث يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة لكن التمويل الاسلامي لا يشكل سوى ثلاثة الى اربعة في المئة من قطاعها المصرفي الذي يبلغ حجمه 193 مليار دولار. وتتوقع الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر تطبيق لوائح الصكوك الاسلامية بحلول الربع الاول من 2011 لكن بعض المحللين يقولون انه من السابق لاوانه تحديد كيفية العمل على تنمية التمويل الاسلامي. ويقع جانب من اللوم في هذا على احتيالات شركات توظيف الاموال التي ظهرت في الثمانينات وزعمت أنها اسلامية وجعلت ملايين المصريين متخوفين من الانشطة المصرفية الاسلامية. وبعد كشف هذه الاحتيالات أصدر مفتي الديار المصرية انذاك الشيخ محمد سيد طنطاوي فتوى مثيرة للجدل تبيح أخذ الفائدة مادامت غير مفرطة وهو ما يلغي الحاجة للتمويل الاسلامي. ويقول محللون ان المخاوف من أن تستخدم جماعة الاخوان المسلمين المعارضة التمويل الاسلامي لتحقيق مكسب سياسي أثنى الحكومة عن تبني قوانين لدعم هذه الصناعة. في المقابل يعتزم مجلس الضرائب الوطني في استراليا عقد اجتماع في نوفمبر تشرين الثاني لتطوير قوانينه لالغاء رسوم الدمغة المزدوجة. وفي جنوب افريقيا تسعى الحكومة الى اصلاح قوانين الضرائب للمساعدة على تنمية الصناعة رغم أن المسلمين لا يشكلون سوى اثنين بالمئة من السكان. وقال امان محمد العضو المنتدب للبنك الاسلامي ابسا "الطائفة المسلمة في جنوب افريقيا كانت في وضع غير موات." وأردف قائلا "جعلنا المنظمين يدركون محنتنا."